أخبار السودان

لا تأثير لقرار حل قوات الدعم السريع على الحرب في السودان

يجمع محللون على أن قرار قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بحل قوات الدعم السريع لن يؤثر على مجريات الحرب ولا يعدو كونه مجرد استثمار للتعبئة العامة لوقف المكاسب الميدانية المتتالية التي تحققها قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم. وبموجب القرار، أصبحت قوات الدعم السريع التي ظلت خلال السنوات الأخيرة ذراع الحكومة وجيشها في محاربة التمرد في دارفور، دون وجود قانوني لها داخل السودان، لكن مراقبين يؤكدون أنه لا توجد مؤسسات تنفيذية سودانية قادرة على تنزيل القرار على أرض الواقع .

وفي يناير 2017، أجاز البرلمان السوداني مشروع قانون قوات الدعم السريع، وهو جعلها تابعة للجيش السوداني، بعد أن كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات. وفي 30 يوليو 2019 أصدر رئيس المجلس العسكري آنذاك، عبدالفتاح البرهان، مرسوما دستوريا عدّل بموجبه قانون قوات الدعم السريع، وجعلها “شبه مستقلة وتتبع لقائدها محمد حمدان دقلو”، بعد إلغاء المادة المتعلقة بإخضاعها لأحكام قانون القوات المسلحة السودانية.

وتشكلت قوات الدعم السريع قبل نحو 10 سنوات، وكان لها دور هام في حرب دارفور (غرب) لمحاربة المتمردين في الإقليم، ثم تولت لاحقا حماية الحدود وحفظ النظام العام في البلاد. ويعيش إقليم دارفور منذ عام 2003، نزاعا مسلحا بين الجيش السوداني ومتمردين، ما خلّف نحو 300 ألف قتيل وشرد نحو 2.5 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية.

عبدالله رزق: قرار حل الدعم السريع لن يكون له أثر في الواقع
عبدالله رزق: قرار حل الدعم السريع لن يكون له أثر في الواقع
وتعتمد قوات الدعم السريع في مكونها على العنصر العربي في دارفور. وظلت الحكومات السودانية تنفى عن القوات “صفة القبلية”، و أكد المسؤولون الحكوميون مرارا على أنها “قوة قومية”، قبل أن ينفي عنها البرهان ذلك بعد انتصارها للديمقراطية في السودان ورفضها خطط البرهان للسيطرة على الحكم في البلاد. ولا توجد تقديرات رسمية بعدد قوات الدعم السريع، إلا أنها تتجاوز عشرات الآلاف وتنتشر في معظم مدن السودان، وعلى حدود البلاد غربا وشرقا.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبدالله رزق أن المرسوم الذي صدر بحل قوات الدعم السريع وإلغاء القوانين المؤسسة لها “لن يكون له أثر في الواقع”. وقال رزق “القرار لا يخرج عن سياق أنه خطوة في إطار التعبئة العامة، واستفادة من الأجواء التي أفرزها قرار الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على عبدالرحيم دقلو، شقيق حميدتي، القائد الثاني للدعم السريع”.

وأضاف “لا أتصور أن هذا الإجراء سيوفر للحرب الدائرة منذ قرابة خمسة أشهر، شرعية كانت تفتقدها”. واعتبر أن الحرب هي التي “تفرض قوانينها”، مؤكدا “عدم وجود أيّ جهة تنفيذية يمكنها أن تضع المرسوم موضع التنفيذ”. وشدد على أن المطلوب حاليا هو “إغاثة المتضررين والوقف الفوري لإطلاق النار واستئناف التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف العدائيات وإنهاء الحرب”.

ومنذ منتصف أبريل، يخوض الجيش وقوات الدعم السريع اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة. ويتبادل الجيش وقوات الدعم السريع اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر أن تأثير قرار حل قوات الدعم السريع “لن يكون كبيرا”. وأضاف “البرهان سبق وأن أصدر قرارا بعد أسابيع من اندلاع الاشتباكات بحل قوات الدعم السريع، ولم يكن لذلك القرار تأثير على الأرض. وحتى قراره بإعفاء نائبه في مجلس السيادة محمد حمدان دقلو من منصبه لم يكن له تأثير”.

وأوضح بابكر “الحرب بعد اندلاعها هي التي تضع شروطها وقوانينها التي تحركها وتغذيها، ما لم يتدارك الطرفان الموقف ويعودا لصوت العقل والجلوس على طاولة الحوار”. وذكر بابكر أن قرار البرهان بحل الدعم السريع “ناقص ولا يلبي تطلعات الشارع الذي ظل متمسكا بشعار العسكر للثكنات”.

وشدد بابكر على ضرورة صدور قرار بعودة العسكر إلى الثكنات قائلا إنها “الخطوة التي كانت ستضع أوزار الحرب، وتؤسس لبناء الدولة المدنية الديمقراطية”. وتفجر الصراع بعد أن كانت الطريق مهيأة للمدنيين لاستلام السلطة، ويرى متابعون أن قائد الجيش أراد بجر البلاد إلى هذه الحرب قطع الطريق على عملية انتقال السلطة، بتشجيع ودعم من قبل المنظومة السابقة، التي تسعى للعودة إلى المشهد، الذي أزيحت منه منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

ويشير مراقبون إلى أن المكاسب الميدانية التي تحققها قوات الدعم السريع على الأرض ضيقت الخناق على الجيش الذي لم يستجب السودانيون لنداء التعبئة العامة الذي أطلقه منذ مدة، مع تواصل النداءات لوقف الحرب وتفادي كارثة إنسانية تلوح في الأفق.

ويميل السودانيون إلى جلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات لوقف الاقتتال واجتراح حلول ربما تكون بدعم وإيعاز إقليمي ودولي، إلا أن انفتاح حميدتي على التفاوض يقابل بتعنت وسياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها البرهان.

◙ المكاسب الميدانية التي تحققها قوات الدعم السريع على الأرض ضيقت الخناق على الجيش الذي لم يستجب السودانيون لنداء التعبئة العامة الذي أطلقه منذ مدة

وعرقل البرهان منصات تفاوض عديدة أبرزها المنصة السعودية التي تدعمها الولايات المتحدة بفرض شروط مسبقة وتعجيزية، فيما يقول محللون إن سعي البرهان للتفاوض من موقع المنتصر، وهو ما لم يحدث، يجهض مساعي الحل. ويراهن البرهان، حسب محللين، على حسم المعركة عسكريا رغم أن المجريات على الأرض تفنّد ذلك.

وضيقت قوات الدعم السريع الخناق على الجيش السوداني وباتت تحاصره في أهم مواقعه في العاصمة الخرطوم، وآخرها مقر سلاح المدرعات، الذي سيكون سقوطه بيد قوات الدعم بمثابة هزيمة مدوية للجيش وحسم مبكر للحرب في السودان. ويقول خبراء عسكريون إن وصول قوات الدعم إلى هذا الموقع يظهر أنها في موقع قوة من جهة، وإن ما تروّج له من تقدم ميداني بات أمرا حقيقيا.

وفي المقابل، فإن خسارة الجيش لهذا الموقع ستعني نهاية للشعارات التي دأب على التلويح بها، والتي يوحي من خلالها بأنه في موقع قوة، وأنه يطارد فلول قوات الدعم. ويضيف هؤلاء أن الطائرات المسيرة التابعة للجيش وقوات الدعم السريع وضعت الخرطوم تحت جحيم القذائف الصاروخية والقنابل، حيث تزايد الاعتماد عليها من قبل الجانبين في الآونة الأخيرة، ما ضاعف صعوبة حسم الصراع عسكريا، وأسهم في زيادة التعقيدات الميدانية في وقت ارتفعت فيه أصوات منظمات تحذر من حدوث مآسٍ إنسانية.

وانقلبت توازنات الحرب لصالح قوات الدعم السريع مع نجاحها في كسب ثقة أغلب القبائل والحركات المسلحة التابعة لها، في المقابل خسر الجيش ثقة القبائل بسبب تحالفاته مع أنصار النظام السابق وقياديّي الحركة الإسلامية الذين هربوا من السجون.

وهيمنت قوات الدعم السريع على الأرض منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل، في حين حافظ الجيش، الذي يمتلك طائرات حربية ومدفعية ثقيلة، على سيطرته على قواعده الرئيسية في العاصمة وفي الأجزاء الوسطى والشرقية من البلاد قبل أن يبدأ بخسارتها الواحدة تلو الأخرى. وخسر الجيش السوداني الكثير من الحلفاء خاصة من الحركات المسلحة والقبائل، وهو ما يمهّد الطريق لسيطرة فعلية لقوات الدعم السريع.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..