سوق أسود للاتجار بالبشر ابتلعت عشرات الآلاف..يمتلكون إمكانيات تعجز الحكومة عن توفيرها لقواتها

حمداييت- طارق عثمان

أحاديث ظلت تخترق أذنيّ منذ فترة ليست بالقصيرة، وحكايات للخيال أقرب عن عصابات للاتجار بالبشر “رق القرن الواحد والعشرين”، وقصص عن سرقة الأعضاء البشرية تقشعر لسماعها الأبدان لخلو وقائعها وتجردها من كلمة إنسانية.

وهناك من اغتنى فجأة، وآخر امتلك الكثير من الأموال جراء مشاركته بعمليات تهريب البشر في الأعوام الأخيرة، والتي اختفى على إثرها عشرات الآلاف من طالبي اللجوء بشرق السودان بشكل بات مخيفاً أكثر من كونه روايات تروى، وخلال 2012م تطور الأمر.

وأصبح خطراً يهدد الأسر السودانية بشرق السودان قبل تهديده للأمن القومي والإقليمي بعد ان راجت ظاهرتا الاختطاف والاتجار بالأعضاء البشرية وممارسة الابتزاز مع الضحايا بمناطق محددة سماها البعض لفظائعها «مثلث برمودا» الإفريقي، حيث الخطر، ويضم”ارتيريا واثيوبيا والسودان” ويقع داخل السودان.

الرحلة ليست سهلة كما توقعتها، بداية من وسيلة المواصلات، نظراً لوعورة الطرق من كسلا بشرق السودان إلى المثلث الحدودي.

فوسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة هي “لوري بدفورد”، وتستغرق الرحلة 6 ساعات من كسلا إلى حمداييت التي تتبع إدارياً لمحلية “ود الحليو” بولاية كسلا، وتمثل قلب المثلث. الطرق وعرة وملتوية وتغطي الغابات ملامح الدروب، وتنشط فيها عصابات النهب أو ما يطلق عليها «الشفتة».

منطقة تعتبر حمداييت أول سوق داخل السودان، لعمليات الاتجار بالبشر، حيث يلتقي فيها السماسرة من إثيوبيا وارتيريا مع نظرائهم السودانيين لتكملة الصفقة، فطبيعة المنطقة الجغرافية وارتفاعات ومنحنيات الأرض هنا تضيف للمكان وحشية أخرى غير التي ترويها قصص الناجين من محاولات الاختطاف.

بعد وصولي إلى منطقة “حمداييت” التي دخلتها وأكاد لا أرى نفسي جراء طبقات الغبار التي تراكمت على جسدي وثيابي، وجدت مأوى يتمثل في “لوكاندة” صغيرة مشيدة من القش، أقمت فيها سبعة أيام متخفياً، فقد انتحلت شخصية تاجر مواش، وتسللت إلى سوق البلدة وتجولت بين أكشاك بائعات الشاي من الفتيات الإثيوبيات، وجمعت الكثير من المعلومات من خلال روايات وقصص عن تهريب البشر.

وتجار البشر في حمداييت ينتمون للدول الثلاث، ويلتقون لعقد صفقاتهم وبعضها عبر الهاتف، وتعرفت إلى بعض السماسرة بالاسم، إلا أنه استعصى عليّ معرفة أي شيء عن عملهم الذي يتم في جنح الليل، والغريب أن مرتادي السوق يعرفونهم، لكن الأغرب ان السلطات الأمنية تجهلهم!.

أرشدني بحثي إلى التعرف لمصدر أمني، فأطلعته على مهمتي وألححت عليه لمساعدتي، فاستجاب لتوسلاتي بعد جهد مضن وعلق بشكل مقتضب: “أنت قائل الموضوع البتفتش فيهو دا ساهل، القضية كبيرة، وراها ناس كبار، انت تفتش عن إبرة في كوم قش”، قلت له: الجميع هنا يعرفون وبصفة شخصية المتعاملين في تجارة البشر، فهل أنتم تعرفونهم؟..

“نعم، نعرفهم جميعا”، هكذا أجابني وكأنه توقع سؤالي وواصل حديثه: لكن للأسف لا نملك الإمكانيات لمطاردتهم، وفتحنا بلاغات جنائية ضد السماسرة، ولم يتوافر الدليل فخرجوا من التهم كـ”الشعرة من العجين” نتيجة انعدام الإمكانيات لدى الأجهزة الأمنية التي تتيح إلقاء القبض عليهم متلبسين.

وهم يمتلكون إمكانيات تعجز الحكومة عن توفيرها لقواتها. قلت له: ذكرت ان الموضوع ليس سهلا، وهناك كبار يشتركون فيه، فسِّر، فرد: “نعم هناك ناس كبار وراء الموضوع، امشي انت فتش عليهم بطريقتك”، واختتم حديثه معتذراً ثم غادرني .

بيع الناس

كشف لي أحد السماسرة الذي التقيته قصته التي بدأت منتصف 2012 عندما عرض عليه احد الأشخاص العمل معه في إقناع الإثيوبيين والارتيريين الراغبين في مغادرة أوطانهم لتحسين أوضاعهم، ويقول (ع) وهو شاب أربعيني يرتدي ملابس أنيقة توحي انه موظف حكومي: “رفضت بداية العمل كوسيط في التهريب، ثم وافقت مقابل 100 ألف جنيه سوداني “20 ألف دولار” كعربون، أغراني المبلغ ووافقت لأنني ظللت لسنوات أتسكع على الحدود، ما جعلني أتقن اللهجات المحلية لسكان تلك البلدان. وذلك سهّل علي إقناع معظم الشباب”.

ويشير إلى ان الصفقات تتم عبر مختصين بالمناطق الحدودية داخل اثيوبيا، ويرحلون عبر نهر ستيت بطرق تقليدية “جركانات” إلى داخل الأراضي السودانية عبر طرق وعرة وأنفاق، وعبر غابة زهانة إلى المركز الرئيسي للتجمع وهو معسكر “الشجراب” للاجئين شرقي السودان، ومنه يحدد “الشخص المهرب” وجهته، إما البقاء في السودان أو الهجرة للخارج.

ودوري ينحصر في التهريب من حمداييت فقط. وهناك آخرون يكملون المهمة. واختتم (ع) حديثه مؤكدا: عملنا مشروع، طالما هناك أشخاص يواجهون ضغوطا اقتصادية صعبة، ويريدون الهجرة، ونحن نساعدهم نظير مبالغ قليلة.

مخاوف متسللة

سألت إحداهن داخل السوق وهي بائعة شاي: «اسمك منو ..؟»، أجابتني بعربية ركيكة: مسرات. متى جئت إلى هنا ولماذا؟ «قبل سنة ونص عشان شغل».

لماذا لم تذهبي إلى الخرطوم؟، «خرطوم محتاجة قروش كتير، محتاجة لي كم؟ اثنين مليون»، لماذا لم تذهبي لكسلا فهي قريبة؟. «كسلا كعب يبيعوني في الطريق». تركتها تبيع لزبائنها المحدودين علها توفر المبلغ حتى تغادر إلى الخرطوم.

خشية مسرات من سرقة أعضائها مبررة، فقد سمعت اختفاء بعض بنات جنسها بين حمداييت ومعسكر الشجراب، وعثر عليهن جثثا متحللة وأخريات منزوعات الأعضاء ودون أثر للفاعل. وذلك ما أكده رئيس المجلس التشريعي بولاية كسلا الحدودية احمد حامد بقوله: ” الاتجار بالبشر تطور من تهريب للأشخاص إلى الخرطوم، واختطاف لنزع الأعضاء وبيعها، إلى القتل من أجل نزع الأعضاء.

انتابتني حالة خوف ممزوجة بغثيان مما سمعت، ولكنها لم تمنعني من مواصلة مهمتي، حيث قررت الذهاب إلى نقطة الانطلاق الرئيسية لعمليات الاتجار بالبشر والاختطاف وسرقة الأعضاء داخل الأراضي السودانية في منطقة “الشجراب” أكبر معسكر للاجئين بشرق السودان.

الانفلات والردع

ذهبت إلى كسلا فواجهتني عقبات عدة، أبرزها رفض المسؤولين الحكوميين التحدث حول الظاهرة ، وبعد يومين تم إرشادي إلى رئيس المجلس التشريعي احمد حامد الذي بدا اهتمامه واضحا بالظاهرة، فقال إنها أصبحت مهددا امنيا خطيرا جدا، الأمر الذي جعل مجلسه يستشعر مسؤوليته تجاهها.

ويصدر تشريعا ولائيا في يوليو عام 2010 للحد من الظاهرة التي وصفها بالدخيلة، وخشية ان تحدث انفلاتا أمنيا، خاصة والمناطق التي تنتشر بها قبلية، ويشير إلى ان عمليات الاتجار بالبشر تتم الآن في أوساط الوافدين من دول الجوار الذين يهربون للسودان من بلدانهم، ما يتطلب توفير الحماية لهم ، وحذر من ممارسة السودانيين لها، لما تدره من أموال طائلة.

وقال ان القبائل الموجودة في المنطقة لا تسكت إذا استهدفتها عصابات الاتجار بالبشر وستشتعل المنطقة بأكملها عبر حروب بين القبائل. والحكومة المركزية في الخرطوم اعتبرت اصدار القانون اكبر من حجم المجلس، ومارست اعلاما مضادا لنصوص القانون، وظهرت مطالبات لإلغائه، ما شجع العصابات على مواصلة نشاطها الإجرامي وقامت باختطاف بنتين وولدين من معسكر شجراب في وضح النهار.

وقد أثرت العمليات سلبا في العمالة في شرق السودان، وتحديدا في المشاريع الزراعية في عمليات الحصاد، بسبب الخوف من عصابات سرقة الأعضاء. والعصابات المسلحة هددت المزارعين بخطف العمال من المشاريع.

والقضية لم تعد مهددا أمنيا، فحسب بل اقتصادي واجتماعي، وأصبحت مصدر قلق وإزعاج شخصي لي، بصفتي رئيسا للمجلس وأحد المساهمين في تحقيق السلام بالمنطقة عبر اتفاقية شرق السودان.

عقوبات رادعة

وذكر حامد انه اتصل بالجهات العليا ممثلة بوزارة العدل ومجلس الولايات والمجلس الوطني، وجلس مع رئيس البرلمان وطالب بقانون جديد يتضمن عقوبات رادعة تصل حد الإعدام، باعتبار ان القضية كانت مجرد تهريب أشخاص إلى الخرطوم، لكنها تطورت إلى اختطاف وحجز بالغابات ومساومة لأهالي الضحايا لدفع فدية مالية.

ما جعل الظاهرة تصبح أكثر خطورة بأخذ المهربين وبيع أعضائهم ” كاسبيرات” بشرية، وعثر على رفات كثيرين في العراء.

وهناك قضايا كثيرة تتعلق بالاتجار بالبشر معروضة للفصل فيها أمام المحاكم وإن (70) قضية تم النظر فيها وفقا للقانون المحلي الذي يعتبر غير رادع وغير كاف، وما لم تجد الحكومة السودانية الآليات الكفيلة بخلق تنسيق أمني مشترك مع ارتيريا واثيوبيا للحد من الظاهرة التي شكلت مهددا لكل المنطقة، فإن كارثة كبرى ستحل بالدول الثلاث .

تهريب 100 ألف من معسكر

يبعد معسكر الشجراب 90 كيلو متراً جنوب كسلا، التقيت هناك بعض ضحايا عمليات الاتجار بالبشر، سيما وأن المعسكر شهد حالات اختطاف من قبل مسلحين في وضح النهار، وقد تم تهريب مئة ألف شخص من داخل المعسكر خلال الأعوام القليلة الماضية دون أن يعلم مصيرهم أحد.

تعتبر مباني المعسكر من القش، وعثرت داخله على الشاب الإثيوبي أبرهة، وهو قادم لتوه من عمله بأحد المشاريع الزراعية بمنطقة ود الحليو الحدودية، ملامحه تكسوها البساطة. قصته مع تجار البشر بدأت فصولها مع بداية حلمه بعيش رغيد في حال عبوره لنهر “ستيت” الفاصل بين إثيوبيا والسودان من ناحية كسلا بعد أن صور له السماسرة أحلاماً سعيدة على الجانب الآخر.

يقول: “بذلت جهدا كبيرا لتوفير ثمن تهريبي إلى السودان، وعند وصولي الشجراب راودتني فكرة الهجرة إلى اسرائيل، ولم أدر انها بداية الضياع، اقتادوني لمكان مجهول وطلب مني ثمن الرحلة وأنا لا أملك شيئا.

فأمروني بالاتصال بأهلي ليوفروا المبلغ، وعندما فشلت، أذاقوني صنوفا من التعذيب بصب “البلاستيك” المذاب على ظهري. وكانت أسوأ أيام عشتها في حياتي، خاصة وقد تركت في العراء لا أعرف إلى أين أذهب. ونجوت بواسطة راع بمنطقة قرب الحدود مع مصر.

في شرق السودان التقيت بمسؤول الإسكان بمعتمدية شؤون اللاجئين السودانية التاج النور محمد في مكتبه بخشم القربة، فقال ان المعسكرات أنشئت عام 1985م، وبها 3 تجمعات وتستقبل لاجئين من اثيوبيا وارتيريا والصومال، ومعظمهم لا يمكث طويلا في المعسكر، خاصة بعد تسجيلهم وحصولهم علي بطاقة اللجوء، بحيث يتسللون إلى الخرطوم والمدن الكبيرة، وبعضهم يهرب إلى الخارج بواسطة المتاجرين بالبشر.

ويقول: من الصعب محاربة الظاهرة، فالمتعاملون في هذه التجارة يمكنهم التصرف بأي شكل. وهناك شبكات إجرامية متكاملة الأدوار تعمل في الاتجار بالبشر في منطقة القرن الإفريقي عموما، وتقوم بعملها هذا في منتهي السرية.

البيان

تعليق واحد

  1. غباء ما بعده غباء – عقول صخفيينا جوفاء وتنم عن قلة ثقافة وعدم المام باللغة – بمعنى – يعني انا حاليا لو عايز لي واحدة ول واحد عشان اشتريه بحر مالي ممكت القاه ؟ – غباء وجهل – عبودية مؤصلة والمثل بيقول – الفيه حرقص براهو برقص – انا اقصد الجاهل كاتب المقال وامثاله . المقال يوحي بان الخرطوم اصبحت سوق للنخاسة –

  2. اين رجال الامن يا ود العطا لمجابهة هذه الاختراقات الامنية الكبيرة بل اين الجيش والشرطة — ولا ما فاضين من منى والحلو وعقار — وارهاب المساكين في الابيض – ما يحدث في الشرق اخطر بكثير من ثوار الجبهة الثورية التي لا يتعدي طموحهم المشاركة في تكوين سودان يتسم بالعدالة والمساواة ويحترم الجميع ويجد فيه الكل نفسه بدلا من حزب او مجموعة واحدة — الا يوجد منكم رجل رشيد

  3. اولا نشكر الكاتب علي تحمله المشاق لعرض هذه الجريمة والتي تعتبر عدة جرائم تشمل الاختطاف والقتل والاغتصاب والمتاجرة بالاعضاء الخ..ولم تكن هذه التجارة بعيدة عننا فقد حدثني احد الاصدقاء بان مدينة كسلا اصبحت مهد للخاطفين الذين اصبحو يستدرجون العرسان الذين ياتون في مواسم الزواج الي كسلا من باقي الولايات للسياحة ولمن ماذا نقول عندما يغيب الرقيب يغيب الضمير وو((منك لله يا عمر ))

  4. المقال دا مكرر ؟؟
    الكلام دا ما غريب على .. قريته قبل اكتر من سنة فى واحدة من الصحف الورقية
    يا ربى الكاتب نسخه واللا بس اعادوا نشره ؟؟ وفى كلا الحالتين .. لشنو ؟؟

  5. مدام الشعب خائف وساكت على حكم الجهلة اولاد الريف والقرى والمتخلفين المؤزومين نفسيا وعقليا سوف نرى الكثير ..

  6. السؤال الذى يفرض نفسه كيف يتم نزع الاعضاء للاستفادة منها طبيا ؟؟؟ اشك فى ذلك الا بنحنيطها لتصبح مواد للبة كلية الطب اما للمتاجرة بالاعضاء والاستفادة منها ف اشك فى ذلك
    يعنى تهريب ممكن , قتل ممكن لكن نزع اعضاء للاستفادة منها فى الظروف التى زكرتها ف صعبة

  7. انعدم الامان من أكل لحم الدجاج وقالوا مسرطنة .

    وانعدم الامان من اكل الخضروات وقالوا مسمدة بمواد ضارة.

    والرغيف مضاف عليها مواد سامة لتكبيرها.

    والفواكه يتم تخميرها ونضجها بماءالنار.

    والجو ملوثة من ضربة اليرموك.

    وانعدم الامان حتى من مصادقة الاصدقاء والاسر.

    واخيرا انعدم الامانة من البشر الزين يتاجرون باعضاء البشر .

    فضل الباقى شنو من نهاية العالم ومن علامات الساعة الكبرة ؟

    بدلا من هزه العيشة المزرية الاحسن القيامة تقم ونرتاح .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..