مقالات متنوعة

مقاومة نظام الإنقاذ من التجمع إلى ثورة ديسمبر (1)

إن الثورات الشعبية ومقاومة النظم العسكرية تكتسب زخمها وتأييدها من اشراط عديدة تتكامل وتتدافع لتخلق ظروف مواتية لاندلاع ثورة تهدف لتغيير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالنظر الي الخلف طويلاً سنجد ان مقاومة نظام الانقاذ مرت بعدة مراحل منها: المعارضة الخارجية المسلحة ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي والذي اكبر انجاز له هو ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية والذي تأتي اهميته من خلال اقرار حق تقرير المصير للشعوب المضهدة كمدخل للوحدة الطوعية بين مكونات الدولة السودانية ولانهاء حالة الاحتراب، وظل التجمع ينافح لاسقاط النظام واستطاع الي حد كبير ان يعزل النظام خارجيا وان يكشف ارتباطاته بالتنظيم الدولي للاخوان المسلمون والكثير من الحركات الاسلامية المتطرفة التي وجدت موطئ قدم في السودان للتدريب والانطلاق.

واكبت مسيرة التجمع كثير من الاخفاقات والتراجع بالاضافة الي تباينات بين القوي المكونة للكيان وفي ظل الخلافات خرج حزب الامة القومي بقيادة الصادق المهدي من التجمع الوطني الديمقراطي تحت شعار تهتدون معللاً الخروج بالتخلي عن الاجندة الحربية والاجندة التدويلية بالاضافة الي انتقاداته لهياكل التجمع ومطالبته المستمرة لاعادة الهيكلة وقد تم فهم تلك المطالبات في اطار سعي الصادق المهدي لرئاسة التجمع وان حجم حزب الامة لا يوازيه منصب الامين العام الذي كان يشغله مبارك الفاضل وفي ظل تمسك قوي التجمع بالهيكلة وقيادة الميرغني لم يكن امام الصادق سوي اتخاذ قرار العودة الذي ووجه بمعارضة شديدة من قواعد وكوادر الحزب.

اثر خروج حزب الامة من التجمع علي الاجماع السياسي لقوي الديمقراطية الثالثة وضرب اتفاقها علي اسقاط النظام بالقوة بعد تخلي الصادق المهدي عن هذا الخيار والعودة في (تفلحون) للعمل من الداخل وهي كانت الخطوة السالبة جدا في مستقبل وحدة الحزب نفسه حيث وجد النظام قادة حزب الامة صيداً سهلا في متناول يده وبدأ تساقط القيادات وتصدع الحزب بدءاً بالاصلاح والتجديد مبارك الفاضل مرورا باحمد بابكر نهار والزهاوي وغيرهما وقد تمزق حزب الامة الي 5 أحزاب تقريباً اربعة منها مشاركة ويمكن القول ان خطوة ترك التجمع والعودة للداخل لم تكن مدروسة ووضعت حزب الامة في وضع غير مفهوم لا الي الحكومة ولا الي المعارضة.

تعددت مبادرات الحل السياسي للقضية وبدأت المفاوضات الثنائية لقادة الحركة الشعبية مع النظام تحت مظلة (منظمة الايقاد) وتوجت باتفاق الوقف الشامل لاطلاق النار في 2003 وهذه المرحلة هي التي تقاطعت فيها مصالح الشعبية / التجمع الوطني الديمقراطي حيث انخرط قرنق في حوار ثنائي مع النظام مما جعل التجمع يقبل التفاوض مع النظام في القاهرة وتم توقيع اتفاق قضي بعودة قادة التجمع للداخل وانهاء معارضة الخارج.

بعد ان اصبحت المعارضة كلها في الداخل تفنن النظام في ضرب وحدتها الداخلية من خلال زرع الخلافات والاستقطاب الفردي بتقريب حزب وابعاد آخر والعكس وتخصص في السيد الصادق المهدي بصورة كبيرة حيث لعبوا علي رغبته في الحضور السياسي واستخدموه في عدة مناسبات كانت ابرزها لحظة دخول قوات العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم الي ام درمان حيث نقل تلفزيون السودان تصريحاً للصادق المهدي طالب فيه بمحاكمات رادعة وعادلة ومعلوم ان الردع والعدل لا يجتمعان في قضاء نزيه ومثل هذا التصريح غريب من شخص جرب سابقاً العمل العسكري لاسقاط نظام نميري انطلاقا من ليبيا. وظل المؤتمر الوطني يستخدم كل الحيل المتاحة لضرب السياسيين واغتيالهم اعلاميا وتعرض الحزب الاتحادي الاصل لاستهداف النظام من خلال استمالة رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني والذي انتكس عن سلم تسلم ابان التجمع الي مهادنة ومصالحة واخيرا مشاركة النظام في 2010 مما ادي الي تصدع الحزب وحدوث انقسام داخلي حاد بين معارضي المشاركة ومؤيديها حيث كان كل الشباب والطلاب ضد المشاركة واستمروا في تحالفاتهم القديمة مع قوي المعارضة خاصة في التحالفات داخل الجامعات وهي الساحة الوحيدة النشطة ضد النظام لفترات طويلة من عمره.

حافظت احزاب اليسار الي حد ما علي وحدتها الداخلية باستثناء البعث العربي الذي انقسم الي حزبين وحركة حق التي انقسمت الي الجديدة والحديثة ثم التأمت بعد رحيل قائدة حركة القوي الجديدة الديمقراطية الخاتم عدلان وساهم المناخ السياسي المنغلق في تصدع الاحزاب السياسية لان اوضاع التضييق علي الحريات تسهل تكاثر الطفيليات السياسية وتعزز من احتمالات الرضوخ للمساومات السياسية والتي يصرف عليها النظام صرف من لا يخشي الفقر ولا يبخل بما فوق نسبة الــــــــ 52 % التي ظل يحافظ عليها في كل تفاوض واتفاقية سلام مع القوي الحاملة للسلاح في الاقاليم المهمشة.

بعد نيفاشا والانفراج الدولي لعلاقات النظام الخارجية وتراكم الفوائض المالية من 2003 بعد توقف نزيف المال والسلاح في الجنوب استشعر النظام قوته واستخدم لغة متعالية ومستهترة بالتنظيمات المعارضة ورفع سقفه عاليا من خلال الشراكة مع الحركة الشعبية وكانت تلك الفترة الممتدة من 2003 الي 2011 ربيعاً للنظام ادخل فيه الاحزاب في سبات عميق لانها للاسف كانت تنظر الي المظهر الجميل لا الجوهر القبيح ولان احزابنا هذه تفتقر لمراكز الدراسات او امانات الفكر والتخطيط والتي من مهامها دراسة وتقييم النظام بعيدا عن الهجوم الممجوج وذكر مسالب النظام باستمرار ادخل الملل في نفوس العامة وان كان قد راكم كره النظام تدريجيا في نفوس الشعب ولكن ما اقصده ان تلك الفترة بني العنكبوت في دور احزاب المعارضة وانصرفت كوادر اليسار الي عمل المنظمات وما تقدمه من اسفار ودولار وتركزت طاقات الشباب المعارض في قضايا فئوية وجزئية كقضايا الجندر وغيرها وقد فطن الشيوعي قبل غيره من قوي اليسار الي مخاطر هذا الاتجاه الذي شغل الكوادر عن قضايا التغيير السياسي.

بعد انفصال الجنوب عادت الكرة الي قوي المعارضة وركزت هجومها علي قضية تمزيق الوطن وتقزيمه وحملت النظام المسؤولية الكاملة عن الانفصال وتوابعه من ازمة اقتصادية اطلت برأسها بعد ذهاب عوائد النفط التي كان النظام يحقق بها استقرارا طفيفا في اسعار السلع ويبتلع الباقي منه غول فسادهم الفردي والمؤسسي. ظلت قوي المعارضة تصعد خطابها والازمة الاقتصادية تحيط بعنق النظام الي ان جاء اغسطس 2013م واعلان الحكومة عن رفعها للدعم عن المحروقات وقد كان الشارع مهيأ تماماً للانتفاض بعد ان واجه المواطنين شحاً في كل شئ مع غلاء ضرب حياة الناس في كل السلع والخدمات وكان حينها النظام غير مستوعب لمستوي التردي الاقتصادي الذي وصلت اليه البلاد لا سيما ان الطبقة الحاكمة والطبقة الرأسمالية تحالفتا اجتماعياً وسياسياً وحتي في السكن وفعلياً أصبح في السودان مجتمع عاجي لا يعرف شيئاً عن الفقر والفقراء بل لا يريد ان يعرف او يري بعين فاحصة مدركة الاف المسحوقين القاطنين في بنايات قيد الانشاء غير مكتملة التأثيث بلا نوافذ او ابواب يعانون صيفاً وشتاءً وخريفاً.

من كل هذا الشقاء خرج ثوار سبتمبر 2013 تلك الهبة الشبابية القوية والغاضبة والتي خرجت في كل المدن ومن كل شبر في العاصمة السودانية بمدنها الثلاث وقابلت الحكومة هبة سبتمبر بعنف مطلق وجنود مدججون باسلحة حربية متقدمة تستخدم في الحروب وقتلت تلك(الحملة الدفتردارية) الانتقامية حوالي 260 شاباً وعدد غير محدد من الجرحي وتركت هبة سبتمبر جرحاً عميقاً لدي سكان وسط السودان الذين لم يتوقعوا مثل هذا العنف من الحكومة خاصة ان ابصارهم يغطيها النظام باعلامه حتي لا تري بطشه لثوار الهامش السوداني وقصفه للمدنيين في قراهم.

بعد قمع ثورة سبتمبر بالعنف المفرط وانكار الحكومة لمسؤوليتها عن ذلك ولم تخرج للعلن نتائج تحقيقها المزعوم ولم تقدم القتلة للعدالة، كانت سبتمبر بداية الوعي الكبير بجرائم النظام واستخفافه بالشعب وكانت مفترق طرق كبير بين من ظلوا يؤيدون النظام بدون قيد او شرط متدثرين بمقولة نعمة الامن التي ظل الامن يعزفها ليل نهار لتخويف الشعب من اي ثورة تحيله الي معسكرات اللجوء والمفارقة ان هذا الخطاب يضخه من ينصب نفسه حاكما علي دارفور وجنوب السودان وقتها وجبال النوبة والانقسنا وهي المناطق التي لجأ سكانها منذ العام 1983 ولحقهم اهل دارفور في 2003 وكأن كل هؤلاء ليسوا سودانيين وان السودان هو مثلث حمدي المتوهم كل ما ضاق اهل حواضر المركز اخمدوا ثورتهم بمثل هذا الابتزاز الرخيص.

ومن نتائج هبة سبتمبر انشقاق مجموعة عسكريين ومدنيين من النظام بقيادة غازي صلاح الدين عتباني الذي تقلد عدة مناصب منها وزير دولة بالخارجية ومستشار الرئيس لشؤون السلام ومعه حسن عثمان رزق من قادة النظام وكان وزيرا للشباب والرياضة وكونوا حركة الاصلاح الان وقوبلت بانتقادات كبيرة وتشكيك واسع في اهدافها وتوقيتها وخلفية اعضائها فقد وصمها البعض بانها احدي حيل الكيزان *(لقب يطلق علي الاسلاميين) وايضاً توقيتها الذي جاء مع هبة سبتمبر حيث اتهمهم مراقبون بأنهم يريدون استغلال دماء الشهداء وقد وجه لهم كاتب المقال في ندوتهم السياسية بمدينة القضارف اسئلة منها ( ان وفدكم الي القضارف به ثلاث قادة عسكريين وهم صلاح كرار/ محمد بشير سليمان/ العوض محمد الحسن اذن ما هو موقفكم من الوصول للسطة بانقلاب عسكري؟.) وهو السؤال الذي تخطته المنصة ولم ترد.

د. سليمان علي
[email][email protected][/email] _________________________

تكملة المقال في الجزء (2)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..