صُنَّاع الأوهام

السياسي الذي يُطلق الكلام على عواهنه، وينفعل بالأحداث صغيرها وكبيرها، ويعبِّر عن تلك الانفعالات بصورة متعجلة، يغيب فيها بُعد النظر، وحسابات العواقب المُترتِبة على انفعالاته العاطفية، هذا ليس بسياسي، وخير له أن يترك هذا المجال، ويتحول إلى ما سواه. السياسي الناجح لابد أن يزن كلماته بميزان الذهب والحكمة والعدل، لابد أن يعرف متى يُهدد خصومه، ومتى يُبشِّر أنصاره، ومتى يصمت ومتى يتكلم.. وفي ماذا.

في نهاية العام 97 كنت أستمع ــ خلسة ــ إلى تنوير قدمه سفير السودان بواشنطون ــ وقتها ــ مهدي إبراهيم لنواب البرلمان في جلسة مغلقة، كان الرجل يشكو مُرَّ الشكوى من فوضى التصريحات، وأحاديث بعض السياسيين الذين لا يعرفون في ماذا يتكلمون. والأعجب منهم؛ من يتكلمون في أمور حساسة للغاية، ولا يدركون مدى خطورتها، ولا تقع في دائرة اختصاصهم، ولا يعرفون عنها شيئاً. مهدي إبراهيم يومذاك؛ أوضح كيف نسفت مثل هذه التصريحات كل الجهود الديبلوماسية التي يقومون بها لإزالة التوترات والمخاوف والأوهام…

وزير الخارجية علي كرتي هو الآخر اشتكى كثيراً من هذه الفوضى، وأبان كيف أنها أضرت السودان. ويتردد بقوة أن وزير الخارجية الأسبق حسين أبو صالح قدم استقالته من الوزارة بسبب هذه (الشتارة)، ويُنسب له أنه كان يردد في مجالسه الخاصة عبارة مفادها: (ما نبنيه بشق الأنفس من تفاهمات وتطبيع مع دول متشككة خلال أشهر عديدة يأتي من ينسفه بكلمات في ثوان معدودة عبر الأثير).

أذكر يومذاك جيداً؛ حين كتبت: بعد التنوير الذي قدمه الرجل الديبلوماسي الحكيم مهدي إبراهيم، أعِدتُ قراءة خبر كان يرقد بـ(مزاج) على صدر صحيفة كانت بيدي ويحتل موقعاً مميزاً في الصحيفة عنوانه كالآتي: (قيادي برلماني: قريباً سنصدح بالآذان في واشنطون).. عندها عرفتُ لماذا عاد مهدي إبراهيم من بلاد الأمريكان غاضباً، وقطع الفيافي، ليلقي محاضرةً أمام نواب البرلمان، ويحدثهم عن خطورة ما يضعونه من عراقيل أمام عملية تطبيع العلاقات السودانية مع المجتمع الدولي، وخطورة ما يتلقونه بألسنتهم ويحسبونه هيناً، وهو عند رجال الديبلوماسية أمرٌ عظيمٌ. وعرفت لماذا كان سفير السودان ــ وقتها ــ قاسياً عليهم، ومستاءً من صنيع بعضهم، ولسان حاله يقول:

جراحاتُ السِّنان لها التئامُ * ولكنْ لا يلتئمْ ما جَرَحَ اللِّسانُ.

الذين تابعوا فترة التسعينيات؛ والتي شهدت فوضى التصريحات المُضرة، والانفعالات العاطفية، والحماس الزائف، أدركوا تماماً أن ألسنة الغوغائيين جلبت لبلادنا شراً مستطيراً، وكان ثمنها قاسياً، دفعه شعب السودان المغلوب على أمره، حينما توهَّمت أمريكا (الموتورة) أن تهديدات مزارعي البصل، والطماطم، ورعاة الضأن حقيقية. ولابد أن تتعامل معها بشيءٍ من الجدية و(الحزم)، ورأت أنْ لابد من قتل الشر في مهده قبل أن يستفحل… أرى ثمَّة وجه شبه بين تهديدات بعض معارضي الحكومة باسقاط النظام، وتصريحات الغوغائيين آنفة الذكر، بجامع (التوهم) أن هذه التهديدات حقيقية، وما يقابلها من ردة فعل حمقاء، يدفع ثمنها الشعب السوداني، عدم استقرار سياسي، واستنزاف للموارد، وتوظيفها في مواجهة الخطر الوهمي.. شفتوا كيف نحن تعبانين مع (الأوهام) وصُنَّاعها والمصنوعة إليهم.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…

تعليق واحد

  1. استاذي الكريم العلة ليست بالبرلمانين فقط العلة الكبيرة برئيس الدولة شخصيا وهو معلمهم الذي علمة السب والشتم والالفاظ البذيئة حتى القتل لاسباب واهية . وانت شخصيا لو طلبت منك بان تذكرلي تصريح واحد فقط للسيد الرئيس يليق بمقامة كرئيس دولة أكون شاكرا لك

  2. انت مازلت في ضلالك القديم بوضفك لمهدي ابراهيم بالحكيم والمعضارضة بصناع الآوهام يعني هل تريد منها ألا تصرح بشعاراسقاط النظام وتكتمه في قلبها عشان النظام ما يضيق على الشعب؟! يعني يسقطوها فقط من الداخل

  3. استاذي الكريم العلة ليست بالبرلمانين فقط العلة الكبيرة برئيس الدولة شخصيا وهو معلمهم الذي علمة السب والشتم والالفاظ البذيئة حتى القتل لاسباب واهية . وانت شخصيا لو طلبت منك بان تذكرلي تصريح واحد فقط للسيد الرئيس يليق بمقامة كرئيس دولة أكون شاكرا لك

  4. انت مازلت في ضلالك القديم بوضفك لمهدي ابراهيم بالحكيم والمعضارضة بصناع الآوهام يعني هل تريد منها ألا تصرح بشعاراسقاط النظام وتكتمه في قلبها عشان النظام ما يضيق على الشعب؟! يعني يسقطوها فقط من الداخل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..