بدء الحوار المنقوص شكلاً وموضوعاً

أ.د. الطيب زين العابدين

وأخيراً بعد أمد متطاول التأم مساء الخميس(10 يوليو) في بيت الضيافة عقد اللجنة العليا (7+7) للحوار الوطني برئاسة المشير عمر البشير رئيس الحزب الحاكم، حضره من أحزاب الحكومة: ابراهيم غندور (المؤتمر الوطني) والتجاني السيسي (التحرير والعدالة) وأحمد سعد عمر (الاتحادي الأصل) وأحمد بلال عثمان (الاتحادي المسجل) وموسى محمد أحمد (مؤتمر البجا) وأحمد بابكر نهار (الأمة الفيدرالي) وعبود جابر (أحزاب حكومة الوحدة الوطنية). وشهده من أحزاب المعارضة: حسن الترابي (المؤتمر الشعبي) وفضل السيد شعيب (الحقيقة الفيدرالي) ومصطفى محمود (الاشتراكي الناصري) وآمال ابراهيم (منبر الشرق الديمقراطي) وأحمد أبو القاسم هاشم (تحالف قوى الشعب العاملة)، وتغيب قصداً من أعضاء المعارضة كل من الصادق المهدي (الأمة القومي) وغازي صلاح الدين (الإصلاح الآن). تمخض الاجتماع عن تكوين لجنة سداسية (3+3) مهمتها وضع خارطة طريق وتحديد أجندة للحوار تفرغ منها في ظرف أسبوع وتعرضها على اللجنة العليا التي ستواصل عملها في اجتماعات دورية مع الرئيس البشير.

عقب اللقاء تحدث للصحافة مصطفى محمود زعيم الناصريين نيابة عن أحزاب المعارضة (الترابي لم يتقدم للحديث لأنه لم يرد أن يقتصر الكلام على أحمد وحاج أحمد!) فقال طرحنا في الاجتماع القضايا المهمة على رأسها أن قضية الحوار سارت بصورة متعثرة، وأهمية بناء الثقة وإزالة المعوقات بتوفير الحريات الصحفية والسياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهذه استحقاقات لازمة ومطلوبة لينطلق الحوار بمشاركة كل القوى الوطنية دون استثناء فالحوار قضية مصيرية ووطنية ولازمة للخروج بالسودان من أزماته المختلفة. وقال غندور ممثلاً لأحزاب الحكومة إننا اتفقنا على أن الحوار لا بديل له في الوصول لاتفاق على كل قضايا السودان وعلى ثوابت نلتزم بها جميعاً لبناء هذا الوطن ولخدمة أهله، كما اتفقنا على أن الذين رفضوا الحوار أو ترددوا فيه أو الذين حملوا السلاح الباب ما زال مفتوحاً لهم ليلتحقوا بطاولة الحوار. لم يتطرق غندور لمستحقات الحوار التي ذكرها ممثل المعارضة أمامه والتي يطالب بها المتغيبون عن الاجتماع كشرط لتهيئة المناخ ولاظهار جدية الحكومة تجاه المشاركة الشاملة!

والسؤال الهام هو: هل بداية هذا الحوار المتعثر في مناخ حرية محدودة وتمثيلمنقوص وآفاق محددة مسبقاً يبشر بتوافق وطني واسع حول الثوابت الدستورية التي تحدد كيف يحكم السودان في المستقبل؟ أظن الإجابة واضحة!فالتراجع الواضح من قبل الحكومة في مجال الحريات الصحفية والسياسية،وانفراد الحزب الحاكم بتعديل قانون الانتخابات والدستور وتكوين مفوضية الانتخابات والقطع بقيام الانتخابات في موعدها دون تأجيل ودون حكومة انتقالية، بالاضافة إلى استمرار العمليات العسكرية والقصف الجوي في مناطق التمرد ومنع إيصال الإغاثة الإنسانية للمتضررين، هو الذي زاد شك الكثيرين في أن الحكومة لا زالت حريصة على إنجاح مشروع الحوار الوطني الذي وعدت به. وينسب ذلك التراجع إلى الرئيس شخصياً كما ظهر في اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني الأخير، ولا قول يعلو على قول الرئيس. البيان الصحفي الذي أصدراه كل من حزب الأمة القومي وحركة الإصلاح الآن (الخميس 10 يوليو) يكشف بوضوح نقاط الخلاف بين نظرة الحكومة ونظرة المعارضة لأهداف الحوار. يقول البيان إن الاختلاف الجوهري هو أن السيد رئيس الجمهورية يعتبر الحوار وسيلة للمشاركة السياسية مع المعارضة بينما يعتبرانه هما إجراءاً سياسياً جوهرياً يهدف إلى إحداث تغيير بنيوي يؤدي إلى بناء الدولة الوطنية التي تقوم بالتوافق الشامل بين أبناء الوطن، وذلك يتطلب توفر ضمانات وإجراءات ضرورية لبث الثقة مثل تأمين الحريات السياسية والصحفية وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين واصدار عفو عن المحكومين لأسباب سياسية، وإعلان الالتزام بألا يتم أي إجراء بشأن الانتخابات العامة إلا وفق ما يتفق عليه في الحوار. ولا يبدو أن المؤتمر الوطني مستعداً لهذا القدر من التغيير في منظومة الحكم التي جيّرها بالكامل لتثبيت سلطته ونشر نفوذه، ولا ينبغي للأستاذ مصطفى محمود أن يتوقع مسيرة سالكة للحوار ولا إزالة للمعوقات التي ذكرها فالحكومة لا تخشى شيئاً مثل خشيتها من الحرية رغم “الملايين العشرة” من أعضاء الحزب الذين تستند عليهم وسيطرتها الكاملة على معظم وسائل الإعلام وعلى كل أجهزة الدولة القمعية. إذن ما الذي سيحدث على مائدة الحوار
؟
سيقدم المؤتمر الوطني بعض الوعود في مجال الحريات ويقيدها بعدم تهديد الأمن القومي وسيطلق سراح بعض المعتقلين الذين طال حبسهم دون جريمة معلومة، وستستمر الاعتقالات التحفظية للناشطين المعارضين وحظر بعض منظمات المجتمع “غير المؤتمنة” على أسرار البلاد وإيقاف الصحف المشاغبة ومصادرتها كما يشتهي جهاز الأمن. وستمضي الحكومة بقوة في محاولة القضاء على التمرد وقصف مواقعه الحصينة. وإزاء هذه السياسة التي درجت عليها الحكومة منذ فترة طويلة ستظل أحزاب اليسار (الشيوعي والبعثي والمؤتمر السوداني) على موقفها الثابت من عدم المشاركة في الحوار، ولن تتقدم الحركات المسلحة خطوة في التفاوض مع الحكومة، وستمتنع حركة الإصلاح الآن من المشاركة وسيتوقف حزب الأمة القومي من اصدار قرار نهائي حتى يرى حصيلة ما يتوصل إليه الحوار. وستنقسم الأحزاب المعارضة التي شاركت في اجتماع اللجنة العليا (المؤتمر الشعبي والاشتراكي الناصري والحقيقة الفيدرالي ومنبر الشرق الديمقراطي وتحالف قوى الشعب) بين قلة مؤيدة للاستمرار في الحوار وغالبية معارضة له لأنها لا تجد ما تقدمه لقاعدتها من مكاسب واضحة للحوار خاصة في ظل ضائقة معيشية خانقة تزداد سوءاً كل يوم. وستبقى أحزاب الحكومة في مواقعها الدستورية كما كانت لأن الحوار لم يكن في يوم أحد شروطها للمشاركة في الحكم، بل لعل بعضها يفرح بفشل الحوار حتى لا يكون نجاحه سبباً في فقدانها لبعض نصيبها في السلطة. ولعل الحرج يقع أكثر ما يقع على المؤتمر الشعبي الذي تحمس كثيراً للحوار وبشّر بكسب كبير منه وكذلك على حزب الأمة القومي الذي ظلّ يدعو للحوار بلا انقطاع وعندما انعقد اضطر لمقاطعته. وفي هذا المناخ المتردد الملتبس ستستمر الحكومة في سياساتها القديمة وستمضي نحو عقد الانتخابات في موعدها الدستوري بمن حضر من أحزاب التوالي، ولن تتغير أوضاع البلاد الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية أو الخارجية، ولكنها حال لا تدوم طويلاً. وكأننا يا عمرو لا رحنا للحوار ولا جينا!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. في ظني ان المهدي والترابي لن يكونوا في نفس الزمان والمكان
    علينا ان نعتاد اذا كان الترابي مع الحكومه الصادق مع المعارضه والعكس

  2. للاسف مضيعة وقت و ديكورودفن للرؤس فى الرمال ولن تحل مشكلة السودان وارجو ان يحترم المؤتمر الوطنى واحزاب الفكة عقولنا

  3. يا جماعة دي كلها ما جايبة حقها رجعوا لينا شيخ لي عثمان تاني الزول سلمي وحكيم زمانو بدل الناس الجيبتوهمديل متين يتعلموا يتعاملوا معنا سلبا وايجابا ثم سلبا
    نحن نري ان ليست هناك اي نوع من المكاسب او الجدية فيالحوار وكانها لم تعنينا اي كانها في بلد تاني ….. بجد حقو تعملوا الدايرين تعملوه ما اصلوا الواقع في البئر ما بخاف من المطر … واصلو عدم الثقة حاصلة ودة بيت القصيد .

  4. الامر مثير للشفقة
    احزااب لا وزن لها ولا يعرف المواطن السوداني لها فائدة ولا قيمة مثل الاتحادي المسجل والعدالة والتحرير والامة الفيدرالي ماهذا العبث الذي يمارسه المؤتمر الوطني هذه احزاب مؤتمر وطني ظل يستصحبها معه في كل مناسبة بغرض التمويه والخداع حتى يعتقد الشعب ان المؤتمر الوطني يمارس قليلا من الديمقراطية هذه الاعيب ممجوجة ومكشوفة ماعادت تنطلي على احد البتة
    اكبر الاحزاب في السودان عضوية هو حزب الامة بلا منازع ولكنه يفتقر للقيادة النافذه القوية غير المربكة والمرتبكة الناعمة تعومة ليست من شيم انصار المهدي والمرحلة تستوجب توحيد فصائل حزب الامة التي انشقت عنه
    ثاني الاحزاب عضوية هو الحزب الاتحادي ولكنه مشتت مابين دقير وهندي اللذان هما في حقيقتهما مؤتمر وطني ولكن يظلوا يرفعون لافتات باسماء تمويهية وللاسف الحزب الاتحادي يفتقر الى القيادة تماما واميال تفصل القيادة عن قواعدها وهو حزب مرشح للفناء في مقبل الايام
    المركز الثالث يشترك فيه ثلاثة احزاب ولكن لكل منهما قوة دفع مختلفة
    الشريك الاول المؤتمر الوطني الذي يتغذى من ثدي الحكومة ويسيطر على مالها واقتصادها وامنها وشرطتها وقضائها واعلامها وكذلك يمارسون الفساد بلا رادع او ضمير ولا تتعدى عضويته 250 الفا على احسن تقدير وجلهم من المتمكنين والنفعيين ولكنه له المقدرة الفائقة في تزوير الانتخابات الى درجة تزوير 10 مليون صوت وان شاء زاد على ذلك فهو يملك الخيط والمخياط
    حزب المؤتمر السوداني الذي رغم حداثته الا وانه يتمدد ويتسع بصورة صاروخية ارعبت المؤتمر الوطني حقيقة وقد اكتسب هذا الحزب تعاطفا جماهيريا كبيرا بعد اعتقال رئيسه المناضل /ابراهيم الشيخ وقد تشهد الايام القادمة تطورا مذهلا في هذا الحزب ولا يستبعد اكتساحة للاحزاب الكبيرة لقوة شكيمته واصراره على مواقفه وشجاعته في المعارضة وهي من اهم مطلوبات المرحلة
    اما الشريك الثالث يقسم بالتساوي بين المؤتمر الشعبي والشيوعي واالبعث …الخ

    اما عن حوار الوثبة فهذا امر انتهى عمليا وفعليا وهو سيناريو كان الغرض منه احداث التلاحم بين المؤتمرين الوطني والشعبي وتم ذلك بنجاح وهدف من حوار الوثبة تسويق الوقت حتى دنو موعد الانتحابات وقد تم تعديل قانون الانتخابات واعاده هيكلة مفوضية الانتخابات واصبح المؤتمر الوطني للفوز ب 10 مليون صوت قوة واقتدارا حتى ولو امتنع كل الشعب السوداني عن التصويت لغضبه على فصل الجنوب واضاعة البترول والحروب الاهلية والانهيار الاقتصادي والفساد الذي ضرب البلاد والعباد

  5. يا اخوانا بالعقل كده كيف سيتواصل جيل الديناصورات جيل العصر الحجرى جيل

    الجهل والتخلف مع جيل الكمبيوتر والعولمه والعلم

    الا يكون حقد كده عاوزين ياخدوهم معاهم القير حتى لا يبقى عليها احد بعدهم

    ستذهبون الى غير رجعه رغم انوفكم

    وستعمر الارض بدونكم وستشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمنى

  6. وستستمر الاعتقالات التحفظية للناشطين المعارضين وحظر بعض منظمات المجتمع “غير المؤتمنة” على أسرار البلاد
    !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    أسرار البلاد ولا أسرار الفساد …. !!!!!
    هو في بلاد …. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    السودان ده بقى زي نوع دكاكين البقالة القديمة ماشي بالبركة …. يوم دقيق مافي وبوم الزيت خلصان ويوم الصلصة كملانة … ده في الداخل ولو شفتوا العلاقات الدبلوماسية الخارجية … صفر … مش لأنو الحكومة عليها حظر … !!! ولكن الخارجية السودانية لا تقوم بدفع ما عليها لسفاراتها بالخارج وهذه معطلة كل المعاملات بين السودان والدول المعنية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..