كفانا هتراً … روقوها

كفانا هتراً … روقوها

رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]

ما أسهل الكلمة, و ما أصعبها في نفس الوقت. الحديث سهل في عمومه, و لا يكلف صاحبه شئي. و لكن يكون صعباً و مكلفاً , حين يلقي القول علي عواهنه, و تملك الكلمة قائلها , بدلاً من أن يملكها.
ليس هناك حديث في هذه الأيام , غير حديث الوحدة و الإنفصال المرتقب, في بداية عام 2011م , إذ يكاد الناس أن يحبسوا أنفاسهم , و هم يرتقبون هذا الحدث الجلل. نعم أنه حدث جلل, لأنه يتعلق بمصير بلد, هو واحد منذ سنين طويلة, و لكن يبدو أنه في طريقه إلي الإنقسام إلي بلدين. هذا ما تشير إليه مجريات الأحداث.
إن الوحدة بين شطري القطر, هي ما يأمله أفراد شعبنا, اللهم إلا البعض, و هذا شئي عادي في أي تجربة يخوضها الناس. و الوحدة بلا شك هي شئي مأمول , لما في ذلك من خير علي الجميع. أما إذا حدث الإنفصال, فينبغي علينا أن نستقبل هذا الحدث كأمر واقعي Fait accompli, مثله, مثل أي حدث يقع في حياتنا. و علينا أن نقرأ أحداث التاريخ و نتأملها, لنأخذ منها الدروس و العبر. كم من الحروب قامت, و أعيد بسببها تشكيل خريطة العالم ؟ قارة أوربا , أعيد تشكيلها في الحرب العالمية الأولي ( 14 ? 1918م ) و في الحرب العالمية الثانية ( 39 ? 1945م ) و في أوائل التسعينات , بعد إنهيار المعسكر الشرقي, إذ تفكك الإتحاد السوفيتي و بعض دول أوربا الشرقية, و إنفردت كل قومية بكيانها. و لكن في حالتنا السودانية, هل نعود إلي الحرب , لفرض الوحدة بالقوة, أم لتقرير الإنفصال؟ الإنفصال, في حالة حدوثه, سيكون بناء علي نتيجة الإستفتاء المزمع قيامه. إذن لماذا نزايد علي أمر تم النص عليه في نيفاشا ؟ أما الحرب, فليس هناك إنسان عاقل, يرغب في العودة إلي الحرب, و خاصة بعدما شهدته البلد من إستنزاف في حرب الجنوب, إذ تضررت البلد في مواردها البشرية و المادية.
إن ما يحدث من ملاسنات و هتر , في هذه الأيام , و محاولة إعادة إنتاج الأزمة, من قبل بعض الناس غير الواعين, سيعمل علي إثارة الكراهية و خلق الحساسية بين أبناء البلد الواحد, و من ثم لا أري داعياً لما يقال و يروي من روايات يرويها البعض بقصد ( الونسة ) مدعين أنهم يعرفون , في حين أنهم لا يدرون خطورة ما يروونه. و بعضهم دافعه شن الحرب النفسية, لزعزعة إستقرار البلد, و هؤلاء تعرفهم في لحن القول, و هم تجار الحروب و أصحاب الفرص, عملاء الإستعمار. و هؤلاء لا يهدأ لهم بال إلا إذا إصطادوا في الماء العكر و أثروا من وراء الأزمة , أي غنائم الحرب. إن الحرب النفسية, سلاح فتاك, فهو يهز معنويات الشعب, و يصيبها في مقتل. و هذا ما عناه شاعر بني أمية, حين نبه أهله و محذراً لهم , من خطر الفتنة :
أري تحت الرماد وميض نار و أخشي أن يكون لها ضرام
فإن الحرب بالعودين تذكي و أن الحرب أولها كلام
الحرب النفسية , سلاح فتاك كما قلت, لأنه يصيب الروح المعنوية للشعب, و خاصة في هذا العصر, حيث تعددت وسائط الإتصال الجماهيري, و صار الخبر ينتقل بسرعة البرق, و ينتشر في الحال, إذ يتم تداول الخبر و تسويقه, مثلما يتم تسويق السلع, وفق تقنية ما يسمونه التسويق الفيروسي Viral marketing , الذي يتم عبر الشبكة العنكبوتية, أي أقطع , الصق و أنشر, أي ينتشر الخبر مثلما ينتشر الفيروس في جسم الإنسان. و لك أن تتصور ما تحدثه الكلمة التي تقال و تنشر عبر هذه الوسائط الإعلامية من أثر. يروي عن العقيد جون قرنق, قائد الحركة الشعبية, أنه قال أيام الحرب في الجنوب, في بداية التسعينات الماضية, أنه سيشرب القهوة في شندي . و إذا صح هذا القول , فإنه يدل علي ذكاء الرجل , أي أنه مارس إسلوب الحرب النفسية Psychological warfare , أي إدعي إنه سيرمي بعيداً و يضرب في عمق الشمال. لقد تداول الناس هذا الخبر, ضمن ما تداولوه من أخبار في تلك الأيام. و لاشك أن هذا الخبر أحدث أثره في نفوس البعض. و لكن في المقابل, تلقي البعض هذا الخبر بصدر رحب , إذ أفاد السيد / حسن نمر, عمدة الجعليين, أنه سيكون علي رأس مستقبلي جون قرنق في مطار الخرطوم , و سيصطحبه إلي بلده شندي ليشرب القهوة مع أهلها , في إشارة تدحض ما يدعيه البعض عن عنصرية أهل الشمال.( منصور خالد ? إتفاق السلام ? البدايات و المآلات- مقال رقم 3 في هذه السلسلة ? صحيفة الرأي العام يوليو 2004م ) .
إن واجب العقلاء و قادة الرأي , هو أن يبصروا الناس بمخاطر ما يقال و ينشر في وسائل الإعلام, و ذلك من أجل تفويت الفرصة علي هؤلاء الذين يعملون علي الصيد في الماء العكر, حتي تجتاز بلادنا هذه المرحلة المفصلية و الحرجة.
نسأل الله أن يقي بلدنا كل مكروه. إنه سميع مجيب الدعاء.

الرياض / السعودية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..