أخبار السودان

عشرة محطات في الذكرى الأولى لثورة ديسمبر

يوسف السندي

كل سوداني في هذا اليوم يشعر بالفخر و المجد و هو يستقبل الذكرى الأولى لثورة ديسمبر ، الثورة التي شارك فيها جميع السودانيون باختلاف اعراقهم و اديانهم و أعمارهم، و شكلوا عبرها لوحة تاريخية سيظل يذكرها التاريخ السوداني إلى الأبد ، و على أعتاب هذه الذكرى من المهم أن نقف في بعض المحطات البارزة عبر مسار الثورة الزماني

المحطة الاولى البارزة كانت هي حريق مبنى حزب المؤتمر الوطني بعطبرة في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ ، انتشار صورة حريق هذا المبنى الفخم عبر الوسائط الإلكترونية أسقط أخر كبرياء و هيبة لهذا الحزب ، بينما كان انتصار جماهير عطبرة و سيطرتها على المدينة أخر مسمار دق في نعش حكومة المخلوع .

المحطة البارزة الثانية كانت هي ظهور تجمع المهنيين و تبنيه رسميا قيادة هذه الثورة عبر صفحته الرسمية في الفيس بوك ، و قد توافرت في هذه القيادة صفة الحياد السياسي و هي العلامة التي كان يتوق اليها الشعب السوداني في قيادته الثورية في ظل تشاكس الساسة ، و هكذا في وقت وجيز سيطر التجمع على قمة الثورة ، و لما بدأت الحرب المضادة عليه بانه تجمع لكائنات فضائية او لمهاجرين خارج السودان ، خرج الدكتور الأصم في مخاطبة مباشرة عبر الصفحة و من داخل السودان ليصيب الحرب الإعلامية الكيزانية بقيادة الطاهر حسن التوم و غيره من ابواق النظام في مقتل ، و كان لظهور الأصم و هو شاب سوداني في مقتبل العمر فعل السحر في الشباب السوداني حيث كانت الطرقات تمتليء بالشباب الثائر استجابة لأي موكب يعلنه تجمع المهنيين . بالطبع لم يصبر نظام المخلوع و قام باعتقال الأصم و لكن بعد فوات الأوان ، بعد أن أصبحت الثورة في قلب كل شاب .

المحطة البارزة الثالثة كان هو الخروج الواسع للثوار في كل أنحاء السودان ، إذ كانت المواكب التي يعلنها تجمع المهنيين في تمام الواحدة ظهرا تجد استجابة في الشمال و الشرق و الغرب و الوسط و الجنوب، و كان هذا مرهقا جدا للاجهزة الامنية و مكلفا جدا لأعصاب و صبر أنصار النظام ، إذ لم تعد الخرطوم وحدها هي من تخرج و لا مدني و لا بورتسودان و لا الأبيض و لا عطبرة بل كل مدن السودان الكبيرة و الصغيرة كانت تخرج في هبات مفاجئة للكل حتى للجماهير ، لم يتوقف الأمر عند المدن بل حتى القرى خرجت بانتظام العقدة المغاربة و بيكة و خدر و مئات القرى الأخرى في مختلف السودان.

المحطة الرابعة هي طلاب الجامعات ، النظام البائد لجا الى اغلاق الجامعات الحكومية مباشرة بعد انطلاق الثورة ، و لكن الجامعات الخاصة لقنته درسا بليغا في الوطنية و التضحية للدرجة التي قدمت فيها شهيدها الطالب مجحوب التاج ، أما جامعة الأحفاد للبنات فقد كانت لوحدها صداع مستمر للنظام و امنجيته.

المحطة الخامسة هي دور الأطباء في الثورة إذ قامت لجنة اطباء السودان المركزية بدورها كاملا في موازنة كل الإعلام الكيزاني ، و كانت الوكالات العالمية تعتبرها المصدر الأكثر موثوقية لأخبار القتلى و الجرحى في الثورة ، هذا غير تغطية الأطباء للمواكب و توجههم لتغطية كل المستشفيات التي تمر بها المواكب من أجل إنقاذ حياة المتظاهرين في ظل استمرار النظام في مواجهة المواكب بالرصاص الحي ، و قدم الأطباء في ذلك الشهيد دكتور بابكر الذي اغتيل أثناء اداءه لواجب إسعاف الجرحى في جريمة إنسانية هزت ضمير الامة السودانية .

المحطة السادسة هي شعارات الثورة نفسها و التي حمل بعضها معاني و قيم عظيمة مثل شعار ( حرية سلام و عدالة ) و شعار ( يا عنصري و مغرور كل البلد دارفور ) بينما كانت هناك شعارات مؤلمة نفسيا للكيزان و مدمرة لهم اجتماعيا مثل شعار ( سلمية سلمية ضد الحرامية ) و شعار ( أي كوز ندوسو دوس ) ، و مازالت هذه الشعارات تواصل سطوتها في الشارع السوداني حتى الآن .

المحطة السابعة هي موكب ٦ أبريل و التحول الرهيب الذي أحدثه هذا الموكب باقتحامه للقيادة العامة للجيش بعد شهور من المواكب المتواصلة و التي لم تفلح في إسقاط النظام ، و هنا يجدر ذكر الضباط و الجنود الذين دافعوا عن اعتصام ٦ أبريل الضابط حامد و الضابط محمد صديق و من معهما و مواقفهما البطولية التي كانت من أبرز أسباب انتصار الثورة .

المحطة الثامنة هي اعتصام القيادة العامة و اللوحات و العالم المثالي الذي اوجده الثوار داخله ، إذ شكل هذا الاعتصام و الذي استمر لقرابة الشهرين وجدانا سودانيا جديدا مسح خلال فترة وجوده من ذهن السودانيين كل الصور السالبة للشخصية السودانية و للثقافة السودانية التي تولدت أثناء حكم نظام الانقاذ ، ثم جاءت مذبحة الاعتصام لتكون أحدي المحطات المؤلمة و الصادمة في تاريخ الثورة ، إذ حدثت أمام قيادة الجيش و بمشاركة من كان يفترض انهم شركاء في الثورة و انتصارها ، و مازالت تداعيات هذه المذبحة موجودة لن ينهيها الا القصاص العادل من كل الذين أمروا و نفذوا هذه الجريمة .

المحطة التاسعة هي مليونية ٣٠ يونيو ، و التي جاءت بعد هزيمة نفسية و صدمة مدنية مؤلمة للجماهير و الثوار المدنيين في أعقاب فض الاعتصام و قطع الإنترنت و سيطرة المجلس العسكري على السلطة و محاولاته إيجاد حاضنة سياسية منفصلة عن قوى الحرية و التغيير، و لكن هذه المليونية أعادت ضبط الوضع مجددا بإعادة المجلس العسكري إلى صوابه و جلوسه للتفاوض و التسليم بأن قدر هذه الثورة هو الانتصار و اقامة المدنية لا شيء سواها .

المحطة العاشرة هي الوثيقة الدستورية و تشكيل حكومة حمدوك و بداية ظهور بعض التصدعات في جسد الثوار الموحد طيلة فترة الثورة ، و ذلك نتيجة اختلاف الرؤى حول المناصب و حول أولويات المرحلة و خاصة قضايا السلام و العدالة ، و هذا الوضع أحدث بعض الربكة و التراجع الثوري نفذ منه خلاله أصحاب مسيرة الزحف الاخضر و لكن ما ظهر لي من المشاهدات حتى لحظة كتابة هذا المقال من مواكب ثورية خرجت في مدن السودان المختلفة احتفالا بذكرى الثورة الأولى يثبت أن هذه الثورة محروسة و منتصرة و خلفها جماهير عظيمة و باسلة .

 

يوسف السندي

[email protected]

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..