معلم عروس الرمال الأول: شجرة فلاتة.. الكل يتفيأ ظلالها الوارفة

الأبيض ? عثمان الأسباط
(شجرة فلاتة) معلم من معالم مدينة الأبيض تهفو وتتوق لزيارتها نفوس كل من زوار المدينة، كثيرون هم الذين شدّوا الرحال إلى عروس الرمال فاستظلوا في (الشجرة) الأشهر بين رصيفاتها اللاتي يرسمن السّهل الكردفاني المرتفع هنا والمنخفض هناك.
اكتسبت شجرة فلاتة شهرتها منذ منتصف أربعينيات من القرن الماضي حيث تم توزيعها كـ(أنادي) لصناعة الخمور البلدية من (عرقي ومريسة وبقنية وأم بلبل والشربوت) وغيرهم، وقد اشتهرت هذه الشجرة موقعاً يرتاده الكثير من الناس بمختلف سحناتهم ورغباتهم، فهناك أشخاص لا تربطهم أي رابطة بالشراب أو السكر تجدهم هناك منهم من يمارس التجارة وآخرون لتزجية الوقت والاستمتاع بالنكات والسخريات التي يطلقها العديد من الذين يرتادونها.
سوق رائجة
شكلت (شجرة فلاتة) جزءاً من وجدان وتاريخ الأبيض المدينة العريقة، ويرجع تاريخ سوق الشجرة إلى أوائل الأربعينيات، حيث كانت تمثل ملتقىً لتجارة خيرات كردفان من التبلدي والنبق والقضيم واللالوب والكركدي والعرديب والدوم والويكة، والتوابل من شطة وغيرها، إضافة للمحاصيل من الفول والدخن والسمسم والذرة والخيرات الأخرى، إضافة للألبان ومشتقاتها من جبنة كازقيل الشهيرة، والسمن والعسل القادم من جبال النوبة والجنوب، فيأتي أهل الريف والقرى بداوبهم لبيع إنتاجهم وشراء حاجياتهم، فتتسع السوق بدخول الأواني والأقمشة، وحتى الصيدليات وكناتين مستلزمات الأسرة، وبمرور الزمن أخذ السوق شهرة ليس على مستوى السودان فحسب بل كل العالم، وأصبح أهم المعالم السياحية بالأبيض للتسوق، امتاز سوق الشجرة في الماضي بأسعاره الزهيدة وجودة بضاعته وحسن معاملة التجار والعاملين فيه وتوجد بالسوق كل الاحتياجات والمتعارف عليه (قدر ظروفك)، فبأي مبلغ تجد احتياجاتك وبأسعار تعتبر أقل أسعاراً في مدينة الأبيض وهو ما جعل الكثيرين يلجأون إلى هذا السوق لشراء احتياجاتهم. وشكل مفخرة للمدينة التي تتسوق منه وتهدي لزائريها خيراته، لذا من زار الأبيض ولم يتسوق من سوق الشجرة فقد أهم ذكريات مدينة الينابيع الصافية.
مشاهير مروا من هنا
احتضنت شجرة فلاتة بين ظهرانيها العديد من المشاهير الذين يرتادونها ويستظلون بظلها الوريف، ويمتحون من نكاتها ولطف وظرف روادها الذين يجتمعون تحتها لممارسة مهن مختلفة، كالجزارين وأشهرهم ود كسلا وشبشة ونصر الدين، وهؤلاء مشهورون بسلاطة اللسان والفكاهة والسخرية اللاذعة وسرعة البديهة، بجانب بدرالدين وعلي عبدالعال والفاضل تانقيس الذين يعدون من أفضل لاعبي كرة القدم في ذلك الوقت، ولهم مصالح تجارية (تحت الشجرة) لكن أكثرهم شهرة (علي مجذوب) وهو جزار معروف ولاعب كرة مخضرم، وهناك العديد من الخضرجية والإسكافية وبائعات الفول المدمس والتسالي والقورو وبائعات الكوارع، وعندما لا تجد بضائع التجار قوة شرائية وتبور، فإنهم كانوا يرسلونها مع بعض الصبية إلى (الأنادي) حينها، يعرضونها لروادها.
السخرية والهمبتة
وعن الفكاهة والنكات التي كانت السمة المميزة لشجرة فلاتة يحكي أن صديقين من حي الرديف ? جنوب غرب الشجرة – بنحو خمسة كيلومترات ? قال لصديقه: أرح نشرب مريسة من شجرة فلاتة نسوانها بخافن الله ومريستهن تخينة، وأيضا من المفارقات أن يأتي لتلك الشجرة مشاهير الهمباتة، يبيع الواحد منهم بعيراً مسروقاً أو غيره، فيشتري (فنجرة) منه كل الكمية المعروضة من الشراب ومعها خروف ويعزم على الموجودين، وعندما تكون هناك مداهمات للشرطة يتم القبض عليه، لأنه هو الذي قام بعمل تلك العزومة.
شخصيات من طراز رفيع
اجتمع الكثيرون في ذلك الوقت حيث كانت الشجرة الشهيرة مقراً لتجمع الناس من كل حد وصوب ومن الشخصيات التي لا يمكن نسيانها (بعشوم) بتاع الرغيف، حيث ينادونه “يا بعشوم”، فيرد “نعم”، وفي يديه عيشة واحدة، حيث يمكنها أن تكفي أكثر من نفرين في ذلك الوقت، وهناك سراج أشهر من مشى بـ (الكرتلة) في هذه الشجرة والتي كانت جوائزها قزاز العصير وعلبة الحلاوة والدجاج وبعد اكتمالها يتم فتحها ومنح الجوائز للفائز المحظوظ وكانت النفوس متطايبة والروح رياضية عالية حيث يتبادل الحضور القفشات والضحكات رغم وجود بعض الخلافات إلا أنها لم تصل إلى مرحلة العراك إلا ما ندر، وبعد قرار الرئيس الراحل جعفر نميري بمنع تداول الخمر وصناعتها تم تحويل الشجرة إلى سوق يؤمه الناس من الأحياء المجاورة والقرى، فسكان الأرباع وود الياس وحي الناظر وفلسطين كلهم يتسوقون من هذا السوق، إضافة إلى قرية أبوخري اشتهرت الكثير من النسوة ببيع اللحوم الشية وأم فتفت والكوارع، واحتكر بعض الناس الشجرة في بيع القش للبهائم والبناء والشراقين والقنا والمطارق والشعاب ومواد البناء المحلية.
اليوم التالي
“وبمرور الزمن أخذ السوق شهرة ليس على مستوى السودان فحسب بل كل العالم” صدقناك يا الجاك.
اقتباس: وبمرور الزمن أخذ السوق شهرة ليس على مستوى السودان فحسب بل كل العالم،
وعشان كده مره في برلين ومرة في واشنطن الخواجات سألوني عن السوق ده وعن وذكرياتهم فيه (محن سودانية)