السودان : أجواء توتر

السودان : أجواء توتر

عبدالله عبيد حسن

يبدو أن قدر السودان وأهله أن يعيشوا في أجواء التوتر والخوف من مستقبل مجهول. مأساة السودان -الوطن والشعب- بدأت بعد أقل من سنتين من إعلان السودان بالإجماع، دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، ولقد كان ذلك القرار التاريخي الشجاع الذي اتخذته القيادة الوطنية مدعومة بإجماع وطني رائع ليس فقط محمل إعجاب العالم، بل كان مثالاً وقدوة للشعوب الأفريقية وحركات التحرر الوطني التي كانت آنذاك تناضل من أجل استقلالها وإنهاء الحقبة الاستعمارية الأجنبية التي طال تسلطها وسلطانها على شعوب القارة الأفريقية.

كان الجميع يتطلعون للسودان، الذي حقق استقلاله بقرار برلماني، منذ ذلك التاريخ الذي يبدو اليوم بعيداً (الأول من يناير عام 1956) لم يهنأ الشعب والوطن بـ"نعمة الاستقـلال" بعد أن ظل لعقود من الزمن أسيراً لحرب أهلية غير عادلة وغير عقلانية، وربما يكتب تاريخ تلك العقود ستتساءل الأجيال القادمة: كيف وصل الجنون بأجيال سابقة لدرجة أنهم دمروا بأيديهم وطناً كان حلماً عظيماً وأملاً كبيراً… وعندما رحب السودانيون باتفاقية السلام المعروفة باتفاقية "نيفاشا" وهللوا لها، كان دافعهم الأساسي -وما يزال- أن يخرج من أسر الحرب الأهلية ومآسيها وظلاماتها التي تكاد تكون قد مست كل بيت وأسرة سودانية في الشمال والجنوب.

السودان -وهو أمر معروف للجميع- يواجه في هذه الأيام، أزمة بل أزمات يخشى العقلاء أن تعيده مرة أخرى إلى مربع الحرب الأهلية. وكل الخطب الرنانة والتهديدات الفارغة التي تصدر من بعض ولاة الأمر في الخرطوم لن تخرج السودان من أزمته.

وكل الاتهامات والتعبئة الشعبية ضد الولايات المتحدة وتوابعها لن تجد الصدى الذي يتصورونه من دول العالم الصديقة والدول التي تبدي الآن الصداقة والمؤازرة للسودان ستجد لها مخرجاً عندما تحين ساعة الجد، وهي في حقيقة الأمر لا تدافع ولا تتعاطف مع الخرطوم إلا بقدر ما تحققه من مصالحها الوطنية في السودان.

في حديث صحفي للمبعوث الرئاسي الأميركي قال ما معناه، إن بلاده ليست لها مشكلة ولا عداء مع السودان، وهي تعترف وتعرف بلداً مهماً للغاية في أفريقيا، ويمكن أن يؤدي دوراً مهماً في استقرار وتنمية القارة الأفريقية. ولكن مشكلة السودان حلها بيد الحكومة السودانية، بأن تنفذ وتحقق بصدق الالتزامات، التي التزم بها في نيفاشا بشهادة العالم، وأن تسوي بالسلم والحوار القضايا العالقة مع دولة "جنوب السودان". وأن تنهي حرب دارفور وتستجيب لمطالب أهل دارفور العادلة. وأن توقف الحرب في جنوب كردفان، وأن تنفذ بروتوكول منطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان التي هي جزء من اتفاق نيفاشا. وحينئذ فإن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سيرفعون العقوبات المفروضة على السودان، ويعود السودان ليصبح عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي.

هذا كلام مكرر من المبعوث أميركي، والحق الذي نحن أولى بمعرفته واتباعه هو فعلاً كما قال: إن حل مشكلة السودان بيد حكومة السودان. وأضيف، بيد كل القوى السياسية والقبلية والدينية السودانية…إلخ.

وفي أديس أبابا تفاوض أو يتحدث رئيس "الحركة الشعبية" في السودان الجنرال مالك عقار (حاكم جنوب النيل الأزرق) وياسر عرمان الأمين العام للحركة مع د. نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني ود. مطرف صديق (أحد مهندسي نيفاشا والذي كان المساعد الأول للأستاذ علي عثمان نائب الرئيس)… وذلك بحضور وإدارة نائب الرئيس الأفريقي السابق ممثل الاتحاد الأفريقي. وبمجرد أن يتعقل الطرفان ويواصلان الحوار، والحديث وإن كان في أديس أبابا، فإن ذلك قد يكون بشارة خير في أجواء الخرطوم المشحونة بالتوتر. وهي أجواء وأحاديث لن تحل مشكلة بل ستزيدها تعقيداً وتشعر المرء كما أن القيادة الفعلية لحزب "المؤتمر الوطني" لم تتوصل بعد لقرار جماعي بإنهاء حالة الحرب غير المعلنة والمعلنة قبل إعلان قيام دولة الجنوب في التاسع من يوليو. ولأنه (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، فإن المرء يتمنى أن يتوصل الطرفان-ممثلو "الحركة الشعبية" و"المؤتمر الوطني" إلى معجزة تخرج بنا من حالة التوتر والتوجس والخوف المريع من المستقبل المجهول.

جريدة الاتحاد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..