( فوبيا الوجود الأجنبي )

:: العمل المهني والعلمي ( شئ)، والعمل السياسي ( شئ آخر)..ومع ذلك، لا يزال زمان الناس في بلادنا حبلى بعلماء يعدون ويقدمون أوراقهم العلمية – في الندوات والملتقيات الحكومية – بذات طريقة إعداد وتقديم برنامج (ما يطلبه المستمعون)، والمستمعون في مقام كهذا هم ( الساسة طبعاً)..ومن نماذج الأوراق العلمية المعدة حسب هوى الندوة المقدمة فيها الورقة، هي الورقة التي صاغت منها صحيفتنا هذه ثاني أهم أخبار البارحة، ( 40% من سكان الخرطوم أجانب)، هكذا كانت المعلومة الخبرية بورقة البروف خليل عبد الله في ورشة العمالة الأجنبية الوافدة وآثارها.. وبالتأكيد القارئ يعلم ما تعنيها الورقة ب (عمالة أجنبية)، إذ هم ليسوا رواد فضاء ولا علماء ذرة، بل ( ستات شاي) و(عاملات منازل)، وهذه وتلك تُرعب الدولة لحد عقد الورش ومناقشة الآثار ..!!

:: المهم..الجهة التي إستقت منها ورقة البروف خليل عبد الله معلومة ( 40% من سكان الخرطوم أجانب)، حكومية كانت تلك الجهة أو شعبية فأنها ( كترت المحلبية)، أي هذه النسبة (غير منطقية)..فالواقع المعاش بأحياء الخرطوم وأسواقها وشوارعها لا يعكس ( تلك النسبة)، حتى ولو كان أهل جنوب السودان قوامها..( 40% أجانب)، نسبة تعني إحساس أهل البلد بالعاصمة – في مواقع عملهم وأنديتهم وشوراعهم وأسواقهم ومدارسهم وملاعبهم – بأنهم ( جالية )، أو كما الحال ببعض مدائن الخليج من كثافة الوافدين..ولأن مزاجنا العام يستاء – أو يتوجس – من الأجنبي، تسمع بين الحين والآخر تضخيماً من شاكلة ( المصريين ملو البلد، الحبش ملو البلد)، ويكون القائل قد شاهد مصرياً بشارع المطار أو أثيوبيا بالسوق العربي..هكذا يختزل مزاجنا العام الكثافة في (فرد أو جماعة)..!!

:: وربما – في أزمنة الضباب وحجب الرؤى عن حقائق الأشياء – صارت أوراق العلماء العلمية ومصادر معلوماتها تستلهم نسبها وأرقامها من ذاك ( المزاج العام)، ولذلك كانت النسبة في ورقة البروف خليل ( 40%)..وغير دقة الإحصاء المفقودة في هذه الورقة العلمية، فالخلاصة التي تتكئ أحكامها وتوصياتها على هذه النسبة غير المنطقية – 40% – أيضا من دوافع التعليق على الورقة..على سبيل المثال، تقول الورقة ( هذا الوجود الأجنبي يهدد الأمن القومي والهوية)، أوهكذا الأحكام التي تجاوزها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب في بلاد الآخرين، وكذلك تمد لسانها بسخرية لواقع ( حال البلد)..!!

:: أولاً، ليس غضاً للطرف عن إحتمال تهديدهم للأمن القومي، ولكن تحديقاً وتأملاً في واقع البلاد و أمنها القومي والمخاطر التي تحيط بشعبها، نسأل البروف خليل بكل براءة : أيهما الأقوى تهديداً للأمن القومي و الأخطر مفعولاً في تدمير البلد وتشريد الشعب، عمالة أجنبية بالمنازل والمزارع والمصانع أم زعماء السياسة وساستها الذين يتصارعون على أشلاء البلاد وأضرحة أهلها في سبيل السلطة؟..بمعنى، هل تمزيق ما تبقى من البلد وتشريد بقايا الشعب بحاجة إلى ( وجود أجنبي)..؟..بالتأكيد، ساستنا أخطر على حاضر ومستقبل بلادنا وشعبنا من كل أي عدو أجنبي .. وعليه، مع التقدير لتحذير الورقة وتوجسها، فالتوجس من بعض بني جلدتنا والتحذير من سياساتهم أفضل – للأمن القومي والإقتصاد الوطني والشعب والبلد – من التوجس من الأجانب والتحذير من وجدهم..!!

:: ثانياً، كان على الورقة تعريف الهوية – المهددة من قبل الوجود الأجنبي – ثم تحديدها حتى نخاف عليها ونحميها من الأجانب..هويتنا مجهولة الهوية، بدليل أن تحديدها من قضايا المرحلة القادمة حسب خطاب الرئيس، ثم بدليل تأهب البرلمان لعقد مؤتمر لمناقشة ( قضية الهوية)، أو كما قال البرلمان..وعليه، يصبح الخوف على هوية – مجهولة الهوية – من الوجود الأجنبي ( سابقاً لأوانه)، وليس من العقل أن نحمي (فراغاً ومجهولاً)..وعلى كل حال، بعيداً عن ورقة البروف خليل، أوقفوا الحرب وأخلقواً مناخ الإستقرار السياسي والتبادل السلمي للسلطة بإختيار الشعب، لتقوى أجهزة الدولة ومؤسساتها وقوانينها بحيث تكون قادرة على إدارة (الموارد البشرية).. نعم، فالموارد البشرية بمختلف مكوناتها – الوطنية والأجنبية – تحكمها وتديرها إدارة عامة تتقن صناعة آليات و أحكام الحقوق والواجبات.. و الفوبيا المسماة بالوجود الأجنبي لم تعد إلا من كوابيس وأوهام (الدول المتخلفة)، فأما الدول المتحضرة فقد تجاوزت – تلك الفوبيا – بحسن وسلامة (الإدارة العامة)..!!
__________
السوداني
[email][email protected][/email]