لو كان زندي واريا أو كان لي ذهب المعز

علي الجارم كاتب من كتاب مصر المرموقين، زار السودان في أربعينات القرن الماضي فاحتفى به الخريجون في ناديهم. من قاموا بالدعوة للإحتفاء به سها عليهم ان يشملوا الشاعر المبدع احمد محمد صالح على ما كان بينه وبين علي الجارم من مودة، فعاتبهم الشاعربعصماء لها جرس وموسيقى، من رائع ما جاء فيها قوله:
لوكان زندي واريا لتهيبوا كفي وزندي
أو كان لي ذهب المعز لأحسنوا صلتي وودي
في ما بعد، رأينا في مصر كيف يجلب الزند الواري المهابة ، وكيف لذهب المعز ان يكون مجلبة للود والصلة الحسنة .
وتبدأ القصة مع إسرائيل و طابا.إسرائيل تحتل طابا ومصر تجأر أن طابا مصرية، وليس أمام مصر إلا قوة السلاح تستعيد بها طابا او تتخد طريقا آخر وصفته في ما بعد بأنه أسلوب حضاري ومتحضر لحلحلت المنازعات ، وأنه يليق بمصر … بلد حضارته موغلة في القدم وفي عمق التاريخ. مصر لم تحاول دخول طابا بقوة السلاح كما فعلت مع حلايب لأن دون ذلك زند إسرائيل الواري ، ومصر قد جربت زند إسرائيل في سنة 1967، ومرة آخرى في سنة 1973 ـ يومها ما بدأ كنصر لمصر حولته إسرائيل ذات الزند الواري إلى هزيمة رغم الحلاقيم الكبيرة ورغم التباهي بنصر أكتوبر و”جيل أكتوبر” ، والمثل من جرب المجرب حاقت به الندامة ، ولكنه ربما لم يكن المثل وإنما هو الحديث لا يلدغ المؤمن – ومصر مؤمنة- من جحر واحد مرتين ، لكن كيف إذا كان قد سبق لهذا المؤمن أن لدغ مرتين من نفس الجحر . فهل يريد ثالثة ؟
أما ذهب المعز فقد رأينا سطوته في قصة صنافير وأختها . ذهب المعز في أصله بضاعة مصرية ،هاجر اليوم إلى السعودية والإمارات ، وحتى يفرق بين ذهب المعز في بلد المنشأ وذهب المعز في بلد المهجر، أسموه الرز. الرز قيل عن سطوته أنها نقلت صنافير وأختها إلى سيادة السعودية ، وأيضا بفضل سطوة الرز إكتشف بعض الناس في مصر، أن صنافير وأختها كانتا أصلا لقريش في جاهليتهم ، والسعودية اليوم هي وارثة جاهلية الأمس . قريش الصحراء مع الرز كان لها موطء قدم في اللينة . سطوة الرز كان من بين المعلقين في حقها من قال إنها امتدت لتصل حتى حكم مصر نفسها.
أما السودان فيكتفي بتكرار أن حلايب سودانية إلا أن حقيقة واقعه ما سبق المتنبي إلى تصويره:
لاخيل عندك (تسرجها) ولامال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
فلا الزند الواري ولا الرز للسودان منهما ما تؤمل مصر منه ما يغير سلوكها او يدفع ثمنا لمودتها. فماذا بقي!
فليسعد النطق ؟ لقد قال وزير خارجية السودان إنهم لن يجعلوا من قصة حلايب مُخربا للعلاقات بين البلدين الشقيقين ، فهل أسعد المصريين هذا القول فتداعوا إلى ما يؤسس للمودة ويعمقها ويجعل من العبارات المرددة عن الإخاء والتاريخ المشترك … الخ حقيقة! أم أن مصر وجدت في هذا القول اللين رخصة لأن تستبد و تسدر في غيها وتطلق إعلامها الفاجر يردح كما تردح عوالم مصر في حواري القاهرة ، تمنع عن أهل الأرض التعدين في أرضهم ، تصادر معداتهم على بدائيتها ، تسلط جيشها لمطاردة السودانيين ليموتوا عطشا في الصحراء او تقتّل فيهم بدم بارد ، تريد إجلاءهم او تقليل أعداد من بقي منهم، لتستميلهم تصرف عليهم بأكثر مما تصرف على المصريين في بطن مصر ، تجلب المصريين من داخل مصر لو يقيموا في حلايب بأمل أن تغير في التركيبة السكانية لأهل البلد ، حتى إذا حسبت أن تكوين حلايب الديمغرافي قد مال لصالحها قالت هلم إلى استفتاء ، فلماذا التحكيم بين الأخوة! وكفانا بأهل البلد حكما بيننا . مصرلا تقبل التحكيم لضعف دعواها وبطلانها ولا يجدي معها النطق اللين ، وتمضي لما تخطط له في إصرار،
كيف المخرج.
من حكم الأقدمين عندنا: لو طاردت كلبا حتى حصرته في ركن وتعذر عليه النفاد فسينقلب عليك مهاجما. هذا هو التصرف حين تضيق الخيارات. ويومئذ ستفاجأ مصر بالخيل المسرجة ، فهل لارعوت ؟ الله غالب على أمره …والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وحكومة السودان .. هل نأتي السودان فننقصه من أطرافه؟ … الجنوب قد ضاع ، الغرب يغلي ، جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ـ الأمن فيهما يشبه لحس الكوع ، والأن الشمال والشرق ـ ويد الإخوة! من شمال الوادي في كل ذلك ” تصوت” ولا تقف عن الصواتة.
صالح فرح
[email][email protected][/email]