مقالات وآراء

مئة يوم من ( الكراهية)

خالد ماسا

إندلعت المواجهات العسكرية في الخرطوم في منتصف شهر أبريل بأسلحة وذخائر لم تعرف صوتها شوارع العاصمة من قبل ولم يسكُت فيها الرصاص وقدمت فيها حرب الخرطوم والجنينة ونيالا وزالنجي وعدد من المُدن كواحدة من أشرس الحروب التي شهدتها القارة بشكل عام والإقليم على وجه الخصوص ..
إندلعت الحرب كحصاد طبيعي لزرع نبتت بذوره على منصات الإعلام والتي وجدت أن الأرض صالحة لإنبات ” خطاب الكراهية” في موسم ” القبلية” و ” الجهوية” تارة وفي موسم الإختلاف السياسي تارات أُخر ..
أي قراءة موضوعية لواقع ماقبل المواجهات المسلحة سيقودنا للإجابة على سؤال لماذا صارت الحرب الى ماصارت اليه الآن الأكثر كُلفة والأكثر إنتهاكاً لحقوق المدنيين .
” خطاب الكراهية” الطائش هو الذي يزيد في أرقام القتلى من المواطنين قبل الرصاص وهو الطريق الأقرب لمخازن الذخيرة والسلاح من أي طريق آخر ينزع فتيل الحرب ويشعل أوارها ..
لم يٍتم تحصين الخطاب العام في السودان سياسي كان أو إجتماعي أو ديني بلقاح الوعي والتنوير ليعالج آثار وأمراض المشهد العام في السودان والتي ياتي ” خطاب الكراهية” في مقدمتها لتأتي الحرب وتسرِج الكراهية أصيل خيلها وتطلقهم بلا لجام متى ما صاحت للموت صائحه كانت هي من تقول نعم ..
خطورة الحرب المشتعله الآن تُخبرنا عنها أرقام القتلى والضحايا الماضية في إرتفاع وتزايد كل يوم ويعطينا الخراب المصاحب لها صورة عن نوعية السلاح المستخدم فيها .
سلاح ” خطاب الكراهية” الذي يرسم خارطة الحرب في السودان  الآن على أُسُس قبلية وإثنية ويضرب في مفاصل الدولة السودانية بحيث يجعل أسلحة  حربها غير مؤهلة على الاطلاق للسكوت في القريب المنظور ..
كانت مدينة جدة السعودية هي أولى المحاولات الجادة لإدخال الأوكسجين في رئة السودان التي يخنقها دخان المعركة فخاطبت الحرب بلغة ” الهُدنة” لأكثر من مرة حتى يسكُت الرصاص وتهدأ المدافع وتُفتح المسارات الإنسانية وفي حقيقة الأمر لم يعرف لسان ” خطاب الكراهية”  هذا السكوت على المنصات الاعلامية وفي الفضاء المُتفاعِل بادواته المبذولة دون أي وعي أو تفكير ..
غاب خطاب الوعي والتنوير عن الشعب السوداني في أكثر الأوقات حاجة اليه ليترك الفراغ الذي إحتشد سريعاً بخطاب الكراهية بكل إشكاله وتحوراته وليخاطِب كل ماهو قابل للإشتعال في المجتمع السوداني باستسهال لايضع أي إعتبار للتأثيرات السالبة لهذا الخطاب على واقع الحرب والمستقبل إن كان موجوداً بعدها .
الفاعلين والناشطين في الفضاء السوداني العام والداعمين لمسيرة الوعي والتنوير تقع على أكتافهم مسؤولية الاجتهاد لإعلان الوقف الدائم لإطلاق خطابات الكراهية وفتح مسارات آمنة لنقاشات أكثر موضوعية وعقلانية لمآلات هذه الحرب وسبُل إيقافها بعيداً عن أسباب إعادة إنتاجها وزيادة الإحتقان فيها .
لابد من انتاج منصات للوعي والتنوير تصلح كمصدات لرياح خطاب الكراهية ونقاط إرتكاز و ” تفتيش” للخطاب العام الموجه للشعب السوداني بحيث يكون خالياً من ” كروموسوم” الكراهية.
مامِن سبيل لإطفاء النار التي تأكُل في ثياب سلام المجتمع السوداني بغير الإجتهاد في حياكة ثوب جديد للخطاب العام خال من التمييز والكراهية وإثارة نار العنصرية والإستثمار في الطبيعة المتنوعه للشعب السوداني سياسياً وعرقياً ودينياً لنجعل من خطاب الوعي والتنوير البديل الموضوعي لخطاب الكراهية ولابد من الإصطفاف لقيام ” المرصد السوداني” لخطاب الكراهية وتجريمة ومناهضتة وإعتبارة جريمة ترقى لمكانة جرائم الحرب وإعتباره واحد من الإسلحة المحرّمة أخلاقياً التي لايجوز إستخدامها من الأفراد أو الجماعات .
إن كانت الحرب هي ” جرحنا” الغائر فان خطاب الكراهية هو ” الصديد” فيه .. ظننا بأننا عالجناه سابقاً بالإنفصال والحقيقة هي أننا بترنا طرف غال من أطراف وطننا الحبيب بحالة ” كسل وطني” لم يتم الإجتهاد فيها لإعادة تشغيل ” بنكرياس” الوعي الوطني وحقن وريد الوطن بانسولين الخطاب الحساس باتجاه كل ما يفرّق أهل السودان .
إن إستمرار الحرب في السودان يُشابه الى حد كبير الإنصراف عن ” قهوة” في موقد إذ لايمكننا تدارُك الفيضان الأسود الشيء الذي سيقودنا حتماً الى خراب ” المزاج” الوطني والى المزيد من التعقيد في المُشكل السوداني .
المُهمة الوطنية والأخلاقية تستلزم إبتكار أدوات تساعدنا على إسترداد الأراضي ومساحات الوعي التي تمدد فيها ” خطاب الكراهية” أثناء الحرب وأن نجعل من الموقف المناهض لهذا الخطاب موقف جماعي لانخسر فيه أي طرف لصالح الداعمين لخطاب الكراهية ..

تعليق واحد

  1. جزاك الله خير ما قصرت لكن كما يقال لقد أسمعت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي..ارجو ان تبدأ الراكوبة حملة مناهضة الكراهية خاصة بين المعلقين على المقالات فربما يكونوا اجانب مندسين لزرع الفتن.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..