السودان يحتاج لحليف إستراتيجي ووجيع وطني

عند إنتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه في عام1979الذي يمثل قمة الهيمنة الغربية علي بلاد المشرق كانت تيارات الإسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين الأكثر فرحا وتهليلا بذلك الإنتصار وقد تناست الخلافات المذهبية وتقاطر وفودها لزيارة الجمهورية الإسلامية تعبيرا عن مدى فرحتهم وتهنئتهم للإمام الخميني قائد الثورة المظفّر .
كان لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران أثرا بالغ الاهمية في نفوس العاملين بالحقل الإسلامي وقد حملت منشوراتهم وعناوين مجلاتهم وصحفهم كثيرا من الأمل والتفاؤل والبشريات بالنصر الكبير للثورة التي أعادت الحسابات وغيرت الموازين بإقتلاعها لطاغية من طغاة العصر الحديث.
وفي السودان عندما أقدم الإسلاميون علي التغيير عبر إنقلاب30يونيو1989 كانت وجهتهم الأولي في العمل الخارجي هي التحالف الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية في إيران ظناَ منهم أن إيران ستقابلهم بالترحاب وستقدم لهم السند اللازم حتي تستقيم قناتهم لكن إيران الشيعية لم تنسى خلافاتها المذهبية فلم تقدم للنظام السني الجديد في الخرطوم أي دعم يفيده في بناء قدرات قوة حقيقية.
رغما عن ذلك حاول البلدان تعزيز العلاقات بينهما حيث المصائب تجمع المصابين ففي عام1991قام الرئيس رفسنجاني بزيارة للخرطوم وقد وجد حفاوة شعبية كبيرة، لشعبٍ يحب الضيوف، ولم يعش حساسية طائفية لأن كل المسلمين فيه علي المذهب السني ثم توالت زيارت الرؤساء المتبادلة والوفود الاكاديمية والمهنية والتعليمية .
لكن كل ذلك لم يشفع للسودان أن يجد دعما إيرانيا حقيقيا ولا سببا في ذلك سوى مذهبه السني.
فعلا خلاف ما إعتقده كثيرون بأن هنالك تحالفا إيرانيا سودانيا لان هنالك قضايا مشتركة بين البلدين أولا كلاهما يساند القضية الفلسطينية ثانيا كلاهما نال عداوة الغرب بسبب فكره الأممي المناهض للإستعمار والداعي لوحدة الصف المسلم والزاعم مناصرته للمستضعفين في الأرض ثالثا كلاهما سعي لتحرير قراره الوطني وتحصينه من المؤثرات الدولية.
ولكن في حقيقة الأمر لم يكن هنالك تحالفا بالمعني المفهوم حتي أن السودان في عز أزماته وقمة الحصار الغربي كان يدفع ثمن الوقود مقدما للشركات الإيرانية وحتي اليوم لا توجد إستثمارات إيرانية حقيقة في السودان وذات مرة سألت الشيخ إبراهيم السنوسي قبل مفاصلة الإسلاميين لماذا تصرون على تمتين العلاقة مع الإيرانيين وهم لا يبادلوننا نفس الشعور فقال أن يكون لك صديق وهمي خير من أن يكون ظهرك مكشوفا علي نسق المثل الشعبي ( القحة ولا صمة الخشم) فشئ خير من لا شئ.
الجمهورية الإيرانية إستطاعت أن تستثمر المد الثوري في التغلب علي العقبات والإنتصار في الحروب لتصبح قوة إقليمية مؤثرة يحسب لها الف حساب لكنها بالطبع راعية للمذهب الشيعي فلا تفضل ان تكون هنالك قوة إسلامية غيرها خصوصا وانها واجهت فتاوى تحذيرية من علماء السعودية ودول الخليج للشعوب الإسلامية من خطورة المذهب الشيعي الذي يطمح في أن يسود عالمنا الإسلامي.
واليوم السودان يحتاج لصنع علاقات دولية قوية ليحافظ علي بقاءه موحدا وليتمكن من طي ملفات صراعاته الداخلية فعليه البحث عن أصدقاء حقيقيون لهم وزنهم ويستطيعون تحريك عجلة المؤاثرات الدولية لصالحه .
فقضايا الديون الخارجية والحصار الإقتصادي والنزاع المسلح وأجواء الحوار الهادى الهادف مع قوى المعارضة يحتاج لحليف إستراتيجي ووجيع وطني يثق في خطوات الإصلاح المنشودة.
أما الحليف الإستراتيجي فالسعودية ودول الخليج ثم الصين وروسيا وقد لعبت قطر دورا فاعلا في تغيير الأوضاع لصالح السلام في قضية دارفور ويمكن لدول الخليج الأخرى والسعودية أن تسهم أكثر في الإنفتاح علي العالم وإخراجنا من طوق العذلة إذا ما توافرت إرادة لدى النظام الحاكم في توضيح الحقائق حول العلاقات السودانية الإيرانية والإبتعاد عن محورها .
أما الوجيع الوطني فالمعارضة السودانية بكافة أحزابها ومسمياتها من أقصي اليمين لأقصي اليسار بشرط أن تتمكن من الإتصال بقواعدها والتعبير عن أراءها وتوجهاتها وأفكارها وبرامجها بحرية كاملة عبر الوسائط المختلفة من إذاعة وتلفاز وصحف يومية وأن تمارس نشاطها الفكري والسياسي في العلن عبر الندوات واللقاءات وقبل هذا على الحزب الحاكم التصالح مع نفسه ومع الشعب بإعادة أموال الإسلامييين الخارجية ليتم إستثمارها هنا فبلادنا أولى بها وهي مبالغ هائلة ستسهم إيجابا في التنمية ومحاربة العطالة ثم إتخاذ قرارات فورية لصالح الحريات والسلام ثم جمع الناس حول قضية قومية حقيقية يرون فيها عودة الهيبة لبلدهم مثل قضية مثلث حلايب التي تطاول ليلها وأظلمت الدنيا علي ساكنيها وهم متعجبون ومستغربون من إلتزام حكومتهم الصمت إيذاء مظلمتهم تحت كبت الإحتلال.
فالسودان البلد القارة الذي سادت فيه حضارة في حقبة ما قبل التاريخ يمتلك من أسباب النهوض والقوة بما يكفي علينا فقط إعادة العزة لإنسانه الكريم المضياف الصبور الجسور ذو التاريخ الناصع في الفزع وإغاثة الملهوف وثبات الصفوف.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اذا كانت امريكا تمد قرنا الاستشعار وتمدد التطوق فمن باب اولى ان تجد الدارة يها راقصين خير من ان تجدها خالية تماما اى ان لاتنزل ولا تعرج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..