أخبار السودان

 هل يتخلى (حميدتي) عن قوات الدعم السريع لصالح الجيش الموحد؟

لم تتمكن القوى المدنية المؤيدة للديمقراطية في السودان من الإجابة على أسئلة مُعلقة منذ الإطاحة بنظام البشير في ابريل 2019 بشأن مصير قوات الدعم السريع بالتزامن مع توقيع اتفاق إطاري جديد بين أحزاب سياسية والعسكريين في الخامس من ديسمبر الجاري بالعاصمة الخرطوم.

وضع مفاوضو المجموعة السياسية المدنية بنودا تتعلق بدمج قوات الدعم السريع في الإتفاق الإطاري المبدئي الذي كان قائد القوات محمد حمدان دقلو أحد الموقعين عليه وسط مخاوف المدنيين من عدم وجود إرادة قوية لدى دقلو لإنهاء وجود هذه القوات وتذويبها في الجيش الوطني.

ومنذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير يشعر السودانيون وخاصة مؤيدو الديمقراطية من خطورة بقاء هذه القوات خارج الجيش بشكل مستقل تحت إمرة وإدارة عائلة دقلو.

يقول الباحث في منظمة مختصة عن السلام والديمقراطية عمر عبد الرحمن، لـ(عاين)، إن الأولوية بعد ذهاب البشير ليس توطيد الديمقراطية بل ضمان استقرار البلد نفسه المهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية جراء “طموحات متزايدة” لدى قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والجنرال دقلو بسبب التنافس الكبير بينهما للوصول إلى القصر الرئاسي وحكم البلاد.

وفي الوقت الراهن وبعد مفاوضات شاقة وأكثر سرية بين “قوى مدنية” والمكون العسكريين توصلت الأطراف إلى اتفاق إطاري نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني لكن فقرات الإتفاق لا تحمل تفاصيل وخطط بشأن تأليف جيش واحد سيما مع تزايد رغبة دقلو بناءا على الوقائع الماثلة أمام السودانيين.

ويوضح عضو المكتب التنفيذي لتحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- معتز صالح، أن “النقاشات الطويلة” التي تمت بين تحالفه والعسكريين والمسهلين الدوليين قبيل توقيع الاتفاق الإطاري ركزت على تجريد أي شخص صعد السلطة بقوة السلاح من البندقية التي يضعها على الطاولة بتحديد طريق واحد وهو الجيش الموحد.

ويرى صالح في مقابلة مع (عاين)، أن الحرية والتغيير لديها مصفوفة زمنية بشأن اصلاحات المؤسسة العسكرية ومن بينها دمج قوات الدعم السريع في الجيش لكن المشكلة في وجود الإرادة لدى القادة العسكريين. وأضاف: “هل لديهم الإرادة لبناء جيش موحد؟”.. يستدرك بالقول:”هذا هو السؤال”.

ويعتقد صالح، أن الإتفاق الإطاري بشكل كبير يركز على بناء قوات مسلحة طبيعية تبعد عن صفوفها أي شخص لديه طموحات تجاه تقلد السلطة بقوة البندقية.

وعلى الرغم من دعوة حميدتي في الخطاب الذي ألقاه يوم توقيع الاتفاق الإطاري بالقصر الرئاسي إلى إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية. لكن مصدر مقرب من هذه المحادثات السرية التي سبقت الاتفاق وتمت أغلبها في “بيت الضيافة” مقر إقامة قائد الجيش وسط العاصمة السودانية قال لـ(عاين) أن “الحديث عن دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وبناء جيش موحد مجرد عُلبة استهلاك لكن لا توجد مشاريع وخطط أو حتى إرادة لدى الجنرال دقلو إلا بموجب صفقة قد تمنحه مكاسب سياسية كبيرة يريدها تحقيقها”.

وفي ذلك تقول الباحثة في شؤون الديمقراطية والسلام، إيمان حسن، في حديث لـ(عاين)، أن “الجيش و الدعم السريع غير موثوق بهما ولا يملكان قناعة لتكوين جيش موحد فـ الجنرالين (حميدتي- البرهان) يتباريان للوصول إلى كرسي القصر الرئاسي ربما بالإنتخابات بل بشتى الطرق حتى لو كانت فاسدة”. وتضيف “هذا هو المحك”.

فيما ترى الناشطة في مجال تعزيز السلام، أمل عبد العزيز، إن الوضع الراهن لا يحمل أي مؤشرات قوية لدمج قوات الدعم السريع ويجب الوضع في الاعتبار أن حميدتي مؤيد للاتفاق مع المدنيين بينما قائد الجيش وافق على مضض بفعل ضغوط غربية. وتضيف عبد العزيز لـ(عاين)، “هذا يعني أن العسكريين غير موحدين بالتالي ما يفعله العسكريين يوحي بأن هناك انقسام كبير بينهما”.

على الأرض ينخرط نحو 80 ألف جندي في قوات الدعم السريع أغلبهم من إقليم دارفور كما امتد الجنرال دقلو بخططه إلى إقليم النيل الأزرق وولاية سنار خلال العامين الماضيين فيما ذكر وزير مجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب العسكري – خالد عمر يوسف في ندوة شمال العاصمة السودانية هذا العام أن عدد مقاتلي الدعم السريع حوالي 100 ألف جندي وحذر من دعوات تتبناها قوى راديكالية بحل قوات الدعم السريع دون خطة سياسية واضحة .

مناورات كسب الوقت

“المشكلة الأساسية غياب الرغبة لدى جميع الأطراف بتكوين جيش موحد ولا يكترثون لتعدد الجيوش إلا في إطار الاستهلاك وما تضمنته الوثائق والاتفاقيات بنود جذابة لكنها غير قابلة للتنفيذ”. يقول الخبير العسكري، حسن إدريس لـ(عاين).

ويضيف: “عارض الجيش وضع قوات الدعم السريع تحت إمرة مجلس رئاسي مدني في الإتفاق الإطاري وربما الجهة الوحيدة التي لديها رغبة في إصلاحات المؤسسة العسكرية قد يكون الجيش، لكن ليس على طريقة دمج الدعم السريع في الجيش بل وضعها تحت إمرة المؤسسة العسكرية لأن الجيش السوداني لديه عقلية لم يتخلص منها وهو استخدام هذه القوات للقتال”.

وتابع إدريس: “النظام البائد عزز من عقلية بناء مليشيات موالية للجيش لأن الأخير فعليا لا يود خوض القتال أو النزاعات العسكرية باعتبارها مستنزفة لقدراته فهو يريد وضع أطراف مسلحة تقاتل بالنيابة عنه لأنه يطمح في الحكم”.

الدمج مع الإصلاح

فيما يقول القيادي في قوى الحرية والتغيير -الإئتلاف السياسي الموقع للاتفاق الإطاري مع العسكريين، محمد الفكي سليمان، أن “قوى الثورة تعتزم الانخراط في مؤتمر لنقاش أربعة قضايا رئيسية من بينها الإصلاحات في المؤسسة العسكرية وتكوين جيش موحد”.

وأضاف سليمان في مقابلة مع (عاين): “الحرية والتغيير مهتمة بإشراك (أصحاب المصلحة) لمناقشة قضايا العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسة العسكرية والسلام وتفكيك التمكين وهذه القضايا من المتطلبات المهمة لبناء الديمقراطية في أي بلد يخرج فيه المواطنين في ثورة شعبية ضد النظام الدكتاتوري العسكري.

بينما ينقل مصدر عسكري، أن الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات عبر بعثاتها الدبلوماسية في السودان لم تعلق “بشكل دقيق “على موضوع تعدد الجيوش خاصة وجود جيشين يتشابهان من حيث قوة التسليح والعتاد والطموح السياسي.

سيطرة دولية

فيما يقول الباحث في الشؤون الأفريقية عادل إبراهيم، أن المجتمع الدولي يتعامل مع جميع الأطراف سواء الجيش أو قوات الدعم السريع فهو يريد العمل بنظام “التحكم في مقاليد الأمور” حتى لا ينهار هذا البلد.

يشير إبراهيم في مقابلة مع (عاين)، إلى أن أديس أبابا استضافت مؤتمرا دوليا عن مكافحة الإتجار بالبشر برعاية أوروبية الأسبوع الماضي لتنشيط “مركز عمليات الخرطوم” وأعتقد عندما يتعلق الأمر بالحل فإن الأوروبيين يذهبون إلى قوات الدعم السريع لحراسة الصحراء حتى الحدود الليبية والمصرية وكبح تدفق المهاجرين الأفارقة عبر هذه المنافذ … هل لدى الأوروبيين مصلحة في دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني؟.. يتساءل إبراهيم.

ويضيف عادل إبراهيم: “الخطط التي يضعها حميدتي تتجاوز عملية الإدماج في الجيش أي أنه لا يود أن يكتفي بالتحول إلى مجرد فصيل عسكري في القوات السودانية إن كان ثمة موافقة منه على ذلك كما ألمح كثيرا فهو يحتفظ بالشروط التي تناسبه كي يضمن وضعا مرموقا”.

ويكمل إبراهيم قائلا : “دقلو نهم تجاه السلطة وكي يحافظ على وضعه لا يمكنه الإستغناء عن البندقية وتحديدا عن قواته التي تدين له بالولاء بالتالي أي عملية عن دمج هذه القوات في الجيش يعني تعريض مصالحه الشخصية إلى الخطر”.

ويشير الباحث في الشؤون الأفريقية، إلى إن عائلة دقلو تدير استثمارات عملاقة في السودان تقدر بأكثر من عشرة مليار دولار وتحول الرجل إلى إمبراطورية اقتصادية وتمكن من إقناع أكثر من (150) من زعماء القبائل لإرسال الشبان في القرى النائية والفقيرة جدا إلى صفوف الدعم السريع.

وأردف: “أعتقد أن من يزيد عدد قواته في العرف العسكري يعني أنه يود أن يقاتل طرفا عسكريا للحفاظ على مصالحه”.

عاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..