جبهة تحرير ود المكي الشاعر ..

جبهة تحرير ود المكي الشاعر ..
بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
[email][email protected][/email]
سمرت ليلة رأس السنة مع كمال سويكت وخالد الفانوق وعثمان مصباح في برنامج عن حب الوطن على تلفزيون السودان عنوانه “سحر الانتماء”. واكتشفت خلال إعداد نفسي للبرنامج الشاعر ود المكي من جديد. بدأت بمقطع من قصيدته “واحة” هو:
يا عبير الأضرحة
كيف جاوزت المشاوير إليَّا؟
والمدى ما بيننا منطرح
والعهد طال.
وأعجبت بعطر هذه الضرائح حتى راوحت على معناها في بعض كتاباتي بقولي “عبير الأمكنة” عن سحر الأمكنة على من ألفوها. وعدت قبل البرنامج لقراءة قصيدة الشاعر “واحة” وهي عن واحة البشيري بجهة بارا وموطنه. واستذكر فيها من عمروها من أجداده من الركابية أهل الصَّلاح الذين هاجروا من منحنى النيل إليها. وسماها “واحة الأجداد”. وبدا انشغال مكي بهذه الهجرة كبيراً.
فقد زار الشمالية في وقت ما في الستينات وكتب سلسلة مقالات عنها في جريدة الرأي العام أعادت “الأحداث” نشرها ربما في عامنا المنصرم أو الذي سبقه.
لقد جاءت ذكرى هؤلاء الأجداد إلى ود المكي في ليلة قمراء بالواحة:
ظل هذا القمر العابث
طول الليل يستغوي الحقولا
ناثراً فضته الزرقاء
ممدوداً على أوراق زهرة
وبإبريق رخام
ظل حتى احتقن السمسم بالحب ونام.
ومن أبواب “عمارهم” لواحة البشيري استصلاحهم أرضها وانتزاعها من براثن الرمل:
وضعوا الساعد في الساعد
فالرمل انسحب
والنخيل انبثقت بين الجراح الصادحة.
فأنظر “أنسنة” الشاعر للرمل حتى صار جيشاً أدركته الهزيمة. وكانت زورة الأجداد له عبئاً تاريخياً مزلزلاً فطلب منهم أن يكفوا عن السهر:
ايها الأجداد عودوا
ولنقل إنَّا تسامرنا طوال البارحة
بينما تنتثر الفضة في السهل
وملء الأضرحة.
حين فرغت من قراءة قصيدة “واحة” وأخريات من قديم الشاعر بدا لي أننا ربما ظلمناه بتركيزنا الفظ على أكتوبرياته وزنزبارياته وبرتقالته أنت. فقد ناسبتنا هذه القصائد في حمى إيدلوجياتنا المختلفة من ثورية وهوية وغابة وصحراء. وحجبنا عن أنفسنا شعره الباكر الذي سحرنا نحن جيله من شباب أدباء الجامعات في الستينات. فقد كان الشاعر يُستزاد متى اجتمعنا من “الشرف القديمة” و”الشرف الجديدة” و”أمان” “وإهانات شخصية لقيس بن الملوح” و”أصيح للخرطوم في أذنها” التي نثر فيها كنانة غضبه على أولئك الذين “اعتذروا بالأيام” عن الفعل، وحلم فيها بوطن آخر: “فلتلدي ثورتك الأولى وبعثك الجديد”. ومتى ثار الوطن أخذنا حداء ود المكي له دون بذور الذهب في غيرته عليه.
لا أعرف شاعراً في خفض ود المكي من اللغة والمجاز. فهو “بطران” باللغة يعبث بها عبثاً يكشف عن شهوتها الغريزية للبلاغة والأسر.
فانظر بالله:
? “الحدائق واسعة العيون”
? “عار الدكاكين الآرائك والمقاهي”
? “أجفان الناس مكحلة بالعفة والإغضاء”
? “وهذا عصير الشمس فوق جبهتي”
? “و يا أخت كيف المعاد ولم أفن ضرع الحياة احتلابا”
? “وعلى وسائدنا يفح النجم”
? “مبهماً مثل عيون المئذنة”
? “أتوكأ ظلي”،
? “بهذا الوعي أقبل ما بأيديكم وأنذر أن اعيش مع وضد وداخل الآخر”.
فلا قدسية عند الشاعر لمواضعات اللغة فهو ينفضها نفضاً فتذروها البلاغة.
يحتاج ود المكي إلى جبهة تحرير من ولعنا الشرير القاصر به.
“جبهة تحرير ….” ..!!
هل الغرض هو “شكر” ود المكي .. ولا الإستخفاف بالحركات المسلحة
التي “يكجنها” الدكتور …؟
كدى خليك من دا .. كلام ود المكي الجديد لنج دا الضد الحكومة
أصلو ما وقع ليك في راسك ..؟ بس جريت تبحت في قديمو علشان
تبعد عنو أي مناطحات مع الإنقاذ ، اللي لا قادر تشكرها
بخشم البيت عديل علشان ما تجيب ليك الهواء ، لا قادر تسكت على
إنتقاد الناس ليها … مره “اليسار الجزافي ” ومره ” شطحاتنا
الأيدلوجية” ….الخ
الله يكون في عونا وعونك …
ليتك تتوغل أكثر فأكثر في عبقرية ود المكي الشعرية، ربما هذا تمهيد جميل والبقية تأتى ، وتعرج علي شعر محمد عبد الحى الذي هو أيضاً يحتاج الي الإضاءة والإبانة خاصة لأبناء وبنات هذا الجيل وأنت أفضل من تكتب عنهما وعن آخرين بحكم الزمالة والصداقة وأنتم أبناء عمومة اليسار آنذاك ( عمومة اليسار أقصد بها” أنت وودالمكي” وإن كنت أعرف ان محمد عبد الحى لا تربطه صلة بقبيلة اليسار على ما أظن والله أعلم .
كنت استمتع بمقالات عبدالله علي ابراهيم زمان قبل أن يصير دكتور و(مفكر) كما يطلق عليه البعض.. ولابأس مادام صارت الالقاب تطلق على كل من هب ودب حتى مدير جامعة افريقيا (الكويز) الذي لايحضرني اسمه الآن يقال عنه (مفكر) شئ عجيب..