حمى اللهُ السودانَ

الاستبدادُ أشكالٌ وألوان. و قد تناول المفكر عبدالرحمن الكواكبي موضوعة الاستبداد وقلّبها وحلّلها ولخصها بمعنى محدد. وهو أن الاستبداد يعني الاستحواذ.. و يُقال: استبدّ بالشيء. أي استحوذ عليه وحده وحصره بنفسه.. واستبدّ بالسلطة أي حظى بها وحده وحرم غيره منها ومنعه من أية مشاركة..

الكواكبي وبشكل مبكر، يفضح المحتوى اللاأخلاقي للاستبداد، ويكشف عن طبائعه وتنكُّـراته. ولا يحصره بالاستعمار والانتداب وحسب، وإنما يربطه بفكرة امتلاك السلطة وحصرها بالمتسلط المستبدّ الذي يسعى دائماً لتركيز النفوذ والسلطة في قبضته متجاهلاً الحقائق على الأرض.. وهكذا نراه يفرض سياساته وتصوراته وعقيدته وأفكاره ومزاجياته على شتى التلاوين والتشكلات والتنوّعات الاجتماعية، بقهرية بغيضة تدفع بالمقهورين الذين سَدَّ عليهم المستبدُّ كلَّ نافذة أملٍ في التعبير عن جوهرهم وخصوصيتهم فلم يعد لهم غير الرفض والثورة والتضحية بالوحدة الوطنية وبوحدة الوطن!. وبات الانفصال خيارهم رغم مرارته..

الجنوبيون في السودان يعبّرون عن مخاوفهم من نتائج الانفصال عن الدولة الأم، ويتحدثون عن شطرٍ مستقلٍ لا يملك بنية تحتية ولا موارد ولا خبرات ولا روافع تجعل منه دولةً!. ومع ذلك فهم يتجهون عموماً نحو الانفصال عن الشمال، متخطين كل ما يرونه ويقدّرونه من مصاعب ومن تحدياتٍ قادمةٍ يرون أهوالها ويشكّون بقدرتهم على حلّها.. ومع كل هذا يعلنون بوضوح ذهابهم في طريق الانفصال.

يقول مثقف جنوبي: أنا أعيش في الشمال. وأرى أن السودان سيصبح أقوى إذا ما ذهبت نحو خيار الوحدة. ومع ذلك سوف أصوّت للانفصال وأنا أشعر بحزن عميق، وأحمّل حزب المؤتمر وحكّام السودان مسؤولية دفعي نحو ذلك الخيار الذي أدرك مدى خطورته وفي الظروف العادية لا يمكن أن أقبل به. ولكنني بتُّ متأكداً أن الانفصال سيضع حدّاً لمعاناة الجنوبيين الذين تمّ قهرهم وتخطي معتقداتهم وقناعاتهم وخصوصياتهم وفرض مزاجيات الحكم عليهم، رغم أنهم ليسوا مرغمين على القبول بشريعة الآخرين. وليسوا ملزمين بالقبول بتطبيقها عليهم، لأنه لهم دياناتهم السماوية والأرضية. فبعضهم يعبد أرواح الآباء والأجداد، ولا يقبلون بها بديلاً. وبعضهم يخرّ راكعاً أمام فيضان النيل! ذلك النهر العظيم. وبعضهم يعبد الأرواح السائمة والغيبَ والظواهر الطبيعية ولا يقبل بأية عقيدة تفرض عليه. وهو مستعدٌّ لأن يضحّي بوحدة السودان على ألاّ تفرض أية جهة شريعتها عليه كائنةً ما كانت تلك الشريعة.. ومع كل هذا فإن المثقف السوداني يحمّل النظام السياسي مسؤولية دفعه لذلك الخيار الصعب، خيار الانفصال الناتج عن نزعة الاستبداد السياسي والاستحواذ والفرض والقهرية..

إن مثل هذه المعالجة المُرّة لمستقبل السودان تؤكد لنا أن الاستبداد بكافة أشكاله كفيلٌ بتقويض وحدة الوطن ووحدته الوطنية. وأن تغوُّل أية جهة مهما عظم شأنها، ومهما تسلّحت بمزاعم قومية أو عرقية أو عقديّة،فإنها لن تكون مقبولةً لكل من يتم تجاهل خصوصيتهم وهدر قناعاتهم وحقهم المتساوي في الشراكة الوطنية.. وآجلاً أو عاجلاً ستدفع بهم مع تعاظم الغبن إلى خيار تدمير الهيكل على رؤوسهم وعلى رؤوس خصومهم.الغريب والعجيب أن القيادة السودانية وهي ترى السودان اليوم يذهب نحو الانفصال، نراها وبعد أن أوشك الهيكل على الانهيار الكامل، تعلن أن شمال السودان سيتخذ من الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع وليس أحد مصادره في حال انفصال الجنوب! مع علمنا بأن كل جهة قادرة على تكييف الشّريعة وتوظيفها وتفسيرها حسب مصالحها وميولها.. وستصبح إمكانية جلد النساء متاحة وميسرة بمجرد ارتداء المرأة لبنطال الجينز.. لم يبق إلا الدعاء، ليحمي الله السودان والعراق واليمن وفلسطين والأردن والسعودية.. وكل أقطار أمتنا التي تهدّدها الأحادية والاستحواذ والتي لم تتنبّه بعد لخطورة المضيّ بتفرد وفرض وقهرية للآخرين ..

د. سليمان الأزرعي
الرأي الاردنية

تعليق واحد

  1. دائمآ مايعتقدالجنوبين بان الاخرين يننظرون لهم بنظرة استبدادوتعالى وهذا شى طبيعى لمن ينظرلنفسه نظره دونيه ان يتولدلهو هذآالاحساس فعندماتجبرك الظروف وتتعامل مع الجنوبى دومآ يعطيك احساس من خلال تعامله معك بانه شخص دون وليس له المقدرة على التعامل معك بنديه ممايولدله الاحساس بانك تستبده وذلك نتاج طبيعى لمحدوديت قدرته الفكريه . اما من يتحدث عن هضم حقوقه الدينيه فهو كاذب فيكفى ان لهم مفوضيه تراعى حقوقهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..