مشروع الجزيرة .. دق ناقوس الخطر حول الشركات التعاقدية

ودمدني : حسن محمد عبد الرحمن
منذ إنشاء مشروع الجزيرة بواسطة الإنجليز كان الهدف الأساسي لزراعة محصول القطن أن يكون محصولا نقديا صادرا للأسواق العالمية حيث تمت زراعته في ذلك الوقت وأسهم ما تم إنتاجه من القطن بتسديد قيمة إنشاء خزان سنار والترع الرئيسة والقنوات الفرعية لأقسام مشروع الجزيرة للشركة الإنجليزية.
مؤشرات اقتصادية
وهذه المعطيات تشير إلى أن القطن حقق نجاحا منذ عهد الاستعمار، وظل القطن هو قاطرة الاقتصاد السوداني قبل انهيار مشروع الجزيرة، حيث وصلت أعلى مساحة لزراعة القطن بمشروع الجزيرة إلى 420 ألف فدان، وبعدها بدأ انهيار المشروع ووصلت المساحة إلى 17 ألف فدان، وذلك بعد خروج الدولة من عملية تمويل القطن وتطبيق قانون 2005م الذي أتاح للمزارعين زراعة ما يشاء والذي تسبب في فوضى زراعية داخل المشروع.
نظام الشركات التعاقدية
وبعد أن بدأ المشروع يسترد عافيته بفضل سياسات مجلس الإدارة، بدأ محصول القطن يعود إلى قاطرة الاقتصاد السوداني عبر مشروع الجزيرة، وذلك منذ أن بدأ تطبيق نظام الشركات التعاقدية عام 2014م، حيث تضاعفت المساحات إلى أن وصلت هذا العام إلى 156 ألف فدان، وصاحبها زيادة في الإنتاجية، حيث وصل إنتاج الفدان 30 قنطاراً، وذلك بفضل إدخال التقانة والالتزام بالمواعيد الزراعية. وفي ظل ذلك التوسع الذي قادته حكومة الجزيرة بعد القرار الجمهوري بإعطاء ولاية الجزيرة 50% من إدارة مشروع الجزيرة والذي أتاح للوالي أيلا أن يكون رئيسا مناوبا لمجلس إدارة المشروع والذي ساهمت حكومة الجزيرة بإصدار قرارات بإنشاء 10 محالج جديدة للقطن بواسطة القطاع الخاص بالمساهمة في عملية حلج القطن بعد اتساع رقعته الزراعية وفي ظل ذلك بدأت بعض الإخفاقات من بعض الشركات مما حدا برئيس مجلس تنظيم أصحاب المهن للإنتاج الزراعي بمشروع الجزيرة أن يدق ناقوس الخطر ويطالب بإعادة النظر في نظام الشركات التعاقدية بالمشروع.
نظام الشركات التعاقدية
بعد تطبيق قانون 2005م بمشروع الجزيرة والذي أدى لخروج الدولة من تمويل العملية الزراعية، خاصة في محصول القطن وتلك الفترة التي شهدت جدلاً كبيراً في القطن المحور وراثياً والذي حل بدلاً عن القطن طويل التيلة الذي اشتهر به مشروع الجزيرة في الأسواق العالمية وكاد القطن أن يندثر من مشروع الجزيرة، إلا أن بعض المزارعين ظلوا يتمسكون في زراعة القطن في مساحات صغيرة حتى جاء عام 2014م بمبادرة من شركة الأقطان، حيث تعاقدت الشركة مع مزارعين بمكتب الصحوة بقسم الترابي لزراعة 800 فدان، بالعينة بركات، كتقاوى لإنتاج القطن طويل التيلة، حيث قامت الشركة والتي وفقاً للشراكة تعتبر طرفاً أولاً في تحضير وتوفير التقاوى وتمويل العملية الزراعية وتوفير المبيدات والسلفيات، وبعد نجاح نظام الشراكة التعاقدية دخلت في موسم 2015م – 2016م، عدة شركات منها شركة البرير وفريزين والتاخي والإفريقية، حيث ارتفعت المساحات المزروعة بالقطن إلى 116 ألف فدان، كما ارتفعت في الموسم 2017م – 2018م إلى 156 ألف فدان، والذي صاحبه زيادة في الإنتاجية للفدان والذي يؤكد أن العديد من الشركات أبدت رغبتها في التوسع في العملية الزراعية في مساحات أكبر الأمر الذي يؤكد نجاح تجربة الشراكة التعاقدية خلال الفترة الماضية.
موجهات الزراعة التعاقدية
وبعد قرار رئيس الجمهورية في عام 2015م الذي أعطى ولاية الجزيرة 50% من أمر إدارة مشروع الجزيرة، حيث أصبح وفقاً لذلك القرار أن يكون والي الجزيرة رئيساً مناوباً لمجلس الإدارة، حيث قام والي الجزيرة دكتور محمد طاهر أيلا، بتفعيل ذلك القرار بتشكيل لجنة عليا لإنجاح الموسم الزراعي تضم جهات الاختصاص بالعملية الزراعية بالمشروع وشكل لجان فرعية على مستوى المحليات لمتابعة وتنفيذ قرارات مجلس الإدارة في مشروع الجزيرة والتي كان محورها الأساسي الشركات التعاقدية بعد التجربة الناجحة للشركات في المواسم الماضية، كما شهد موسم 2017م – 2018م، دخول مجلس تنظيم مهن الإنتاج الزراعي الذي حلّ بدلاً لاتحاد المزارعين والذي ساهم في تشجيع المستثمرين من الداخل والخارج في مراقبة الشركات التعاقدية لإنتاج عدة محاصيل للصادر، وأيضاً تبنى سياسة الصادر النباتي والحيواني وتسهيل قيام صناعات زراعية وتحويلية للمحاصيل على عائدات إضافية مختلفة للقيمة المضافة ورفع قدرة تنظيمات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني بالمشروع، وأن يكون العقد الذي تتبناه الشركات عقد قياسي لكل الشركات وأن يكون طرفاً للعقد وفقاً للجمعيات القاعدية.
ناقوس الخطر من بعض الشركات
وأوضح رئيس مجلس تنظيم أصحاب المهن للإنتاج الزراعي بمشروع الجزيرة عبد السلام الشامي، أن بعض الشركات التعاقدية في محصول القطن بمشروع الجزيرة أخفقت إخفاقاً تاماً في توفير الأوراق النقدية في سلفيات العمليات الزراعية ولقيط القطن، وأن بعض المزارعين لم يستلموا حقوقهم من أرباح محصول القطن رغم أن البنك المركزي وفر لهم الأوراق النقدية (السيولة)، إلا أن بعض الشركات لم يكن في حساباتها بعض الأموال للحصول على تلك السيولة، وأن بعض الشركات دخلت في شراكة تعاقدية مع المزارعين بتمويل من البنك الزراعي، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في الشراكات التعاقدية بمشروع الجزيرة.
تقييم تجربة الشركات التعاقدية
وسبق لوالي الجزيرة دكتورمحمد طاهر أيلا، ورئيس مجلس الإدارة المناوب بمشروع الجزيرة في الاحتفال الذي أقيم بالقسم الشمالي لشركة البرير لجني محصول القطن هذا الموسم، بأن طالب من المزارعين تمويل أنفسهم حتى يكون العائد المادي أكبر من المزارعين.
ورغم أن نظام الشركات التعاقدية حديث بمشروع الجزيرة ووفقاً لحديث مجلس الإنتاج الزراعي، إلا أن تلك التجربة تحتاج لمراجعة بعد النجاح الذي حققته خلال العامين الماضيين، وعلى سبيل المثال دخول بعض الشركات التعاقدية دون علم الإدارة الذي يشكل خرقاً وإخلالاً باللوائح والنظم التي تحكم العمل بمشروع الجزيرة، وأن بعض المنتجين المتعاقدين مع الشركات لم يقوموا بتسليم القطن للشركات سعياً للحصول على سعر أعلى مما يتطلب العمل على استرداد التكلفة لدى بعض الشركات وعدم الوضوح في كيفية التعامل مع كميات القطن الفائض من التكلفة من حيث الشراء حسب السعر المتفق عليه.
عجز الشركات في توفير السلفيات
إن الأمر الذي أشار له رئيس مجلس المهن للإنتاج الزراعي بمشروع الجزيرة من عجز بعض الشركات في توفير بعض السلفيات بعدم وجود أموال في حساباتها والذين لجأوا للتمويل من البنك الزراعي يتطلب الأمر أن تقوم جهات الاختصاص وعلى رأسها مجلس إدارة المشروع بوضع شروط للشركات التعاقدية للتأكد من مقدرتها المالية في الالتزام والإيفاء بمتطلبات العملية الزراعية لمحصول القطن والذي أصبح هو أمل الدولة في الحصول على العملة الصعبة عبر صادر القطن وحتى لو أدى ذلك لإشراك مجلس الإنتاج الزراعي بالمشروع الجسم الذي يمثل المزارعين بعد إلغاء اتحاد المزارعين، والذي هو منوط به الدفاع عن حقوق المزارعين، وكل ذلك من أجل عودة القطن بقوة لقاطرة الاقتصاد السوداني وإلى الأسواق العالمية، وهذا ممكن إذا تضافرت الجهود وخلصت النوايا وقويت العزائم.
التيار