مريم في الفاتيكان

من الفروق الجوهرية بين المفكرين و عامة الناس أن الأوائل يرون الحريق عند مستصغر الشرر , فيحمون مجتمعهم من خطر الحريق قبل حدوثه .. أما إذا لم يدرك الجميع الخطر إلا بعد تصاعد اللهب و بعد أن يسد الدخان الخانق الأفق , فلا فرق في هذا المجتمع بين (متفلهم) في عربة إطفاء حديثة , و رجل بسيط يسارع بصفيحة ماء لإطفاء الحريق .. في حالة مريم إسحق , أدرك الجميع الخطر بعد أن تمدد الحريق ؛ و كانت حالة كشفت سر البطء في سير الدولة السودانية حيث إستبان ألا فرق فيها بين ترابي و بلة و لا بين أمين عمر و هادي ضلالي و لا فرق بين عصام بشير و عصام باسطة .. كان خبراً صغيراً في الأطراف السفلى من الصفحات الداخلية , إلى أن أصبح خبراً عالمياً يضم إلى جانب مريم نائب وزير الخارجية الإيطالى و رئيس الوزراء و بابا الفاتيكان , و ما زال الخبر ناقصاً , فمريم لم تبلغ محطتها النهائية بعد .. مأزق سياسي خرجت منه الحكومة السودانية بعد مشقة كانت في غنى عنها .. لكن ما يجب الإنتباه إليه هو أن المأزق عرض لأزمة فكرية حيث فشل مفكرونا في تفعيل الإسلام ضمن منظومة إنسانية كاملة تتوافق على الحرية كمبدا أصيل يضمن للبشرية الإستقرار النفسى و الوجداني قبل السياسي , فظل مفكرونا يصورون الإسلام مثل الطفل المدلل الذي يريد أن يلعب بألعاب غيره و يرفض أن يشاركه الآخرون ألعابه .. يحتفل المسلمون بروجيه غارودى و مالكوم إكس و كات إستيفنس و عمر بونغو , و قد قدموا إلى ساحة الإسلام بلا مضايقات أو ملاحقات من إخوانهم السابقين في الدين الذي تركوه ؛ فإذا غادرت مريم و أمثالها إلى حيث كان إكس و ستيفنز و غارودي و الملكة نور لاحقهم المسلمون بالسجن و المشنقة و المقصلة .. معالجة الحالة تحتاج إلى شجاعة فكرية غير منتظرة من المداهنين لأصحاب المنابر المتشنجة , منابر الهوس التي تخرج العوام في مظاهرات لا يعرفون دوافعها , فيشوهون صورة الدين بتصرفات حمقاء , و يفسدون علاقاتنا الخارجية .. و لا يملك أهل الشأن من مفكرين و سياسيين غير الهمس , يشكون من خطر منابر الهوس .. فإذا بلغ السيل الزبى خرج علينا بعد فوات الأوان من يحدث عن خطأ الحكم , و خطر وجود المادة سبعمائة و خرتمية و تسعين في القانون الجنائي ,, عله يسعف الحكومة في وقت الشدة ..
لا مخرج غير أن يلحق المسلمون أنفسهم بالمنظومة الإنسانية المتوافقة على الحرية , فالغرب لم يفرض رؤيته في موضوع مريم بقوة مادية يملكها , بل بقوة منطق الحرية التي جادل بها مناصرو مريم , بغض النظر عن قوتهم المادية , فهذه لم تكن العامل الحاسم في المعركة .

آخر لحظة
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كل عام وأنت بخير يا عادل إبراهيم
    أعجبني مقالك الرصين فلك التحية وأنت تضع أصبعك علي موضع الداء وتصف الدواء حقاً نحتاج لوقت طويل لنمحوا التخلف الذي أصابنا نتيجة جهلنا بالدين وسيرنا وراء أصحاب الهوس الديني الذين يكفرون كل من نادي بإعمال العقل وعدم الإستماع للفتاوي التي كل همها إصابة عقل المسلم بالتخلف ولك تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..