هل كسبت الشعوب العربية المعركة

هل كسبت الشعوب العربية المعركة

محمد أبو شهاب
[email protected]

المعركة التي تخوضها الشعوب العربية ضد حكامها قد لا تبدو ملامح الانتصار فيها واضحة، بمقارنة الثروات الثلاثة. فالشعب المصري ربما كان الأحسن حالاً .. فعزاءه في ذلك أنه خرج بتعديلات دستورية والتي سيجرى الاستفتاء عليه في مطلع الأيام المقبلة، تسمح بتداول السلطة وتحدد فترة الرئاسة في أربع سنوات لفترتين فقط وهذا انتصار كبير للشعب المصري.. والرئيس المصري أحسن حالاً من الأول والأخير .. حيث تدرج مع الشعب المصري ودوخه قليلاً .. ولكنه استسلم في النهاية بعد أن شعر بأنه لا جدوى من الاستمرار .. فهذا في حد ذاته انتصاراً للشعب المصري لأنه خرج بأقل الخسائر وهي تعد حسنة لمبارك رغم ما أرتكبه في حق الشعب المصري والذي يعد حكيماً إذا ما قارناه بالآخرين .. والشعب التونسي حتى الآن ربما حقق انتصاراً واحداً وهو الانتصار على بن علي ونظامه الجائر .. والكل يتّرقب ما سوف يحققه في الأيام القادمة .. أما الشعب الليبي إذا ما قارناه بالشعبين الآخرين .. فقد خسر كثيراً.. وليس هناك بريق أمل ينذر بانتهاء المعركة لصالحه .. ففرعون زمانه القذافي لم يتعظ من رحيل جيرانه وأصدقائه .. ولازال الغرور يعمي عينيه .. فارتكب فظائع في حق شعبه لا تغفر ويتبجح في خطاباته ويدعي أن الشعب يحبه .. والعالم الغربي يتخذ موقفاً خجولاً تقديراً للمصالح المشتركة بينه وبين نظام القذافي وما دفعه لهم مسبقاً من كنوز .. أما أمريكا فهي كالنسر تنتظر الفريسة لتنقض عليها رغم تصريحات الثوار بأنهم لا يرغبون في التدخل الخارجي .. ولكن أمريكا لا يهمها أحد.. فالعراق تجرد من اللحم ولم يعد ينفع بعد أن نهبت كل ثرواته لذلك فهي تبحث عن صيد آخر .. وقد أتت الكرة لملعبها لتسطير على النفط الليبي .. وهذا المغرور لا يهمه شعبه حتى لو ماتوا جميعاً .. المهم أن يحكم هو وأن يمتع نفسه وأولاده بما سرقوه من أموال الشعب الليبي .. فها نحن نرى في كل بلد غربي أن لديه كنزاً من أموال الشعب الليبي وقصوراً وخدم وحشم .. وها هو يبتز بأمواله فقراء أفريقيا فيجعلهم حماة لنظامه الطاغية ويبدد ثرواته شعبه بما ارتكبه من حماقات جعلت ليبيا تدفع ثمن أخطائه لردح من الزمن ودعمه للثوار في أفريقيا في كل مكان فلم يسلم منه جار واحد إلا وآذاه .. ولم نسلم منه نحن على مختلف حكوماتنا فآذاقنا الأمرين ورغم سقوط العديد من مدنه في قبضة الثوار فهو لا يريد أن يهرب أو يتنحى.. ويظل الشعب هو الخاسر الوحيد .. فالشعب خسر أربعين سنة من عمره رغم ثروات ليبيا الضخمة والتي لم تساعد في نهضة ليبيا مقارنة مع دول النفط الأخرى .. فظلت الثروات في يد القذافي يتلاعب بها كيف يشاء ويبددها في الحروب والأسلحة. ومهما صمد القذافي فسوف يرحل .. ولكن السؤال الأهم وهو كيف سيكون الحال بعد أن يرحل؟ فالوضع غير مطمئن على الإطلاق والتدخل الأجنبي صار على الأبواب وهو متشبث بالسلطة بكل ما أوتي من قوة مستغلاً ترسانته العسكرية وعدم معرفة الثوار بفنون الحرب.
فعلى الشعوب تقييم حكامها قبل البدء في الثورة .. ولابد أن تعد العدة مسبقاً قبل البدء في المعركة ..لأنها قد تكون معركة خاسرة تجلب للشعوب كوارث عظيمة دون تحقيق أهدافها التي تسعى إليها .. فأمثال القذافي لا تنفع معه الثورة إلا على مراحل وبالتدريج وبعد تأليب كل الشعب ضده وكذلك حاشيته .. وضمان انحياز الجيش لجانب الشعب كما فعل في مصر.. أو من يحمي هذه الثورات من هذه الأنظمة المستبدة لا الاعتماد على الغرب الذي يكيل بمكيالين.
ورغم هذه الحسابات فالشعوب ما زالت مستمرة في ثوراتها .. فاليمن أيضاً تحث الخطى على نفس الطريق ولكن المصير مجهول أيضاً.. فالشعوب إذاً لم تحقق انتصارات كبيرة .. لأن حكوماتها تفتقر إلى الحكمة و لا يهمها مصلحة الوطن .. فالوطنية مفقودة في مثل هذه الحكومات وحب السلطة هو القاسم المشترك بينها جميعاً .. والخضوع الكامل للغرب هو ديدنها .. ومصالح الشعوب لا أحد يكترث لها.
والوضع في السودان ليس بأحسن من غيره رغم وجود خسائر بشرية .. أو مادية والحكومة تراقب الوضع في ليبيا بحذر وعيونها يملؤها الخوف.. فالناظر لوضع الشعب السوداني .. يسوده الحزن .. فالشعب السوداني لا يستطيع أن يصمد في الشوارع لمدة يومين .. لأن الشعب لا يملك قوت يومه .. فلو تعطلت الحياة في الشارع السوداني وأغلقت المحلات التجارية أبوابها والبنوك لأصبح وضع الناس مزريء .. لأنه لا أحد يملك جوال دقيق في بيته ولا شيء من المدخرات والشعب كله يعيش بالبركة وعلى الله .. كيف لا وحتى رئيسه عندما يسأله عن مصير بلاده بعد انفصال الجنوب وذهاب البترول ..فيقول الأرزاق بيد الله يا شيخ .. نعم الأرزاق بيد الله يا شيخ ، فالله رزق البهائم .. ولولا إيمان الشعب السوداني بهذه المقولة وإيمانهم بالله لماتوا جميعاً من الجوع .. فالكل يعيش بأعجوبة .. وحتى من كان ينتظر آخر الشهر ليشتري المواد التموينية ويخزنها في بيته من الراتب لتضمن له الصمود لشهر قبل أن يطير المرتب .. بات اليوم لا يقدر على شراء المواد التموينية لأنها أصبحت في غاية الصعوبة .. ورجل الدولة لا يملك خطة أو مخرج لهذا الوضع وحاله كحال بقية الشعب .. في انتظار أن يرزقه الله وهو جامد لا يفكر.. أين عقلائك ورجال سياستك ومفكروك لكي يجدوا لك مخرجاً من هذا الوضع بوضع سياسات حكيمة للخروج من هذه الأزمة بإيجاد موارد بديلة عن البترول لا بفرض المزيد من الضرائب والرسوم على الشعب وإنهاكه لحد الفتور والهلاك.
فالوضع محزناً للغاية لأننا لا نرى مصادر للسودان تخرجه من هذه الأزمة ولا موارد يتعمد عليها اقتصاد البلاد لأن الحكومة لم تضع خططاً لإيجاد موارد بديلة للبترول وحتى ما يوجد لديها من موارد لا يتم استغلالها استغلالاً صحيحاً لمصلحة البلد وتحتكرها فئة قليلة تتحكم في مصير الشعب.. فإما أن تتخذ الحكومة خطوات جادة نحو الإصلاح وتحارب الفساد الذي أشعل الثورات من حولنا.. أو سينهار الوضع برمته على رؤوسهم جميعاً.
محمد أبو شهاب ? السعودية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..