كل هذه الجلبة من أجل درس؟

أنا، كغيري من أبناء جيلي، التحقت بالمرحلة الأولية في مطلع ستينات القرن الماضي، في مدرسة دميرة الأولية بريفي بارا. وعندما كنا في الصف الثالث جاءنا الشيخ عوض الفادني منقولاً من رفاعة إلى دميرة؛ إذ كان التعليم وقتها بخير والمعلم ملتزماً بالعمل حيثما وجه! المهم في الأمر أن شيخ الفادني، رحمه الله، علمنا، ونحن في تلك السن المبكرة من العمر، كل ثوابت العقيدة، إن جاز التعبير، فتعلمنا منه أسماء الله الحسنى، وصفاته وما يجوز وما لا يجوز في حق الله سبحانه وتعالى. وشرح لنا أن الله هو خالق الكون وربه ومدبر شأنه، وهو القاهر فوق عباده، دون الخوض في مصطلحات كلامية من شاكلة توحيد الربوبية والألوهية، والأشعرية والماتريدية، وغير ذلك من المسميات التي تشغل أوساط مفكري الإسلام وعلمائه في أنحاء العالم كافة. وظللنا بحمد الله نعلم ألا أحد، من الأحياء والأموات، يضر ولا ينفع، إلا بإذن الله. كما أننا خلال دراستنا في التعليم العام لم ننشغل بالتقسيمات المتداولة من سنة وشيعة وسلفية وصوفية إلا في وقت متأخر جداً؛ إذ أننا قد نشأنا على مبدأ أن: ?الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ” ولذلك كنا عندما تحل مصيبة بأي من بلدان المسلمين نشعر بالحزن وقد نبكي مثلما فعلنا عندما أحرق اليهود، عليهم لعنة الله، المسجد الأقصى في عام 1967! وعندما اندلعت ثورة الملالي في طهران عام 1978 ظننا أن الإسلام قد بعث من جديد، ولكن للأسف الشديد ثبت لنا العكس تماماً بمرور الزمن. وقولوا لي بربكم من منكم لم يزرف الدمع وهو يشاهد البطولات وأحداث الجهاد في أفغانستان بعد الغزو الشيوعي لتلك الدولة المسلمة، ولكن مرة أخرى تبددت أحلامنا بعد أن خرجت من رحم حركات الجهاد فرق صارت تسئ إلى الإسلام وأهله، أكثر من تحبيبه إلى نفوس الناس، بما ترتكب من فظائع وتنشر من جهل وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يقبلها شرع ولا حتى عرف إنساني متحضر. ومرد ذلك كله، حسبما يرى بعض المهتمين بشأن التعليم، هو الخطأ التربوي الذي يشوب كثيراً من مناهجنا الدراسية. في ذلك الزمان كانت المناهج عملاً فنياً بحتاً يتولاه رجال علماء مخلصون مشهود لهم بالكفاءة والمعرفة وحسن النية من أمثال عبد الرحمن علي طه ومندور المهدي، وغيرهم كثر من كبار المعلمين واختصاصي المناهج، رحمهم الله جميعاً. علاوة على ذلك، لم تكن المناهج تخضع للتسيس أو المحاصصة مثلما يحدث الآن، للأسف الشديد، بل كانت من صميم عمل وزارة المعارف وبخت الرضا ولذلك عرفت مناهجنا بثبات المرتكزات الفكرية والوطنية مع قدرتها على استيعاب كل مستجد من علم وأدب وهذا ما جعلها إحدى ممسكات الوحدة المجتمعية والفكرية لأبناء وبنات السودان لردح طويل من الزمن. من جانب آخر، كانت المناهج السودانية تزود الطالب بحصيلة ثقافية متميزة جداً مما يجعله ملماً بفكر المجتمع العالمي والعربي ومطلعاً على آدابه وتاريخه وجغرافيته. ومن المعلوم عند علماء التربية أن المنهج الدراسي يعتبر من المواضيع التربوية المهمة؛ لأنه أساس التربية، كما أنه يحل جانباً متميزاً في الدراسات التربوية القديمة والحديثة، وسبب ذلك أنَّه يُستخدم كأداة مجتمعية ودولية لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع، ومن أجل البناء ولتحقيق الخطط التنموية الشاملة على المدى الطويل والقصير، وهو وسيلة لتشكيل وتقويم سلوكيات أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل. ولكن في هذا الزمن المملوخ دخلت سوسة الخلاف حتى في مراكز إعداد مناهجنا الدراسية التي باتت عرضة لأهواء الجماعات والفرق المتناحرة حول كعكة السطلة، وكل منها يريد أن يجد له موطأ قدم ليدس فكره في المناهج لعل ذلك يحقق له مزيداً من المؤيدين والأتباع في المستقبل حتى يتمكن من اشباع وتحقيق رغباته وطموحاته السياسية دون مراعاة لأسس التربية والتعليم والثوابت السائدة فيما يتعلق بالمناهج الوطنية التي ينبغي أن ترتكز أساساً على ما هو متفق عليه في المجالات الفكرية والثوابت الوطنية حتى لا نعرض النشء لخلافات ليس من ورائها طائل، بل هي مصدر للتناحر والخلاف والتفرّق. إن المخرج الوحيد من هذه الجلبة التي حدثت خلال الأسابيع الماضية هو اتخاذ قرار شجاع يعيد لبخت الرضا ووزارة التعليم العام كامل السيطرة على عملية إعداد المناهج الدراسية من حيث الأهداف والمحتوى والإخراج وطباعة الكتب حتى نتفادى كثيراً من المظاهر السالبة والفساد والخلاف الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام والصحافة وتناولته حتى خطب الجمعة في المساجد وكاد يعصف بوحدة الصف الوطني ويدخل البلاد في دوامة من العنف الفكري التي قد تتحول إلى مهدد أمني واضعين في الاعتبار ما يشهده العالم من تطرف وعنف يعود في المقام الأول إلى اختلاف وجهات النظر حول مسميات لا تقدم ولا تؤخر وليس لها تأثير فعلي على عقيدة المسلم أينما كان إلا إذا لم يجد من يقدم له فهم تلك العقيدة بطريقة خالية من التعقيدات.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا أستاذ قش قل بربك كيف تعود بخت الرضا وأي مؤسسة تربوية أو اجتماعية أو اقتصادية وغيرها من مؤسسات الدولة والمجتمع السوداني الذي كان قبل غزو التتار الأنجاس ياجوج وماجوج للبلاد والتمكن منها باسم الدين؟ ألم تسمع بتكالبهم علناً هذه الأيام على المحاصصة في هيئات الادارة والتدريس في الجامعات؟ يريدون الجامعات و يعتبرونها ضمن كيكة السلطة مثل الوزارات والوحدات التنفيذية والسياسية التي يتصارعون على اقتسامها بين أحزاب السلطة وملء وظائفها ليس بالكفاءة والمؤهل العلمي بل بالانتماء والولاء الحزبي وهذه ثقافة زرعها الأنجاس من يوم استيلائهم على الحكم منذ 28 سنة فطردوا كل الكفاءات العلمية والتربوية وحول كل شيء إلى كيكة يزدردونها وحدهم والجماعات المتحالفة معهم لا يميزون في ذلك بين مؤسسة علمية أو تربية أو فنية والآن يريد من اضطروا إلى اشراكه معهم في الحكم أن يأخذ نصيبه فتصير تشكيلةالجامعة مثل المجلس الوطني 50$ للحزب الحاكم والباقي للأحزاب المتوالية الأخرى. فكيف سبيل العودة بالمؤسسات العلمية والتربوية الى سابق عهدها من خلال تركيبة هذا النظام وثقافة التمكين والشرفنة التس حولت البلاد ومواردها البشرية والطبيعية وقيمها السلوكية السابقة والقائمة على ما تفضلت بشرحه في مقالك فمن تناشد في هذا النظام الأسوأ في تاريخ البلاد ليقوم بالاصلاح ؟ من؟
    اعتقد أن الاجابة بأنه لا يمكن ذلك إلا باسقاط هذا النظام وكنسه تماماً من حكم البلاد وذاكرة العباد لى يوم الدين

  2. يا أستاذ قش قل بربك كيف تعود بخت الرضا وأي مؤسسة تربوية أو اجتماعية أو اقتصادية وغيرها من مؤسسات الدولة والمجتمع السوداني الذي كان قبل غزو التتار الأنجاس ياجوج وماجوج للبلاد والتمكن منها باسم الدين؟ ألم تسمع بتكالبهم علناً هذه الأيام على المحاصصة في هيئات الادارة والتدريس في الجامعات؟ يريدون الجامعات و يعتبرونها ضمن كيكة السلطة مثل الوزارات والوحدات التنفيذية والسياسية التي يتصارعون على اقتسامها بين أحزاب السلطة وملء وظائفها ليس بالكفاءة والمؤهل العلمي بل بالانتماء والولاء الحزبي وهذه ثقافة زرعها الأنجاس من يوم استيلائهم على الحكم منذ 28 سنة فطردوا كل الكفاءات العلمية والتربوية وحول كل شيء إلى كيكة يزدردونها وحدهم والجماعات المتحالفة معهم لا يميزون في ذلك بين مؤسسة علمية أو تربية أو فنية والآن يريد من اضطروا إلى اشراكه معهم في الحكم أن يأخذ نصيبه فتصير تشكيلةالجامعة مثل المجلس الوطني 50$ للحزب الحاكم والباقي للأحزاب المتوالية الأخرى. فكيف سبيل العودة بالمؤسسات العلمية والتربوية الى سابق عهدها من خلال تركيبة هذا النظام وثقافة التمكين والشرفنة التس حولت البلاد ومواردها البشرية والطبيعية وقيمها السلوكية السابقة والقائمة على ما تفضلت بشرحه في مقالك فمن تناشد في هذا النظام الأسوأ في تاريخ البلاد ليقوم بالاصلاح ؟ من؟
    اعتقد أن الاجابة بأنه لا يمكن ذلك إلا باسقاط هذا النظام وكنسه تماماً من حكم البلاد وذاكرة العباد لى يوم الدين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..