مقالات وآراء

الهمبتة والهمبتة السياسية.. مقاربة سلوكية بين ظاهرتين

 

✍ مجدى عبد القيوم(كنب)

فى سياق المقاربة هذه لابد من مدخل حول اوجه الشبه بين ظاهرتى الشعراء الصعاليك والهمباتة فى السودان
ما بين الهمباتة كظاهرة فى السودان والشعراء الصعاليك فى الجزيرة العربية علاقة تشابه فى العديد من الجوانب فالظاهرتان تتشابها فى استنادهما على منظومة قيمية تشكل محددات ممارستهما حتى فى عملية السلب والنهب والاغارة التى يمكن ان تستخدم مصطلح الاختطاف مرادفا لها.
الشعراء الصعاليك فى جزيرة العرب واشهرهم عروة بن الورد الذى كنى بعروة الصعاليك لانه كان يهتم باحوالهم والاعتناء بهم وهو الذى اشتهر بالكرم حتى قالت العرب ان من قال ان الطائى اكرم العرب فقد ظلم عروة ولعل فى رده على المفحم على من سخر من نحول جسمه صورة بالغة الدلالة على الكرم والايثار :

إنى أمرؤ عافي إنائي شركة
وإنت أمرؤ عافي إنائك واحد.
أتهزأ مني أن سمنت
وأن ترى بوجهي شحوب
الحق والحق
جاهد.
أقسم جسمي في جسوم كثيرة
واحسو قراح الماء والماء
بارد…
وكذلك كان انداده الشنفرى وتابط شرا الذى قيل ان امه اطلقت عليه ذلك اللقب لانه كان يضع سيفه تحت ابطه وهو ثابت بن جابر والسليك بن السلكة الذى وصف بانه ادل من قطاء لانه يحفظ الماء فى بيض النعام ويدفنه فى رمال الصحراء لاستخدامه فى صيف بيداء جزيرة العرب قائظ الحرارة ويتعرف على امكانه بكل سهولة او كما تقول الروايات لذاك يقال انه كان الوحيد الذى يمارس الاغارة فى الصيف.
الارتباط فى مجموعة القيم بين الشعراء الصعاليك والهمباتة فى السودان والذين يقف على راسهم طه الضرير والطيب ود ضحوية مثلت اهم ملامح التشابه.
هذه الظاهرة المجتمعية على الرغم من انها منبوذة اجتماعيا لانها تعتمد على ظاهرة النهب والسلب والاغارة الا ان مجموعة القيم التى لازمتها كالنهب من الاغنياء دون الفقراء عند الشعراء الصعاليك او عدم الاعتداء على الشيوخ او النساء عند الهمباتة احد اهم ملامح التشابه بين الظاهرتين والفروسية والشجاعة التى تميزت بها الظاهرتان وشكلت احدى اهم المشتركات ربما قللت من غلواء النظرة الدونية التى يتعامل بها المجتمع مع هذه الفئة الخارجة عن التقاليد هذه القيم هى فى النهاية سلوك
فالطيب ود ضحوية انتهر مامور السجن حين هدده قائلا .
يوما فى بسط
عند المزند عاجا
ويوم غربتبن من جبرة شايل
كاجا
بيش نرضيها
غير البل جدية
الباجا
لا تهاددنى يا قبطى
السجن مو حاجة.
هذه الشجاعة لم تفارق ود ضحوية حتى وهو على فراش الموت فلم يجزع بل يقول مخاطا نفسه:
يوم بنداور البكرة
ونمصرو ثديها
ويوم بنشق عتاميرا بعيدة
وتيها
يا نفس الرماد المتعة كملتيها
ابقى لزومة
وكت القرعة وقعت فيها
يا لذياك الزهو حتى على فراش الموت ويالها من فروسية فهو حتى لم يتمثل المتصوفة ويدعو:
يا عالم الغيوبا
دعاى لا يكون محجوبا
نفسى الصايعة
ولعوبا
اقبلا واعفى عيوبا
لعل المقاربة بين ظاهرة الهمبتة فى شكلها المجتمعى فى السودان وظاهرة الهمبتة السياسية التى انتشرت كسلوك سياسي حتى داخل التنظيمات تشىء بجلاء الى الاختلاف الكبير بين الظاهرتين فحين اتصفت الاولى بمنظومة قيمية حتى على حال كونها خروج على المجتمع افتقرت ظاهرة الهمبتة السياسية لاى محددات قيمية او اخلاقية الا ان اعتبرنا الجبن والكذب البواح والاستهبال والتدليس والتلبيس والاختطاف والتأمر وعدم الحياء وبيع المواقف منظومة قيمية تشكل محددات سلوك الكثير من الساسة على مسرح العبث السياسي الذى نشاهده .
لعلك وانت تراقب هذا العبث تتذكر واحدة من اروع اعمال وليم شكبير التى لا تزال عالقة بالذاكرة رغما عن تقادم الايام وهى دراما الاخطاء او مهزلة الاخطاء وهى ملهاة تدور احداثها فى العهد الرومانى وتتولد تلك الاحداث من مجرد مصادفات محصة تعيشها شخصيات الرواية فى تسلل عجيب ولا ادرى ان كان للملهاة التى نعيشها علاقة بالمقولة المعروفة بالضرورة والصدفة فى الثقافة او الفلسفة الماركسية.
فى قراءة مشهد الهمبتة السياسية منزوعة الاخلاق تبدو بشكل جلى سيطرة ذهنية االعقل الرعوى التى تحدث عنها الدكتور النور حمد فى اطروحته المشهورة.
شكلت هذه الذهنية المشهد السياسي وطبعته بوسمها الارتاد والانكفاء على منصة العقل الباطن والمختزن من السلوك البدائى بكافة تصنيفاته وربما دلل على زعمنا هذا ما ال الحال من انسداد اعاق التطور الطبيعى للمشهد او هذه المرحلة التى تعيشها البلاد.
الطريف انه حتى سلوك التعاطى مع الغنيمة سواء عند الهمباتة او الشعراء الصعاليك مختلف عنه فى سلوك الهمباتة السياسيين فدائرة المنفعة هنا ضيقة لاقصى تقف عند حدود الشخصى ولا تنداح لتصل حتى لحدود التنظيمات
هذا ملمح اختلاف هام بين الهمباتة والهمباتة السياسيين
هذا السلوك عند الهمباتة السياسيين اضر بشكل بليغ بالانتقال فى البلاد ورهن القرار او حتى الموقف الشخصى لمنهج المصلحة وليس هناك مجال لهم عام فالحيز هنا لا يتجاوز سلة الحلم الخاص ولعل هذه الذهنية احدى ثمرات سىء الذكر المشروع الحضارى فى جزئيته المتصلة بالتمكين الاقتصادى سيما لشريحة الشباب انها فلسفة “العبور” عند سواقط المجتمع.
مؤكد هى ذات ارتباط وثيق بالفرادنية كسلوك يكرس لها راس المال فى جذر فلسفته .
الهمباتة كانوا يحرمون نهب الصبى والمرأة والهمباتة السياسيين لا يتورعون عن رزيلة فلا يأبهون للدماء الزكية التى نزفها ليس شباب فحسب بل حتى من هم فى مرحلة الصباء من الشهداء الذين ارتقت ارواحهم فى سبيل الغايات الوطنية النبيلة ولا يتحرجون من نظرات زهرات يانعات كن يملأن بيوت اسرهن القا وبهاء وعطر انوثة فواح قبل ان ياتين محمولات على محفة خرجت من المشرحة .
لك الله يا وطنى..
“من اين اتى هؤلاء”
هذا التغيير الكبير الذى تشهده البلاد على كل المستويات لن يفضى الى تحقيق الاهداف النبيلة التى فداها الشهداء بحياتهم الا بالتخلص من هؤلاء الهمباتة السياسيين وحوارييهم من المنتفعين.
مسرح العبث هذا حفي بك ان تغادر صالة العرض به قبل اسدال الستار فعلى الرغم من احترافية كاتب السيناريو وكذلك المخرج فى الابهار واستخدام التقنيات العالية فى التنفيذ سيما فى اللوحات التى يسيطر فيها الاظلام على الخشبة الا ان ضعف قدرات الممثلين فى التقمص اهدر كل الجهود بعض الاثام عن الفقهاء تتطلب غسل الجنابة وحرى بالمرو ان يفعل ذلك بعد ان يغادر صالة العرض هذه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..