مسؤولون مزيفون يحتالون على الناس في الصين

يبدي غرور وكبرياء مسؤول حزبي كبير ويحمل ثقة كبيرة جعلت من الصعب افتضاح أمره. يجلس في مكتب بقلب العاصمة الصينية بكين، تتزين جدرانه بصور له إلى جانب جنرالات متقاعدين ومسؤولين حكوميين. كما يملك أحدث طراز من سيارات «أودي» و«مرسيدس». إنه لي غوانغنيان، 50 عاما، الذي ينتحل شخصية مسؤول كبير في بلد يتقن فن التقليد، بدءا بتقليد أجهزة الـ «آي فون» ومرورا بنسخة طبق الأصل بالحجم الطبيعي لجسر «تاور بريدج» بلندن، وصولا إلى الحي المالي في مانهاتن، ومتحف يكتظ بالمعروضات الوهمية. ولا يعد غوانغنيان سوى تقليد آخر، فهو مسؤول وهمي في منظمة وهمية تبيع الوهم، وتدعي المصداقية والعلاقة بجهات مرموقة، وفقا لأشخاص عملوا مع غوانغنيان نفسه.

في جميع أنحاء الصين، التي تضم منظمات لا تُعد ولا تُحصى، بسبب البيروقراطية، التي يمكن بسببها لأي شخص أن يحقق مكاسب مالية لا يمكن تخيلها إذا كان على علاقة بالمسؤولين، تنتشر أعداد متزايدة من المحتالين الذين يدعون علاقتهم بالنخبة السياسية. يطلب البعض الحصول على رشى من أجل تقديم خدمات لا يتم تقديمها مطلقا، في حين يتظاهر آخرون بأنهم مسؤولون حكوميون، ويتم معاملتهم مثل الملوك. وفي الآونة الأخيرة، كشفت إحدى مجموعات التصنيف الائتماني الصينية عن أكثر من 100 منظمة وهمية على علاقة بهؤلاء المحتالين.

لكن غوانغنيان كان أذكى من المحتالين العاديين، إذ أقدم على إنشاء منظمة وهمية يروج لكونها هيئة رسمية في بكين، ثم منح اسم هذه المنظمة مقابل مبالغ مالية كبيرة للمحتالين أو المتسلقين الاجتماعيين في جميع أنحاء البلاد، وفقا لمقابلات مع أشخاص تعاملوا معه. ولم يتم افتضاح أمر غوانغنيان إلا عندما جرى الكشف عن العلاقة بينه وبين عشيقته البالغة من العمر 18 عاما على الإنترنت، وهو ما جعل الحزب يتبرأ منه ويعلن أنه ليس من أعضائه.

وقال يي شنغ هوا، وهو محامٍ التقى بغوانغنيان عام 2011: «كان غوانغنيان محتالا على الطريقة الصينية، يعمل وفق التقاليد الصينية على الأراضي الصينية. الناس في الثقافة التقليدية الصينية لديهم إيمان راسخ وتأليه للسلطة والمسؤولين. من الصعوبة بمكان على الناس العاديين اكتشاف المحتالين، لأن المسؤولين لا يختلطون بالناس. المحتالون يستغلون الفجوة الموجودة بين المسؤولين والشعب أفضل استغلال».

أنشأ غوانغنيان مكتبا باسم «اللجنة الصينية للتحقيق الديناميكي» تتظاهر بمساعدة الحزب الشيوعي على فهم المشكلات التي يعاني منها المواطنون العاديون. ولا يتم السماح للمنظمات باستخدام كلمة «الصيني» في أسمائها إلا إذا كانت على علاقة بالحكومة المركزية في البلاد.

وضع غوانغنيان شعار الحزب الشيوعي على مكتبه وتفاخر بالمكانة «الخاصة» التي وصلت إليها هيئته، وهو ما يعني للصينيين أن هذه الهيئة تحظى بامتيازات رسمية من قبل الدولة.

ومع ذلك، قالت السلطات إن هذه المنظمة لم يتم تسجيلها لدى الحكومة ولا في الحزب الشيوعي.

وقال تشانغ مينغ، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشعب: «الصين لديها حكومة كبيرة للغاية تتمتع بسلطة هائلة، والجميع يعتمد على الحكومة. البعض يتمكن من الاعتماد على الحكومة، ومن لا يتمكن من ذلك يتجه إلى الاحتيال».

بدأ دانغ جين غو العمل مع غوانغنيان عام 2010، وكان بحاجة ماسة للمصداقية التي سيحصل عليها إذا أصبح عضوا في «منظمة رسمية» نيابة عن المزارعين في وسط الصين، لكنه أدرك في نهاية المطاف أن غوانغنيان كان لديه هدف واحد فقط، هو جني المال. وقال دانغ وهو يتناول وجبة عشاء أثناء زيارة لبكين: «كان دائما ما يقول: (أنا أمنحك المكانة والهوية، ويجب عليك أن تمنحني رسوم الإدارة)».

وقال كياو تشنشينغ، وهو أستاذ في جامعة تشونغنان للاقتصاد والقانون، إن الصين دولة مركزية منذ قرون عديدة، حيث يرسل الأباطرة مبعوثين إلى المناطق النائية لممارسة سلطتهم. وأضاف تشنشينغ: «تعد هذه تربة خصبة لعمليات النصب والاحتيال السياسي. هناك عدم تناسق في المعلومات يستفيد منه المحتالون لخداع الناس. أي شخص لديه علاقة بمسؤولين في الحكومة المركزية، أو حتى أقاربهم، لن يواجه أي مشكلات مع الحكومات المحلية».

وعلى الرغم من شعوره بتعرضه للخداع، فإن دانغ لا يزال يشعر بالقلق، وهو يتحدث عن غوانغنيان الذي كان رئيسه السابق في العمل، حيث يقول: «إنه يتصرف كأنه زعيم، فهو جريء للغاية، ولا أحد يجرؤ على مواجهته. عندما يتحدث، يمكنك استشعار هيبته».

افتُضح أمر غوانغنيان بسبب علاقته بفتاة، وهو ما يحدث مع عدد كبير من المسؤولين غير الشرفاء، فعندما تم نشر صور على أحد المنتديات على شبكة الإنترنت في يونيو (حزيران) الماضي لغوانغنيان، وهو على سرير بجانب فتاة شابة، اعتقد مستخدمو الإنترنت أنهم قد وجدوا مسؤولا فاسدا آخر، وسرعان ما تبرأ الحزب الشيوعي منه ومن المنظمة التي يعمل بها، كما اختفى غوانغنيان عن الأنظار وتم إغلاق موقعه على الإنترنت والمكتب الذي كان يعمل به.

عندما كانت «اللجنة الصينية للتحقيق الديناميكي» في أوج نشاطها، كانت تتفاخر بوجود 34 فرعا، كما كانت تدعي أنها تحت رعاية الرئيس السابق جيانغ زيمين، مع وجود كتابات بخط اليد يقال إنها للرئيس السابق على جدار مقر الشركة.

ومع ذلك، لم ينخدع الجميع بما قام به غوانغنيان. ويقول المحامي يي شنغ هوا إنه التقى بغوانغنيان بعد حصول هذا الأخير على نصف مليون دولار من صديق لمساعدته على إطلاق سراح شخص ما من السجن. فشل غوانغنيان في إطلاق سراح الشخص المعتقل، وحاول المحامي إعادة الأموال لصديقه وذهب إلى مكتب غوانغنيان، وسرعان ما اكتشف أن أمرا ما كان خاطئا، وعندما نظر إلى صور غوانغنيان المعروضة في مكان بارز في المكتب، لم يتعرف المحامي على أي من المسؤولين الموجودين في الصور الذين يدعي غوانغنيان أنه على علاقة بهم، كما كان هناك ملفات مكتوب عليها «وثائق سرية» معروضة في خزائن زجاجية بدلا من وضعها في مكان سري بعيدا عن أعين المتطفلين، علاوة على أن موقع المنظمة كان «متعجرفا ومبهرجا»، على عكس جميع مواقع المنظمات الحكومية الحقيقية.

وعندما طلب المحامي رؤية رخصة إنشاء المنظمة، رفض غوانغنيان ذلك. وقال المحامي: «إنه يعتمد على مجموعة من الصور مع المشاهير. يبدو كأنه يرتدي زي نمر لإرهاب وتخويف الناس».

* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..