سناريات- عقوق الآباء

* (لا تبدد جهودك لتصبح إنساناً
ناجحاً، بل إنساناً ذا قيمة..)
– ألبرت أنشتاين –
.. لم تكن مهام جمعية (إصلاح ذات البين)، التي تكونت في سنار المدينة في مطلع السبعينيات، دائمة النجاح بالرغم من إصرار أعضائها على الوصول إلى نجاحهم في مهمتهم في رأب الصدع وإعادة الوفاق وتحقيق الصلح بين الأصدقاء والأقرباء والأزواج المتنافرين، أو ليس اسم جمعيتهم يدل على طبيعة مهمة أعضائها؟ ولقد كانوا في مرات عديدة يتحملون المشقات والنزق أو حتى البهدلة، فالخصومات يمكن أن تولد الغضب والطيش والحماقة وهذه الصفات تدفع صاحبها لأن يفقد اتزانه أو عقله فيصدر عنه ما يسيء لمن يعمل لأجله، وفي مرات أخرى كان أعضاء الجمعية يجدون أنفسهم أمام حالات لا يمكن التدخل فيها للإصلاح، فالزمن لا يعود إلى الوراء وإن أبدى المسيء توبته وندمه، إنها حالات أقل ما توصف به هو القول الشائع: (فالج لا تعالج).
حين قصد الرجل الجمعية يطلب منها التدخل لإصلاح ذات البين بينه وبين ابنه المقيم مع والدته التي تمنعه من التواصل مع أبيه تحمس الأعضاء جميعهم لهذه المهمة، فمن تكون هذه المرأة المتسلطة القاسية القلب التي تمنع ابنها من رؤية أبيه، وهو شاب وليس طفلاً حتى تلعب أمه بعقله.
بعض من أعضاء الجمعية طرقوا باب المنزل ففتحت لهم المرأة واندهشت حين رأت مجموعة من الرجال قال أحدهم: يا أختي نحن من جمعية إصلاح ذات البين وموضوعنا هو العلاقة بين ابنك وأبيه ولسنا سوى فاعلي خير لوجه الله، فالأب له على ابنه من الحقوق، وهنا قاطعتهم المرأة بأدب وتهذيب قائلة: يا أخي غرضكم عند ابني وحده وهو الآن غير موجود ثم أعطتهم موعداً ليتفضلوا ويبحثوا الموضوع معه.
حين عاد الإخوة أصحاب فعل الخير استقبلهم الابن أجمل استقبال وأبدى لهم كل الترحيب ثم أجلسهم في الصالون الفاخر، ولم يقبل أن يفتحوا أي موضوع قبل شرب الشاي والقهوة وتناول البتي فور، ثم استمع بعدها إليهم بكل إنصات، ما شجعهم على الاسترسال وكل واحد يبدي شطارته في المواعظ التي تتعلق ببر الأبناء للآباء وفضل الآباء على أبنائهم، ولما أنهى كل واحد ما في جعبته قال الشاب: والله يا جماعة الخير أنتم مشكورون وجزاءكم الله كل خير لكن أرجو أن تسمعوا لي كما سمعت لكم.
والدي طلق والدتي وأنا جنين في بطنها وحين ولدتني كان غائباً ولم ير مولوده فأخذت أمي على عاتقها تربيتي ثم أدخلتني المدرسة، لقد عملت خادمة في البيوت كي تصرف عليّ وحين كان أترابي ورفاقي في المدرسة يتكلم كل منهم عن أبيه، كنت أطرق رأسي حزناً وحين كانت المدرسة تطلب ولي أمري كانت أمي تأتي لا لأن أبي مسافر أو متوفى بل لأنه لم يكن يتعرف عليّ، ثم كبرت أيها الأفاضل وحصلت على المتوسطة ثم الثانوية والجامعة ومصروفي كله من أمي التي كانت تعمل في البيوت خادمة كما ذكرت.
ثم تخرجت في الجامعة وتوظفت وبعد زمن من فضل الله ومكافأة لأمي على صبرها وتعبها فقد استلمت منصباً مرموقاً، آه يا أخوتي وأنا طفل وأنا يافع وأنا شاب كم كنت محتاجاً لأبي أسوة بكل الأبناء، لكنه لم يكن معنياً بي ولا بأمي والآن أيها السادة حين علم والدي بما أصبحت فيه من مركز مرموق يريد أن يعترف عليّ ليفتخر ويتباهي بي أمام أصحابه وأهل حارته، سألتكم بالله كيف تحركت في قلبه الآن، وبعد كل هذه السنوات عاطفة الأبوة؟ وأين كانت تلك العاطفة حين كنت بحاجة إليها؟
حار أعضاء جمعية إصلاح ذات البين في هذه الحالة ولم يكن أمامهم سوى ترديد الحكم التي تحض على البر بالوالدين والتسامح، غير أن في دخيلة كل منهم إحساساً بأن ذاك الأب هو العاق وليس الابن، ولعلها المرة الأولى التي يتعرفون فيها على عقوق الآباء.
[email][email protected][/email]

– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
نائلكوف 064.jpg

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..