صفقة إستحواذ زين السودان لكنار ؛ محاولة للفهم و المعرفة . (الجزء الثاني).

عمار قاسم حمودة

إستعرضنا في الجزء الأول جانب كنار ،، و نتطرق في هذا الجزء للموضوع من وجهة نظر زين ،،،،،

ما هي الصورة من جانب زين؟ أي ماذا تعني كنار بالنسبة لزين السودان ؟
لنضع على الطاولة ميزات كنار و نحاول أن نرى بعيون زين.
أهم ما تشتريه زين من كنار هو خدمات الإنترنت، و المخارج العالمية، إضافة إلي إيجار كوابل الألياف الضوئية عبر المدن.
أولا: خدمة الإنترنت؛ بالرغم من أن خدمة الوصول للإنترنت ( Internet Access ) خدمة عالمية إلا أن الهيئة تخضعها للتعامل بالجنيه لأن المزود و المنتفع كلاهما بالسودان، و على مقدم الخدمة تدبر التكاليف الخارجية بالدولار! هذا جعل زين تدفع بالعملة السودانية و بسعر للدولار يقل عن سعر السوق الموازي (السعر الأقرب للحقيقة)، أي أن الميزة التنافسية فقدت قيمتها، بل و إنقلبت بفعل قوانين التعامل المجازة من الهيئة!
ثانيا: المخارج العالمية؛ هذه الميزة أصبحت على الورق فقط منذ أن أضافت زين ترخيص المنافذ الدولية إلى رخصتها لحظة تمديد إمتيازها للعمل بالسودان (و معه خدمات الجيل الثالث و ما يطرأ من تكنولوجيا)، عندها سارعت كنار بعرض إيجار سعة مقدرة لصالح زين في محطتها البحرية في بورتسودان (المال تلتو و لا كتلتو) لضمان إستمرار بعض التدفقات النقدية و الحيلولة دون انقطاعها تماما. هذه الخطوة حرمت سوداتل أيضا من تدفقات كانت تأتي إليها لذات الغرض. و عززت زين موقفها بتأمين مخارج أخرى خاصة بها بعيدا عن المحطة البحرية. هذا مع التخطيط لبناء محطة بحرية منفصلة مستقبلا. (لكن لحكاية المنافذ العالمية قصة أخرى شائكة سنعرضها لاحقا).
ثالثا: كوابل الألياف الضوئية عبر المدن؛ و هذه ميزة كبيرة لولا إنقطاع كنار عن المضي قدما في توصيل شبكتها إلى ما بعد الأبيض غربا. هذا الإنقطاع جعل زين تتمدد غربا لخلو بعض المسارات من وجود كنار أو سوداتل فأتمت زين الكيبل الخاص بها و الذي مثل الضربة القاضية لفك إحتكار سوداتل لغرب السودان (دارفور تحديدا) و دفع كنار لقبول المبادلة التي ذكرناها آنفا ( Swap Deals ). هذا الفتح برغم كونه أضر بميزة تنافسية لكنار لكنه أعطاها فرصة الوصول لغرب السودان بغير الدفع بإستثمارات جديدة، و هذا يحسب لصالح الهيئة و مبدأ التشارك في البنية التحتية و عدم تبديد العملة الحرة في إستيراد المزيد من الكوابل. و بالنظر لخارطة كوابل الألياف الضوئية و في حال دمج شبكتي كنار و زين فإن الناتج شبكة كبيرة جدا من بورتسودان شرقا و حتى الجنينة غربا، و ذات مسارات متعددة و دائرية أحيانا بما يضمن ربط عالي الموثوقية. هذه الخطوة من شأنها جعل زين تستغنى عن خدمات سوداتل في هذا الجانب الحيوي مستقبلا. هذه النقطة مهمة لزين بإزاء سوداتل و لكن ليس لقيمة في كنار نفسها. و هي بلا شك واحدة من الدوافع القوية لإستحواذ كنار، خصوصا و أن سوداتل ذات جناح منافس لزين بصورة مباشرة (سوداني).

هناك أعمال لكنار ذات أهمية تجارية أقل شأنا ، منها الربط مع أثيوبيا لتقديم بعض خدمات الإنترنت . إضافة إلى الخدمات المقدمة للمؤسسات ذات الأفرع داخل الخرطوم و في بقية مدن السودان . و أخيرا نصيبها من كيكة الحركة العالمية الواردة لزين تحديدا .
من الناحية الفنية فإن العمر الإفتراضي لكوابل الألياف الضوئية الذي يتناقص بمرور الوقت يمثل عنصر ضغط إضافي للتقييم المستقبلي لكنار .

بالنسبة لإتصالات الإمارات فإن كنار في عداد الإستثمارات قليلة أو عديمة الجدوى من واقع إنهيار قيمة الجنيه السوداني و صعوبات التحويل و إنعدام فرصة رخصة هاتف نقال، إضافة لنظرة متشائمة لما يمكن أن تكون عليه التدفقات النقدية مستقبلا، و عليه فإن البيع خيار جيد لو وجد مشترٍ جاد.

قصة المنافذ الدولية (International Gateways)
لفهم أهمية هذه المنافذ يجب أن نبدأ القصة من بدايتها ؛ في الاتصالات الدولية و لإجراء مكالمة عالمية واردة إلى شخص بالسودان يجب التواصل بين شركة الاتصالات خارج السودان ( الشخص المتصل ) و الشركة التي ينتمي إليها الشخص المتصل عليه ( الشخص المستقبل ) لأن مسار المكالمة يكون من الشخص المتصل إلى شركته و تقوم شركته بالتواصل مع شركة الشخص المستقبل التي تقوم بدورها بتمرير المكالمة إلى الشخص المستقبل. لنأخذ مثال لمشترك موبايلي بالسعودية يتصل على مشترك زين السودان، في هذه الحالة يجب أن تدفع موبايلي جزء مما يدفعه مشتركها إلى زين إما مباشرة لشركة زين أو عبر وسيط له الحق في تمرير المكالمة لزين. تحدد هيئات تنظيم الإتصالات في معظم البلدان القيمة التي يجب دفعها لقبول دقيقة عالمية واردة للدخول في الشبكات المحلية (أقل قيمة في حالة السودان هي 0.12 دولار لكل دقيقة واردة) و بالطبع تضاف هذه القيمة لتكاليف المكالمة على المتصل ( و لهذا السبب تكون أقل تكلفة على المتصل من السعودية مثلا 55 هللة تدفع منها حوالي 45 هللة تقريبا لشركة زين أو للوسيط المرخص له. في حالة التمرير لزين مباشرة فإنها تكسب 0.12 دولار للدقيقة ، أما في حالة الوسيط فعليه أن يكسب في كل دقيقة 0.02 دولار و دفع 0.10 دولار لزين. حتى هذه النقطة الامور غاية في الوضوح، لكن يظهر شيطان التفاصيل في طريقة دفع الأموال من الوسيط إلى زين. من هم الوسطاء المرخص لهم إضافة لزين نفسها؟ هم كنار و سوداتل. إذن على كنار أو سوداتل في حالة لعب دور الوسيط دفع 0.10 دولار عن كل دقيقة لزين و ذلك خصما من ال 0.12 دولار التي دفعتها لهم موبايلي. و لأن كنار و سوداتل ربما تدفعان الدولارات بالجنيه السوداني تنشأ مشكلة سعر الدولار الذي يتم به الدفع. هل هو سعر بنك السودان؟ هل هو سعر البنوك التجارية؟ هل هل هل ؟؟ و في كل الأحوال فإن السعر المستخدم يكون أقل قيمة من سعر السوق الموازي. هذا الإختلاف خلق سباق محموم بين كنار و سوداتل و زين نفسها للحصول على الدولار. و تنشط زين بصورة اكبر للحصول على الدولار بدلا عن المقابل السوداني. هنا تحديدا تنافس علي كيكة (وليمة) شهرية مقدارها يفوق ال 10 مليون دولار. و لأن فرق السعر مغري يمكن لكنار أو سوداتل ان تعمل بدون أرباح، أي تحصل فقط على 0.10 دولار ، و تدفع 0.10 دولار لزين لكن بالمقابل السوداني. تكسب دولار و تدفع جنيه. و هنا تعمل هذه الوسائط بطريقة تشبه عمل الصرافات للإستحواذ على أكبر قدر من كيكة ال 10 مليون دولار الشهرية. و هنا يمكن أن نفهم و نفسر لماذا إهتم بنك الخرطوم بصفقة بيع كنار! و ما عدا ذلك زوبعة من بنك الخرطوم للحصول على عمولات فقط لتسهيل تمرير الصفقة.
إذن عند شراء زين لكنار تكون قد حازت على نصيب الأسد من العائدات الدولارية مما يرفع حظوظها في كيكة ال 10 مليون دولار الشهرية بنسبة لا تقل عن ال 90% . يجب أن نتذكر أن أهم ما يميز هذه الكيكة أنها مدفوعة بالدولار إلى جانب كونها تأتي من الخارج و بالتالي يسهل تمريرها للخارج لصالح المستثمرين الذين يعانون من إخراج أرباحهم، و لمقابلة مدفوعاتهم المستحقة لجهات خارجية عند تمرير مكالمات عالمية. عليه فان إستحواذ زين على كنار يقلل من فرص من يعملون كصرافة متخصصة في أموال الاتصالات !!

عود على بدء، فإن مكاسب إستحواذ زين على كنار متعددة نلخص أهمها في:
١- كوابل ألياف ضوئية لشبكة تتفوق علي شبكة سوداتل.
٢- نصيب أكبر من التدفقات المالية بالعملة الحرة من خارج السودان.
٣- تكلفة أقل و زمن أقل لتسويق الخدمات (time to market) مستقبلا.
٤- تحويل بعض المنصرفات إلى أرباح.
٥- إنعاش الخدمات العالمية بربط إثيوبيا (أصلا مرتبطة بكنار و زين) و جنوب السودان و تشاد في وجود شبكة الألياف الضوئية على الحدود و وجود محطة بورتسودان للكوابل البحرية على البحر الأحمر الذي تمر به معظم الكوابل العالمية .

تعليق واحد

  1. شكرا على التوضيح و الابانة لموضوع كنا نعتقد فهمه كلبن الطير و العنقاء
    و شكرا على اللغة الراقية الرصينة و السهلة في آن
    ليس كل كتاب الصحف اليوم يكتبون كما تكتب
    يديك العافية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..