أخبار السودان

قصة 27 عاما من العقوبات الأمريكية على السودان

أعلنت السفارة الأمريكية في الخرطوم، الإثنين، أن إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب دخل حيز التنفيذ، بعد انقضاء فترة إخطار الكونجرس البالغة 45 يوما.

وكتبت السفارة الأمريكية في الخرطوم على صفحتها الموثقة بموقع “فيسبوك”، أن وزير الخارجية مايك بومبيو وقع إشعارا يفيد بإلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، مشيرة إلى أن “الإشعار أصبح ساري المفعول اعتبارا من 14 ديسمبر (اليوم)، ليتم نشره في السجل الفيدرالي”.

حقيقة الأمر أن رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب لم يكن أمرا مفاجئا ، فقد سبق هذا القرار محاولات كثيرة من جانب الخرطوم اصطدمت برفض أمريكي نتيجة لظروف إقليمية كانت السودان جزءا منها بسبب سياسات النظام السابق الذي كانت تعتبره واشنطن في عهد الإدارات السابقة جزء من التيار الديني لاسيما جماعة الإخوان المسلمين وعلاقة الخرطوم بالنظام الإيراني قبل أن تعلن القطيعة معه 2016.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السودان ي عمر البشير ومع مجيئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ تحريك ملف السودان خصوصا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية ومحاولة النظام الجديد الخروج من حالة الاضطرابات التي تشهدها السودان بسبب سوء الأحوال المعيشية واندلاع تظاهرات منددة بتلك الأوضاع، أضف إلى ذلك المشهد السياسي المعقد في السودان خصوصا بعد انفصال الجنوب ، ومطالبة عدة أقاليم أخرى بالحكم الذاتي ، كل هذا جعل محاولة إعادة هندسة العلاقات مع النظام الإقليمي الجديد أمرا لابد منه.

القصة بدأت منذ 27 عاماً، حيث قررت إدارة الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الأب فرض عقوبات على السودان بحجة دعمه للإرهاب ، إلى أن قرر دونالد ترامب إنهاء هذه الحقبة السوداء في تاريخ السودان

وبدأت ال عقوبات الأمريكية على السودان سنة 1988 عندما تخلف الأخير عن سداد ديونه، إلا أن ال عقوبات التي لها علاقة بملف الإرهاب بدأت سنة 1993 عند إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، رداً على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991، قبل أن يغادر الخرطوم عام 1996بضغوط أمريكية، وبقرار تنفيذي من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، فُرضت عقوبات مالية وتجارية على السودان ، جمدت بموجبها الأصول المالية السودان ية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى السودان ، وألزمت الشركات المواطنين الأمريكيين عدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع هذا البلد.

وفي عام 1998 بعد تفجير سفارة واشنطن في العاصمة الكينية نيروبي، قصف سلاح الجو الأمريكي بأمر من الرئيس كلينتون مصنعاً للأدوية في العاصمة، مملوكاً لرجل أعمال سوداني في الخرطوم، بزعم تصنيعه أسلحة كيميائية.

وفرض الكونجرس الأمريكي سنة 2006 عقوبات ضد “الأشخاص المسئولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ليحظر بعدها الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودان يين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد.

وواصل الرئيس بارك أوباما ذات النهج مع من سبقه، رغم إقراره بأن النظام السودان ي حل خلافاته مع جنوب السودان ، التي كانت نقطة خلاف حادة بين واشنطن والخرطوم، وسلط عقوبات على كيانات مرتبطة بالنظام، إلا أنه أعلن تخفيف هذه ال عقوبات سنة 2015 بما يسمح للشركات الأمريكية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

ومع تولي الرئيس ترمب إدارة البيت الأبيض، بدأ ملف رفع ال عقوبات وإزالة السودان من قائمة الإرهاب يتحرك بسرعة، إذ أعلن رفعه جزئياً بعض ال عقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم سنة 2017، وبالتزامن مع التغييرات التي حصلت في السودان وإسقاط نظام البشير -الذي كانت تعتبره واشنطن عائقاً أمام السلام- قرر أخيراً رسمياً رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وسط عدم وضوح للثمن الذي سيدفعه السودان يون.

وتعيش الحكومة السودان ية الانتقالية حصاراً اقتصادياً متزايداً بخاصة مع تجاوز معدل التضخم 200% وانخفاض الجنيه السودان ي إلى 262 مقابل الدولار، من 82 جنيهاً، عندما تولت الحكومة المدنية السلطة قبل ثلاثة عشر شهراً فقط، ومع فقدان الحاجات الأولية للمواطنين في السوق مثل الأدوية والأكل والوقود، إذ أصبحت الطوابير اليومية من أجل هذه الأساسيات أمراً مقلقاً لحكومة حمدوك خوفاً من انفجار جديد.

ويرى متابعون إن موازنة السودان لعام 2021 ستخصص حصة كبيرة للولايات المتحدة من أجل تخفيف أعباء الديون التي من المحتمل أن تزيد تكلفتها على 300 مليون دولار، إضافة إلى المشاركة مع الكونغرس بشأن تشريع السلام القانوني للسودان الذي من شأنه أن يحسم موضوع التعويضات عن ضحايا تفجيرات السفارة في كينيا وتنزانيا، التي قد تصل إلى 335 مليون دولار لتعويض أكثر من 700 متضرر.

القرار الأمريكي برفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكي يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الخرطوم والعلاقات الدولية للنظام السياسي الجديد ، وموقع السودان من قضايا إقليمية عدة ، وماهي علاقة ال عقوبات الأمريكية على السودان بمسار التطبيع مع إسرائيل؟ .. كلها أسئلة مشروعة ستكشف عنه الأيام القادمة لاسيما مع إدارة أمريكية جديدة تكشف عن ملامح استراتيجية مختلفة للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط.
بوابة الاهرام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..