شعبنا غرامه الحرية

أسامة الكاشف
شعبنا يتنفس الحرية ذي الهواء ويعشق فضاءاتها الرحبة. نحن بطبعنا نحب تبادل الآراء، حتى لو ما اتفقنا وصعب علينا جداً اننا نحتفظ بوجهة نظرنا محبوسة داخل صدورنا.. نطلعها من غير استئذان وبعد ذلك نطلق زفرة حرى ونحمد ونشكر.. وطول عمرنا عندنا خندقين نتمترس فيهما.. مع وضد.. ثنائية وجهات النظر.. هلال /مريخ.. علمانية/ دينية .. عسكرية/ مدنية وغيرها.. وهذا شيء طبيعي طالما أنه يتم في إطار احترام الآخر والقبول برأيه ..وده طبعاً تأكد بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في 1989 أنه غير وارد ..صحيح ان بلدنا بحدوده الحديثة تكون وهو حامل في دواخلو جين التنوع الثقافي/ الاثني الفشلنا حتى الآن في ادارتو بالشكل المطلوب.. وصحيح ان معظم القبائل في الشرق والغرب والشمال والجنوب القديم لديها امتداداتها داخل دول الجوار مما صعب مهمة إدارة هذا التنوع .. وبطبيعة الارتباط القبلي يصعب الفكاك من الروابط الاجتماعية والمصالح المشتركة.. لذا نجد تداخل الأجندة الإقليمية وتعارض مصالحها مع مصالحنا الوطنية دائماً ما يكون أحد عوامل تأجيج الحروب الأهلية التي انهكت بلدنا.. ده طبعاً بجانب موقع بلدنا الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية التي جعلتها هدفاً لأطماع جهات عديدة.. كمان طريقة إدارة النظم الشمولية للدولة افرزت مظالم جهوية سعت هذه النظم لاحتوائها عبر شراء ذمم القيادات القبلية أو عبر قمعها بقوة السلاح وده بدوره عمق المظالم ومهد التربة للحروب الأهلية.. إدارة دولة ذي بلدنا عايزة قدر عالي من الحساسية السياسية والرغبة الحقيقية في إحداث التغيير الإيجابي.. وده ما توفر حتى الآن وعزاه الكثيرون لفشل النخب السياسية التي توالت على حكم البلاد. وفرت ثورة أكتوبر زخماً جماهيرياً غير مسبوق كان من الممكن أن يكون الأرضية التي تستند عليها النخب السياسية لوضع بلادنا في المكانة التي تستحقها، ولكن الذي حدث أن الصراعات السياسية بين الأحزاب وتكالبها على مصالحها الضيقة أفشل التجربة وتم طعن الديمقراطية بخنجر حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان مما مهد الطريق لانقلاب مايو 69.. أكتوبر انجزها مركز موحد للمعارضة بادر اتحاد طلاب وأساتذة جامعة الخرطوم لتكوينه فكانت جبهة الهيئات التي أقصيت من المشهد بعد فترة وجيزة والبحث في هذا الأمر يحتاج مساحة أوسع من المتاحة لهذا المقال .. ولكن نقفز مباشرة إلى السادس من أبريل 1985 عندما تشكل مركز المعارضة الموحد بمبادرة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وتشكل التجمع النقابي الذي قاد الشارع لتفجير الثورة التي قفز على صهوتها الحزب الأكثر جاهزية في تلك اللحظة التاريخية وهو الجبهة الإسلامية وقادها نحو الفشل الذي منيت به لاحقاً خلال سنوات أربع شهدن أيضاً مماحكات حزبية وصراعات غير منهجية بين المع والضد وتم عزل التجمع النقابي عن المشهد ممهداً الطريق لانقلاب البشير الترابي.
في 2018 بادر تجمع المهنيين بتكوين المركز الموحد للمعارضة الذي قاد الشارع لواحدة من أعظم الثورات .. ولكن.. بدعم إقليمي مباشر أو غير مباشر رفض العساكر النزول من على صهوة جواد الثورة بقوة البندقية وزعم الشراكة في إنجازها.. وده أمر عايشناه خلال السنوات الثلاث الماضية وكلنا عارفين التعقيدات التي صاحبت المشهد منذ قبلنا بالجلوس للتفاوض.. حاول العسكر الانقلاب على ثورة ديسمبر مباشرة أكثر من مرة.. فعند فض الاعتصام حاولوا اقصاء المدنيين من المشهد، ولكن أجبرتهم مسيرات الثلاثين من يونيو على إعادة حساباتهم وقبلوا صاغرين العودة لمربع التفاوض ومنذ ذلك الحين ظلوا يطلقون بالونات الاختبار حول انقلابات وهمية يستخدمونها لتصفية حساباتهم داخل المؤسسة العسكرية وفي نفس الوقت يقيسون بها مدى استعداد الشارع لتقبل الانقلاب.. وبدأوا التخطيط الفعلي للانقلاب منذ ترؤس حميدتي لمفاوضات سلام جوبا ومقابلة البرهان لنتانياهو في يوغندا وخاب فألهم في كل مرة لأن السودان بلد لا يعرف الأسرار فكانت التسريبات من داخلهم تكشف ما يحاولون اخفائه.. طبعاً لا تخفى على بديهة انسان السودان أن الأصابع الخفية التي تحرك هذا المشهد بهذا التخطيط الدقيق هي أصابع قادة جهاز الأمن الذي لا زال يحتفظ بكامل قدراته وولائه لقادته السابقين.
ما أن اقترب تاريخ استلام المدنيين لرئاسة المجلس السيادي وبالتالي احتمالات المحاسبة حتى التقت مصالح جهات عديدة اعتقد العسكر أنها تمثل شارع وحاضنة بديلة يمكنها موازنة زخم شارع الثورة حتى انقلبوا جهاراً نهاراً على الثورة بتاريخ 25 أكتوبر 2021. الفصائل الأربعة التي قامت بالانقلاب لديها مصالح مشتركة، ولكن بينها تناقضات لا يمكن اخفائها:
- الجيش في غالبه مؤدلج ولا يزال جزءاً كبيراً من قادته ينتمون لتنظيم المؤتمر الوطني ولديهم مصالح اقتصادية كبيرة يرغبون في الحفاظ عليها وبالتالي يرغبون في قطع الطريق على أي احتمال للمحاسبة هذا إضافة إلى تورط العديدين منهم في مجزرة فض الاعتصام. هؤلاء أيضاً يرون في الدعم السريع خطراً على مستقبل الجيش والبلاد ويعرفون أن صغار الضباط وضباط الصف يعارضون دمج صبيان الدعم الصغير برتبهم الحالية في الجيش ، كما أنهم يرون أن أجندة مني وجبريل تتعارض مع رؤيتهم لحكم البلاد.
- حميدتي يعرف أن الجيش لن يقبل بالدمج وهذا يتفق مع رغباته في أن يظل الدعم السريع موجود ككيان منفصل يدين له بالولاء وحده، كما يرغب في حماية ثروته التي نهبها من خيرات البلاد والفرار من المحاسبة على فض الاعتصام. وهكذا بالإضافة الي التناقضات التي بينه وبين الجيش لا زال حميدتي يتخوف من أن عودة المتأسلمين للحكم وخضوعه للمحاسبة من قبلهم على خيانته لهم.
- حركات مناوي وجبريل لديها أجندتها الخاصة فهي ترغب في السيطرة على دارفور واقصاء عبد الواحد من المشهد وربما يفسر هذا لماذا أصر مناوي على تولى منصب حاكم دارفور بدلاً عن منصب في السيادي كما أن قادة الحركتين لديهما مصالح اقتصادية وأموال يتوقعان أن تتدفق على دارفور يرغبان في الاستئثار بها، ولكنهما لا ينسيان ما فعل بهما حميدتي في خور دنقو وغيرها من المعارك كما يعلمان جيداً موقف الجيش منهما.
- الأخوان المتأسلمين وهؤلاء قادة العملية من وراء حجاب عبر فيالق الأمن الشعبي وجهاز الأمن وبالطبع مصالحهما الاقتصادية هي حجر الزاوية في تحركهم والآن اسند البرهان لكوادرهم مراجعة قرارات لجنة إزالة التمكين وسلمهم الأموال التي احتجزتها اللجنة، هؤلاء لن ينسوا لحميدتي خيانته وسيتحينون الفرص للقضاء عليه.
مجمل القول أن هذه التناقضات ستتفجر متى نضجت الظروف الموضوعية وسيتم حلها عبر البندقية فقط وبالتالي فإن وجود هذه المليشيا بسلاحها داخل الخرطوم يمثل خطراً كبيراً على استقرار البلاد خصوصاً وأننا نفهم أنه لن تكون هناك ترتيبات أمنية ولا دمج للجيوش لتعارض ذلك مع مصالح قادة المليشيا والجيش على حد سواء.
لكن الأمر الأهم الذي غفل عنه هؤلاء هو أن ثورة ديسمبر استفادت كثيراً من تجربتي أكتوبر 64 وأبريل 85، كما أن الجيل الذي قاد ولا زال يقود ثورة ديسمبر يتميز بجسارة وبسالة لم تتوفر ربما إلا في كرري، شباب يقابلون الموت بصدور عارية ويحملون أكفانهم يتجولون بها بين التروس. هذا جيل لن يقبل بأن تجهض تضحياته ولن ينسى شهدائه الذي مهروا بدمائهم ثورة الوطن. هذا جيل يعتمد على سواعده في بناء متاريسه ولا يعول كثيراً على الخارج. هذا هو الجيل الذي سيخرج بلادنا إلى مسارب الضي ويعيد بناء الوطن الذي نتمناه . لن تستطيع آلة القمع أن توقف تقدمه مهما أوتيت من قوة لأنه جيل يؤمن بأن لديه وطن تحت التشييد يرغب في إكمال بناءه.
حتى وإن فشلت القوى السياسية في تأسيس المركز الموحد سيواصل هذا الجيل نضاله عبر لجان مقاومته ومدارسه وجامعاته وسيحقق ما فشلنا في تحقيقه في 64 و 85.
شكرا اسامة الكاشف على التحليل الواضح ان كان من اضافة فهى ان الاسلاموينو المؤدلجين كيزانيا فعلا هم القابضين على زمام الامر فى قيادة الجيش ورتبه..
ولكن اضف الى هذا ايضا ولدرجة كبيرة هم المسيطرين على الدعم السريع بغواصاتهم المزروعة فى اعماق مملكة آل دقلوالداقسين عن الخطر المحدق والمحيط بهم عسكريا إحاطة السوار بالمعصم
الردة مستحيلة
لا تفاوض لا شراكة لا شرعية
لا تفاوض مع انقلابى الكيزان واعداء التحول الديقراطى
لا شراكة مع قتلة الشهداء والمتآمرين على الثورة
لا شرعية للعملاء المذدوجين (للنظام المصرى واسرائيل ودويلة الامارات العبرية)
مقال في قمة الروعة والصدق والمسئولية الوطنية والتحليل الشامل المرتب الذي لم يترك شيئا ويعبِّر عما في دواخل العالبية العظمي