مقالات سياسية

الدولة المدنية .. أم الدولة العلمانية؟

محمد عبد الله برقاوي..

ربما كان يدور بخلدي أن أطرح هذا التساؤل عن الفرق بين الدولة المدنية والدولة العلمانية وفي اكثر من سانحة ..بيد أن أحد المعلقين الظرفاء وهو الأخ ناجي قد استحلفني أن اتناول الموضوع في هذا الظرف تحديدا من منطلق اقتراحه الطريف بتقسيم السودان الشمالي بعد انفصال الجنوب الى كيانين أحدهما علماني ..والآخر انقاذي ديني..وكان يعقب علي مقالي بالأمس الذي ابديت فيه المخاوف من أن يكون الجرح النازف في جنوب كردفان و المحتحقن في النيل الأزرق مشروعا لجنوب جديد في الشمال ..أو شمال مشتعل بالنسبة للجنوب..
وهي في الحقيقة فرصة لطرح الموضوع في صيغة تساؤل علي بساط البحث لايجاد اجابة شافية حول الفرق بين الدولة المدنية من زاوية المفهوم السياسي والاجتماعي ككيان شامل أو وعاء جامع يغطي في معالجته كافة التباين العرقي والاثني من حيث التركيبة الديمغرافية ولا يقصي احدا لاعتبارات عقدية بعيدا عن سيطرة دين بعينه أيا كانت عدديةأو غالبية منتميه ..فيما يكون الاطار السياسي والدستوري موسعا بالقدر الذي يكفل للجميع تنافسا شريفا وتداولا راقيا ونظيفا للسلطة عبر الاستحقاق الانتخابي بعيدا عن هيمنة فعالية واحدة تبسط يدها في خلط واضح بين حدودها كحزب وحدود الدولة تحججا بقدسية بعينها أو استغلالا لامكانات دافع الضرائب لتقويم ذلك الكيان وتوفير أدوات الدفع التي تمكنه من استباق الآخرين في مضمار التنافس بما يحسم النتيجة لصالحة كواقع طبيعي ..وهو ما أدى الي اندلاع الثورات العربية التي ازاحت تلك الكيانات الحكومية الاقصائية وقد مضت وهي تجرجر اذرعها وأقدامها السياسية الحزبية التي لطالما عاثت فسادا في الدولة والاقتصاد والمجتمع ركوبا علي ديمقراطية مزعومة ومنقوصة .. !

وذلك مشهد تتبرأ منه سلطة الآنقاذ وتنفي أن ما أذهب تلك الأنظمة مشابه لما تنتهجه من سياسات وممارسات وهيمنة وتسلط .. وهو أمر خلاف مايراه العقلاء وتقره حقائق الواقع المعاش بما يشي بفشل التجربة الثيوقراطية في الحكم شكلا ومضمونا من حيث اكمال مشروع الديمقراطية الحقة أو الحصول علي نتائج ملموسة ونظيفة في قواعد الاقتصاد الذي تطبقه و المنسوب زورا للاسلام ..ولعل ما لمسته سلطة الانقاذ من اخفاق وقصور وتخبط في تحقيق ورساء هذا الجانب تحديدا علي اسس واضحة من الناحية الفقهية هو ما حدا بالجهات التشريعية الي اعادة الكرة الي ملعب السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة المالية لمعالجة أمرها بعيدا عن ادخالها في مأزق التشريعات والفتاوي..

ولعل نموذج الدولة المدنية وفق تلك الصيغة لايفسد لود الجميع قضية اذا ماتساوا عند خط السباق من جديد فيما تبقي من سودان ما بعد انفصال الجنوب وفق برامج وطنية وسياسية بل حتى أن مخاوف الأخوة الاسلاميين ان هم اخلصوا النية وارتضوا بهذا الخيار الواسع والرحب لا يكون لها مبرر طالما أن التشريعات الاسلامية سيكون لها مكانتها الطبيعية في احتكام المسلمين لها فيما يتصل بالأحوال الشخصية لهم وعلي كافة جوانبها من حيث الزواج والطلاق والميراث وحتي الالتزام بالازياء التي تحفظ للمرأة حشمتها وسلامتها في الطريق العام ولكن دون اكراه أو اضطهاد أو انتقاص لوضعيتها في البيت في العمل أو في حقوقها الذاتية التي كفلها لها الاسلام وتعدي عليها مجتمع العادات أو تزمت بعض العلماء السلفيين أو الحكام الذين تغولوا علي كيانها بقوانين تنّفر الناس وتسيء للعقيدة وذلك علي سبيل المثال لا الحصر..

وهذا بالطبع لايستثني الديانات الآخري من التمتع بذات الحق احتراما لعقيدتهم وممارسة طقوسهم وعلاقاتهم البينية كمجتمع مواز بل ومنسجم دون عزل أو تحجيم أو تقليل من شأنهم بالوصاية كأهل ذمة في بلدهم و مساواتهم في المواطنة علي كافة مستويات الحقوق والواجبات وفي اطار احترام خصوصيتهم علي ابعد الحدود ..ماداموا لا يتعدون علي خصوصيات الاخرين أو يحتقرون موروثهم العقائدي وفضائله قناعة في النفس و ممارسة علي الطبيعة..

ولعل ذلك الشكل من الدولة المدنية هو مختلف تمام عن الدولة العلمانية المحضة التي قد تنكر الدين في مطلقه كمنظم لحياة الناس الاجتماعية وتجعل منهم أحرارا دون قيود أو كوابح في الحياة مع عدم مراعاة لأي قيم أو اخلاق أوضوابط في السلوك العام بدعوي التمتع بالحرية الشخصية و بذات القدر في انكارالدين كمكون لاية فعالية سياسية ولو علي مستوى المسميات وذلك توجه قد يصل الي ان يفسر علي انه درجة متقدمة من الالحاد العقائدى والحجر السياسي في ذات الوقت قد يقوي من حجج الكثيرين في رفض الدولة العلمانية ولو في شكلها المدني المتوازن استنادا الي تلك الذرائع..!

التي ربما تجاوزها الزمن بعد سقوط قبلتها في المعسكر الشرقي وهو ما كان دافعا للكثيرين من اليساريين انفسهم لاسيما في العالمين العربي والاسلامي لاعادة حساباتهم وفق الواقع الجديد الذي تبؤأت فيه الأحزاب الدينية مكانة متقدمة علي المستويين التنظيمي والشعبي وبالمقابل دفع ايضا ذات الجماعات الاسلامية المعتدلة الي القبول بمبدا الدولة المدنية والاحتكام الي معطياتها الديمقراطية في الوصول الي سدة الحكم وتداولها.. ولو كان ذلك التوجه سيثبت صدقية كل تلك النقائض ..يسارا ويمينا في الركون الي تلك القناعات كمبدأ استراتيجي وليس منعطفا تكتيكيا لمجاراة الرغبة الثورية في الشارع العربي والاسلامي وحسب ..فانه لعمري سيكون تحولا في تاريخنا السياسي يرسخ من النهج الديمقراطي في اتجاهه الصحيح ومساره القويم..

قد يكون السهم اعلاه صائبا لكبد الحقيقة من منظور خاص أو طائشا بعيدا عنها..ولكنه طرق لباب واسع وسميك ربما تملك بعض اكف العارفين فيه طرقا اقوي لفتحه من منطلق التخصص أو التجربة تشكل اضافات لا شك أن أول المستفدين منها كاتب هذه السطور الذي يتوق الي المعرفة و الاستزادة..وللأخوة المعلقين والمعقبين ايضا باعهم الطويل في اضافات لابد انها تثري الأذهان بفتح جديد ..فتكون هذه الأسطر دعوة للجميع للأسهام في الطرح اعلاه ..
أعانكم الله واعاننا علي معضلات وطننا التي تنتظر اخلاص نيات الجميع من هم مع ..ومن هم ضد .. لنكون جميع مع الوطن..انه ربنا المستعان وهو من وراء القصد..

[email protected]

تعليق واحد

  1. استاذنا برقاوى

    متعك الله بالصحه والعافيه وحفظك وحفظ السودان من كل شر

    السودان بلدى وهى بالنسبة لى كما بيتى وكالغرفه والسرير الزى انام عليه

    وهو البيت الزى يعيش فيه اولادى من بعدى

    لهذا فانا وانت وكلنا مطالبين بالدفاع عنه والمحافظه عليه ونحن نرى من حولنا من فرطو فى اوطانهم كيف حالهم الان

    الدين اخى فى علمى هو مكون اساسى فى الحياة وهو الذى يحفظ للانسان

    توازنه ويدعم لديه الطاقات الايجابيه للمساهمه الصادقه فى مجتمعه

    لكن بدون فلسفه فالننظر للتجارب فقط الحديثه والتى ماذال نراها على

    ارض الواقع فى طالبان افغانستان والصومال الذى يموت اهله الان من الجوع وانقاذ السودان

    ماذا ترى اخبرنى

    بنى الاسلام على خمس شهادة الا الاه الا الله واقام الصلاه وايتاء الزكاه

    وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا

    اخبرنى هل ذاد على ذلك اى شىء فلم نتركه للمتنطعين يحولونه الى فرعنه

    كعبد الحى يسوسون به الناس كما تريد انفسهم المريضه

    ويتحكمون به فى مصير وطنا ينخرونه ويقطعونه كما يريدون

    انا لا اتحدث عن شوعيه تقصى الدين والتى ثبت عمليا خطؤها

    لكن انظر الى الغرب فهو مثل ما تطور تقنيا كذلك اصاب نفس الحظ اجتماعيا وسياسيا

    اليوم فى امريكا دعوى تقام ضد جورج بوش وكينى ووزير دفاعهم

    ليس لما اغترفوهو فى حق الامريكين

    ولكن ضد استخدامهم لوسائل التعزيب ضد المحتجزين فى غوانتنامو

    اليس لنا ان نحلم لانفسنا بنظام حكم ينصفنا ويساوى بيننا

    ولو حتى قليلا

    لك شكرى وتقديرى

  2. تحياتنا يا استاذنا برقاوى

    مقاربة جيدة ولكن من يهدى ويهدى النفوس الخربة لتلتقى وهل يصلح العطار ما افسده الدهر!!!

    وللاسف اصبحت بعض العقول خربة ايضا ومتعنتة لرايها- وغير الانتهازيين والارزقية الذين يتخذون كل طرف كساتر لماربهم الطفيلية-

    اننا نحتاج لبناء عقول وانسان سودانى من تانى ونعود تانى من تانى- ونلقاك يا سودانا يا وحيد عمرو الما ليهو وجيع-

    يا خوى يا برقاوى لا دينية لا مدنية لا علمانية —- عايزنها بس دولة انسانية: دولة الانسان السودانى المعروف الهوية بانه "زول" عند الخليجيين كمثال بانه السودانى ذلك الانسان المثقف ذو الاخلاق العالية الرفيعة والانسان المخلص المؤتمن

    فكيف لنا ان نحقق هذا الدولة؟

  3. الدوله المدنيه فى مقابل الدوله الدينيه
    و الدوله العلمانيه كما يدعى النظام المصرى تطبيقها
    لم تفصل الدين عن الدوله
    اظن تعريفك للدوله العمانيه يحتاج الى ان ترد الكلمه الى جذرها
    بدون تخويفنا من العلمانيه ..فصل الدين عن السياسه ممكن ولكن فصل الدين
    عن الحياة ما ممكن ولا يوجد له مبرر ومستحيل تطبيقه
    الاسلام السياسى هو الذى ورطنا هذه الورطه ونحن نطبق فى الشعار منذ 83
    المحصله ذاد عدد المؤلفة قلوبهم

  4. طرح هادي وراقي ينم عن وعي كبير بمشكلاتنا الآنية !!!لكن اختلف معك في الجزئيةالخاصة بالاسلامويين(ان اخلصوا النية)كما ذكرت وارتضوا بهذا الخيار الواسع_ وهو موضوع الدولة المدنية_ يا اخي ان كان للاسلامويين اخلاص في النية لما وصل بنا الحال الي ما نحن فيه هؤلاء يريدون _ حاشاك_ بهائم ليقودونها باسم الدين والعروبة
    اضم صوتي الي الاخ/ ناجي صاحب التعليق الظريف كما اسميته واعتقد ان هذا هو الحل لكل مشاكلنا!!! ناس الانقاذ ومن شايعهم عليهم بتحديد المساحة التي يريدونها لاقامة دولة الانقاذ الدينية مثلا قول نديهم من الخرطوم شمالا حتي عطبرة يتلموا كلهم ويخلوا لينا باقي البلد نحن الذين لا نريد حكما يستغل الدين في ازلالنا والله ما حنشيل سلاح وما حنقاتلهم بس يريحونا شوية بس ممكن يخلوا لينا بورتسودان تكون ميناء مشترك وبعد داك لكم دينكم ولي دين!!! نرتاح من الفاظهم البذيئة وخلقهم الكريهة دي وكل منا سياتي الله يوم القيامة فردا؟!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..