مقالات سياسية

الكتابة في زمن الكآبة ..!

عاتبني بعض الأصدقاء بسبب إنقطاعي أو قل تباعد فترات كتاباتي سواءبالصحف الورقية المحلية أو صحائف الفضاء الإسفيرية رغم قربي من صورة الوضع العام و وجودي داخل إطارها متابعا لكل تفاصيل قسماتها وألوانها ..وقدعدت الى البلاد بعدغربة طويلة ..ولهم من منطلق العشم والمودة كل الحق فيما ذهبوا اليه والذي لا أملك حياله إلا أن أقول..لهم مني العتبى حتى يرضوا ..
ويحضرني هنا قول الزعيم التاريخي الراحل السياسي و المهندس والمحامي والشاعر السيد محمد أحمدمحجوب ..طيَب الله ثراه ..بأن هذا السودان..مثل لوحة بانورامية ..تراها جميلة حينما تكون بعيداً عنها .. ويتضح لك جمالها أكثر وأنت تقترب منها ..وتلك مشاعر واقعية وصادقة تنطلق من بصر وبصيرة تعبر عن سودان زمانها الذي لم يكن طارداً لمتأملي صورته الجميلة بالقدر الذي يجعل الشوق يحدوهم للعودة متى ما غادروه مضطرين وأقدامهم تخطو على جمر الفراق .. لا مطرودين بأكف التغول الذي قسم الناس وجعل قلوبهم شتى في وطنٍ هوالآخر لم يعد واحداً كما كان في تلك الأيام الخوالي !
ولكن بالمقابل وأنا أيضاً بن زماني وغرسة مكاني ..فقدقال لي أحد المعاتبين ..كنا حينما نقرأ لأمثالك وهويكتبون عبر الصحف الإسفيرية الحرة الأجنحة وأنتم خارج الحدود..نعتقد أن الثورة لإقتلاع نظام الإنقاذ قدتجاوزت مرحلة الطرق على أبواب الغد المشرق لدخول اشعة الحرية منسابة لتبتلع ظلمة زمان حكمها الذي جاوز بها الظالمون المدى بل نراها قد إنفتحت فعلا على كل مصاريع التفاؤل !
ولكن والقول مازال لصديقي ..عندما نخرج الى الشارع العريض المنبسط على قارعة الواقع المرير داخلياً نراه مستيكينا يسير في هيامه بلا هدى وكأنه ليس معنيا بشمس الضوائق التي تفجر نيرانها خلايا مخ هذا الوطن وتكادتصيبه بشلل الحياة في كل أطرافه وقد بلغ به المتسلطون عليه زبى الهوان وتجاوزوها الى مشارف هلاكه المحتوم إذا ما استمرت غفلة الناس وعدم مبالاتهم في غمرة إنشغالهم بالخاص عن الخطر المحدق بالبلاد كشأن عام ..وكلُ مواطن رغم كربه و ضيقه يريدأن يلقي بمسئؤلية الإصلاح أو الثورة على كاهل الآخرين وكأن الأمر هوفرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين !
ولعلي هنا أعودلمثل الأستاذ المحجوب عاليه ..والذي ينطبق على نظرتي للوطن من على البعد ورؤيتي له وأنا في قلب الحدث .. ولكن بصورة مغايرة كإختلاف زمان المحجوب عن حاضرنا الماثل بكل بشاعة وجهه ..!
نعم لاخلاف ..ان الوطن هوالوطن بكل مكوناته وعناصر وجوده ..وهوقدرك الذي لامهرب عنه متغلغلاً في ثنايا الروح وإن غبت عنه جسداًوعشقك الأبدي في كل الأزمنة ..بيد أنه حينما يصبح إحباط البعدعنه ..شعوراً أكثر بالإحباط وأنت تعوداليه ..فهنا تختل المقاربة وتصبح وقد عدت بعدأربعةعقودمن الهجرة ..مثل الذي أفاق من غيبوبة طويلة ..لن يتسنى له بكل تأكيد أن يتبين الأشياء بصورة واضحة وهويفتح بصرعينيه من خلف غشاوة تلك الإغماءة ولن يدرك واقع الحال ببصيرته دون أن يستعيد وعيه كاملا ليغدو مكتمل الأهلية للإنسجام مع واقعه الجديد والقديم والذي بات على غيرحاله الأولى وقدعاداليه ..كما قال الشاعر حسن عوض ابوالعلا..عليه الرحمة ..
(كهلاً شفه الوجُدالمذاب )
وهو الذي غادره شاباً غضاً بض الإهاب .. !
فالإنسجام بعدكل تلك الغربة يصبح في حد ذاته معضلة يتطلب الإنعتاق من خنقتها نوعاً من إعادةتأهيل النفس ..حتى تنطلق الخطوة واسعة في التوفيق ما بين الخاص والعام وأنت تجدنفسك مشدودا كالوتر..في قوس متباعد الراسين ..أحدهما إعدادالسكنى للأسرة والدراسة للأبناء وتدبر مصادر عيشهم في وطنهم مثلما يحيا الأخرون دون تمييز أوتحفيز.. والاخر أن تواصل حياتك الإجتماعية بين أفراحها وأتراحها ومجاملاتها المتعددة..منطلقاً من ذات المربع الذي تركت فيه الناس هنا ..وكأنك لم تغادرهم قيد أُنملة !
لذا فلا أقول إن الكتابة من الداخل تصبح ترفاً مؤجلاً في مثل هذا التشتت الذي يتطلب لملمته استقرارا نفسيا و هدوءا عصبيا وراحة ذهنية ..ولكنها تظل قدرا لابدمن مزاولته مهما كانت الضغوط الذاتية ..لان هموم العامة تظل ابداً عند الصحفي فوق كل شان خاص ..بل ويحفزني في هذا الإتجاه ..ما أراه من دأب صادق وجهد يعلوفوق كل معاناتهم لدى الإخوة والأخوات والبنات والأبناء كتاب الداخل الذي يعتصرون شرايينهم حبرا لصرع هذا الواقع المتسلط على رقاب البشر دون مسوغات شرعية حقيقية أوتفويض شفاف وصادق من لدُن شعبنا ..ويتعرضون في كثيرمن الحالات لمحاربة في عيشهم لانهم إقتربوا بل ولامسوا حس الحقيقة باسنة أقلامهم الحرة و الجريئة و التي تؤلم من صنعوا هذه المأساة وهي ظلت و لازاالت تهدد وطناً كان رائداً يقود الأمم نحوالرشاد ..فأصبح بحكم اصرارهم على هيمنتهم المهينةُ له ..يبحث عن من يرشده الى مخارج الخلاص ..وهل يكون ذلك إلا بسواعد بناته وأبنائه المخلصون !

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..