الشريعة المدغمسة؟!

في أخبار (سونا) أن بروفيسور محمد عثمان صالح رئيس هيئة علماء السودان، قال في تصريح لها إن النظام البائد كان سادراً في غيه بالرغم من أنه كان يرفع شعارات الحكم بالإسلام، لكنها لم تجد طريقها الى التطبيق لذلك ازاله الله بحسب سننه الكونية..
ورغم أن رئيس النظام البائد الذي (أزاله الله) حسب تعبير رئيس الهيئة، كان قد قال بنفسه في خطبة شهيرة له بالقضارف (تاني ما في شريعة مدغمسة)، ما يعني بالواضح ما بالدس أنهم ظلوا وما انفكوا يحكمون الناس بـ(شريعة مدغمسة)، الا أن الهيئة بكامل عضويتها وعبد الحي يوسف منهم (خنست ولبدت) ولم تقل كلامها هذا في حينه بل بعد أن (أزال الله) الرئيس المخلوع، ربما رهبة وخوفاً وربما طمعاً في رضاء السلطان وعطاياه وربما الاثنين معاً..
المهم أن خطل هذه القوانين الموسومة بالشريعة والتي ظلت تحكم الناس وتتحكم في مسيرهم ومصيرهم حتى يوم الناس هذا، هي شريعة مدغمسة، أي أنها باللسان العربي المبين، قوانين ملتبسة تخلط الحق بالباطل، أو أنها تُلبس الباطل ثوب الحق، أو في أحسن التعريفات أنها مبهمة وغير واضحة وبلا هوية محددة، ولكن ورغم تعدد التعريفات حول ماهية الدغمسة إلا أنها تتفق جميعها في أن الدغمسة فعل مذموم وغير محمود، وبهذا الاعتراف الأخير من جماعة الهيئة يكون الكل قد تطابقت رؤاهم حول الدغمسة التي اكتنفت هذه القوانين منذ ظهورها أول مرة في 1983 وإلى الآن وإن اختلفت تقديرات هذه الدغمسة ووجهتها عند كلٍ منهم.
فالامام الصادق المهدي اختزلها في عبارة جامعة ومانعة بقوله فيها انها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، والاتحاديون وصفوها بأنها أبعد ما تكون عن روح الإسلام ومقاصده السمحة في العدالة والنزاهة والحرية واستقامة الحكم ورشده، وقال فيها رئيس القضاء الأسبق مولانا خلف الله الرشيد انها محض خمسة حدود تم إقحامها قسراً في قانون وضعي.
أما الأستاذ محمود محمد طه فقد دفع حياته ثمناً لمناهضتها عبر منشوره ذائع الصيت (هذا أو الطوفان)، وقد أعقبه فعلاً طوفان طاف على مايو فأصبحت كالصريم، والشاهد هنا هو أن من حكمونا طوال هذه السنين العجاف، كانوا يزعمون بأنهم يُحكّمون شرع الله ويحكمون به، بل ويؤكدون بأنه لا تبديل له ولا بديل عنه، لم يقل أي واحد منهم أنها قوانين مدغمسة، وإنما بالعكس كان كل من يقول فيها كلمة يرمونه بالزندقة ومحاربة شرع الله، ظل هذا هو حالهم مع هذه القوانين منذ سبتمبر 1983م وإلى يوم الناس هذا فتأمل وتعجب..
فمن يا تُرى هو الذي (دغمس) هذه القوانين، بل ومن الذي فرض على الحاكمين العمل بها على (دغمستها) كل هذه السنين ما دام الكل يذمها وينتقدها، وماذا يعني القول الأخير بأن هذه القوانين (مدغمسة) مع أن الذي كان يقال عنها عند كل مناسبة وفي غير مناسبة، أنها قوانين الشريعة التي لن يحيد عنها إلا من حاد الله ورسوله، وستراق من أجلها كل الدماء، وما الذي استجد الآن حتى توصف بالدغمسة وانعدام الهوية، هذه أسئلة حائرة لا نسأل أهل الهيئة الإجابة عليها بقدر ما نسأل الله أن يلطف بهذا البلد وأهل هذا البلد.
الجريدة
إنت يا المكاشفي ما كنت صحفي حقهم وساكت مثل هيئة علماء السلطان ديل ويا ريت لو كان سكات وبس عن دغمسة شريعتهم، دانتو كنتم تخرجون علينا كل يوم بالمقالات الراتبة وكأن صحف النظام الورقية المعتمدة سلفا لم تكفيكم وإنما زاحمتونا نحن قراء الصحافة الإلكترونية التي هي خارج نطاق مقص الرقيب تدبجون لنا المقالات دفاعا عن كل تصريح وفعل نراه نحن شنيعا وترونه عين الصواب حتى قيام الثورة وحدس ما حدس وبعضكم توارى الآن خجلا من نفسه لا خوفاً عليها لأن الثورة ثورة حرية وسلام وعدالة، وبالمناسبة دي أين الصحفي المغالي في الدفاع عن النظام البائد المدعو جمال علي حسن؟ تصدق تآمن بالله الآن نحترمه على احترام نفسه باختفائه بعد زوال الشئ الذي كان يطبل له ولم نعد نحمل عليه على ما كان يفعل لأن تواريه الآن سلوك منطقي وتصرف حكيم إلا إذا مازال على موقفه ذاك رغم سقوط النظام فوجب عليه الاستمرار في الظهور ككثير من الفلول وهو أمر كذلك منطقي رغم المكابرة. أما من غير موقفه مع سقوط النظام وصار يكتب عكس ما كان يقول فلا نجد له العذر إلا في مخافته بألا يعد من الفلول وهي تهمة ليس من ورائها سوء إن لم يكن المتهم ضالعا مع أو ضمن النظام البائد في أفعال يعاقب عليها القانون أو تعتبر اليوم ثورة مضادة كما تعلم من مبادئ ثورة الحرية والتغيير.