الخضرة!!

الخضرة!!

بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة

عدت قبل أيام من يوغندا (انتيبى وكمبالا) التى قضيت بها حوالى عشرة أيام فى مهمة علمية، وكانت هذه زيارتى الثالثة لها. كما زرت كينيا وتنزانيا عدة مرات خلال السنوات العشر الماضية. أما الدول الأفريقية الأخرى التى قمت بزيارتها فى مهمات علمية أيضا فهى السنغال وساحل العاج ونيجيريا وزمبابوى وجنوب أفريقيا وبتسوانا وموريشيوس وأثيوبيا. كل هذه الدول تتميز بالخضرة الدائمة وحب الناس للأشجار والأزهار والجو المعتدل طوال العام. يعتيرمناخ السودان بالنسبة لسكان هذه الدول مناخ شديد الحرارة لايتحملونه مع ملاحظة أنهم أفارقة وبعض هذه الدول يمر بها خط الاستواء!! الكثير من هذه الدول لايوجد بمنازلها أو فنادقها مراوح أو مكيفات هواء نظرا لعدم حاجتهم لها.

الخضرة بتلك الدول تنتشر داخل المدن والقرى بما فى ذلك الغابات الطبيعية فى شكل أشجار من جميع الأحجام والأنواع غاباتية كانت أم بستانية ويقع بينها النباتات الظلية البرية والمنزرعة. أما الزراعة المحصولية فهى داخل القرى والمدن وأحيانا المنازل بما فى ذلك الخضروات والذرة الشامية والبن والشاى والسايسل.

تتميز هذه الدول أيضا بالأمطار تقريبا طوال العام ، وهى أمطار تتوزع خلال ساعات اليوم حيث تهطل أكثر من مرة واحدة كل يوم ، أما فى يوغند فهى تقريبا فى ساعات تكاد تكون معروفة للجميع. أمطارهم فى أغلب الحالات تكون رشاش أكثر منها هطول، ونادرا ما يسمع لها رعد أو يكون لها بريق عدا فى يوغندا. نستطيع أن نصف مناخ تلك الدول بمناخنا أثناء فصل الخريف فى غرب السودان مع غياب الشمس الساطعة فى أغلب ساعات اليوم. الخريف فى السودان هو أجمل فصول العام وكنا نتمنى دائما أن يكون العام كله خريفا. فعندما كنا صغارا كنا نعتقد أن كل دول العالم مناخها مثل مناخنا ماعدا أوروبا والاسكيمو، ولم نكن نظن أن الدول المجاورة لنا يختلف مناخها عن مناخنا بهذه الدرجات الكبيرة وأن عامهم أغلبه خريف وبعضهم مثل أثيوبيا ومنطقة نيروبى وجتوب أفريقيا و بتسوانا بها فصل شتاء قارص، بل أن أمطارهم تهطل شتاءا.الأكثر غرابة أن أغلبية السكان خاصة أصحاب الوظائف الحكومية ورجال المال والأعمال، بل طلاب الجامعات أيضا، عادة يرتدون بدلة كاملة!

عند دخول الطائرة للمجال الجوى السودانى وعند النظر من نافذة الطائرة نجد أن بلادنا تنعدم فيها الخضرة عدا المشاريع الزراعية رغما عن وجود الأنهار والخيران فى كل مكان. لكن ما يهمنا حاليا هو المدن وما حولها والطرق الرابطة بين المدن. عندما أجد قرية بوسط السودان مخضرة وتنعم بوجد الأشجار من كل نوع بالمنازل والشوارع ومنطقة السوق أكاد أن أجزم بأن سكانها من ابناء الجاليات المهاجرة من غرب أفريقيا الذين نطلق عليهم جزافا اسم الفلاتة. أما قرى الذين نطلق عليهم أبناء العرب بكل مناطق السودان فهى خالية من الأشجار ومن كل مشتقات الخضرة عدا البوهيات أن وجدت بالنوافذ والأبواب. أما الديكور فهو للأسف أزهار بلاستيكيةّّّّّّ!!

كانت الخرطوم فى عهدها الذهبى قبل ظهور الامتدادات الجديدة بدأ بما يعرف حاليا بالعمارات بالخرطوم، كانت من أنظف مدن افريقيا وأكثرها تشجيرا، بل كانت المنازل الحكومية وبعض منازل كبارات الأعيان تتنافس فيما بينها كل عام فى مسابقات عيد الزهور فى فصل الربيع . أما المنازل الحكومية والمصالح الحكومية فقد كانت تمد بمياه النيل غير المكررة المحملة بالطمى خصيصا لرى الحدائق وبعضها موجود حتى الآن لكن مع توقف الامداد المائى. ينطبق نفس الشئ على جميع مدن السودان وللأسف كان هذا من تفكير وتنفيذ المستعمر البريطانى ولم يكن من بنات أفكارنا نحن كسودانيين.

عليه حتى نعيد للمدن خضرتها ونعدل من مناخها الحار المغبر ونتخلص من كثير من الأوبئة مثل السحائى وغيره من الأمراض ذات العلاقة بارتفاع درجات الحرارة ومن الهبايب الترابية والاستفادة من مياه الصرف المنزلية (البلاعات) التى تتسبب فى تلف كل شوارع وأزقة المدن والقرى نرى أن تصدر كل محلية أمرا لسكانها بزراعة خمس شجرات على الأقل أمام كل منزل تحت اشراف مندوب ادارتى البساتين والغابات وهم متوفرون فى كل مدن البلاد.

كما نقترح أن يقوم كل منزل بزراعة شجرة ليمون وشجرة جوافة ونخلة داخل كل منزل. على ادارتى الغابات والبساتين توفير الأعداد الكافية لكل محلية وبسعر التكلفة. أما المواطن فيجب عليه رعاية هذه الأشجار واستبدال تلك التى لم تنجح فى الاستمرارية أو تلك التى قضت عليها الأغنام (الماعز) التى أصبحت مدينة الخرطوم مرتعا لها. لم أرى مثل هذا الأمر فى من مدن أو قرى العالم. مثال: مدينة الخرطوم لايقل سكانها عن سبعة ملايين نسمة. اذا ما قدرنا أن لكل سبعة أشخاص منزل سيكون عدد منازل الخرطوم والخرطوم بحرى وأم درمان الكبرى لايقل عن مليون منزل. أى نتوقع وجود خمسة ملايين شجرة خارج المنازل اضافة الى اثنين مليون شجرة مثمرة داخل المنازل. فى حالة حدوث هذا الأمر ونجاحه ستصبح الخرطوم مدينة غير تلك التى نغرفها الآن جمالا ومناخا.

قرى ولاية الجزيرة على وجه الخصوص من أكثر المناطق جفافا علما بأن أبناء وبنات تلك المناطق من أكثر أبناء وبنات السودان التحاقا بالجامعات وبكليات الزراعة والغابات والعلوم. هنا نطالب كل منزل من منازل القرى بأن يقوم بزراعة عشرة أشجار على الأقل أمام المنزل مع تنويع الأشجار المثمرة داخل منازلهم الواسعة. أما عن طرق المرور السريع فلابد من تشجيرها على الجانبين خاصة المناطق المنخفضة منها (الميعات) التى تتجمع فيها مياه الأمطار أثناء الخريف مع اختيار أنواع تقوم الجفاف وخير مثال لها النيم والأكاسيا بأنواعها والنخيل والدوم والتبلدى والنبق والهجليج. قد يتطلب هذا توفير بعض الآبار على مسافات تساعد فى رى هذه الأشجار والغابات الصغيرة وتغطى تكلفتها من بيع منتجات هذه الغابات، أو عمل بوابات ببعض الترع الرئيسيةالتى تمد مشروع الجزيرة والمناقل و مزارع القصب الخاصة بشركات السكر القريبة من تلك الطرق لري تلك الغابات.

نرجو أن تجد مقترحاتنا هذه القبول والتنفيذ هدية من جيلنا هذا لوطننا ولمواطننا ولأجيالنا القادمة ان شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..