أحاديث التقسيم “بتجيب” التقسيم

كثرة الحديث عن سيناريو تقسيم السودان إلى خمس أو أربع دويلات وتكرار هذا الحديث وكأنه أمر واقع ومتوقع يسهم ذلك بالإيحاء والتحريض لسيف التقسيم كي يمضي بسهولة في عنق وجسد هذا الوطن.
أحياناً يتحول التحذير من الشيء إلى ترويج له وتحفيز عليه، أكثر من كونه عملاً وقائياً لتجنبه، ولذلك حين بدأت الثورة السورية كان للإعلام دور كبير في تسخينها وتحويلها من ثورة مؤجلة إلى ثورة معجل بها بصورة متوقعة.. فغيض ماء هذه الدولة العربية بسرعة ذوبان رهيبة للاستقرار فيها وقُضي أمرها على فوضى لا مثيل لها، وكنت شاهداً على بدايات هذه الحالة الثورية في سوريا في ذلك الوقت، وشاهداً على دور الإعلام في تسخين الأوضاع وتأليب الأطراف لمائدة الموت والحريق.
سؤال زينة اليازجي للرئيس البشير في حوار سكاي نيوز حول عدم قدرة النظام على المحافظة على وحدة السودان جاء في سياق مقارنة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي نجحت قياداتها التاريخية في صنع أنموذج وحدة بين عدد من الإمارات الخليجية في دولة واحدة .
هذه المقارنة بصيغتها التي طرحتها زينة وهي تتحدث عن نزعات انفصال جديدة في بعض أقاليم السودان هي من نوع المقارنات التي تروج لهذا السيناريو الذي يتحدث عنه البعض .
لأن انفصال الجنوب والذي لم نكن يوماً من المباركين أو الداعين إليه لكنه لا يجب أن يعني لنا إقراراً وتسليماً ببداية تقسيم السودان إلى ثلاث أو أربع أو خمس دويلات بحسب ظنون بعض المراقبين وتحليلات جماعة من المحللين ورغبات الراغبين في ذلك .
أخطر وأسوأ ما في هذا النوع من التحليلات والتوقعات أن أصحاب تلك التحليلات يعتبرون أن تحقق نتائجها سيشكل إضافة تراكمية لاحترافية أسمائهم كمحللين استراتيجيين أو خبراء أو مراقبين محترفين، ولذلك يطرح بعضهم تحليلاته ويجلس في مقاعد المشاهدة المتحفزة منتظرا وآملاً في تحقق وصدق تلك النتائج والتوقعات، بل ينشط في خلق علاقات وربط بين الأحداث ويستعين بكل مؤشر حقيقي أو غير حقيقي لكنه يدعم له رؤيته تلك .
لا نتمنى ولا نعتقد ولا نرى أن هناك إمكانية أو فرصة لتحقيق هذا السيناريو وتحقق تلك التوقعات بتقسيم السودان إلى عدة دويلات، لأنه ومهما اشتدت الأزمات والظروف والمطالبات بحقوق المناطق والأطراف المختلفة فإن وحدة المعتقد والثقافة وتداخل مجتمعات القبائل السودانية وتشابك علاقاتها ومصالحها مع بعضها البعض يجعل حالتها تختلف عن حالة جنوب السودان الذي خضع لمؤامرة عزل مخطط ومدبر عن بقية أجزاء السودان اجتماعياً ودينياً وسياسياً منذ سنوات طويلة ومع كل الأسف نجح هذا المخطط واستجاب جسد الجنوب لمخطط الانفصال فكان ما كان .
لا تكثروا الإيحاء بأوهام انفصال دارفور فهذا حديث غير واقعي وكذلك جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان.. لا توجد ظروف العزلة الاجتماعية والدينية والسياسية التي كانت متوفرة في حالة الجنوب كما أن المسؤولية هنا مسؤولية الدولة التي يجب أن تتمسك بعصمتها على هذا الوطن.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..