بعض الذي كان عبر نافلة القول (8)

خلال عقد كامل من الزمان
تتفتح الأزاهير فتنهل (الفراشات الملونة) من رحيقها
و ينتشر أريجها الفواح بين أرجاء حاضرة البلاد
و المدن الكبرى
خلال الفترة الممتدة
من منتصف السيتينات حتى منتصف السبعينات
حيث أخذ المشهد الثقافي يتوهج في السودان
و إن إعتورته بعض العثرات ؛؛؛؛؛
أنار (تجمع الأدباء و الكتاب الطليعيين أبادماك)
العتمة التي إكتنفت مخطوطات الأدب
فظلت حبيسة الأضابير و الأدراج
الى أن تولى (أبادماك) رعاية الأدباء
فسطح ضوء المسرح الجامعي
و أحدث رعشة في مفاصل المشهد الثقافي
بعروضه الجادة التي شملت مسرح (العبث)
فشهدنا عروضاً للعديد من المسرحيات العالمية
( سمك عسير الهضم و المغنية الصلعاء و الكراسي
و في إنتظار غودو ) !!؟?.
{ لا أحد يأتي لا أحد يذهب لا شئ يحدث } !!!…
و تبوأ الفن السابع مقعده في الصدارة
بتأسيس (نادي السينما السوداني)
بجهود فردية
و من نافلة القول الإشارة الى أن هذا النشاط
الثقافي لم يدعم من قبل الدولة !!؟?.
على الرغم من إستحداث وزارة للثقافة
وقد قدم عروضاً لمشاهير السينما العالمية
من روسيا و اليابان و فرنسا و غيرهم
عبر ما أُطلق عليها وقتها (السينما الجديدة)
و كذلك زينت الملفات الثقافية الصحف اليومية
التي تصدرها مؤسستا الأيام و الصحافة
عقب التأميم الشامل لأدوات الإنتاج
الذي شمل الصحف أيضاً !!؟…
(الأيام) وتصدر عنها “مجلة السودان الجديد”
و (الصحافة) و يصدر عنها “الرأي العام”
و كان لكل واحدة من هذه الإصدارات
ملفها الثقافي الخاص بها
درجت هذه الملفات الأدبية على الصدور أسبوعياً
ملحقة بكل صحيفة من الصحف الأربع
و يتبادل الإشراف عليها رموز الأدباء
أمثال (النور عثمان أبكر و يوسف عايدابي
و خالد المبارك و عبد الله جلاب) وغيرهم
و كنت أنا أتولى الإشراف على الملف الثقافي
لمجلة السودان الجديد التي تصدرعن مؤسسة الأيام
كانت بحق مرحلة خصبة
ضجت إحتشاداً بفني القول و المسرح و السينما
سمق خلالها الشعر الحر و لامست قامته عنان السماء
و لحق به فن السرد
و تزي بثياب الهجنة
و كاد يوازي الفن السابع في تنوعه !!؟?
* * *
ظلت الملفات الثقافية
ترفد خارطة الأدب بسيل من المبدعين
في شتى ضروبه و أجناسه
مع ظهور مناهج جديدة في النقد
كمنهج البنيوية
و كتابة ما يسمى بالنص الموازي
و إتسعت دائرة النقاش و الجدال
حول المطروح من أعمال الأدباء
و توالت النصوص الإبداعية
شعراً و سرداً
طاول كتابه نظائرهم من مبدعين آخرين
بل و فاقتها بنكهتها السودانوية ؛؛؛؛؛؛
و تميزها بتناولها لقضايا غير مطروقة
كالبحث عن الهوية و رصد التمايز
العرقي و الديني والثقافي
الذي يختص به المجتمع السوداني
فظهرت مدرسة الغابة و الصحراء
في قول الشعر
و سرعان ما لحقت بها
مدرسة الخرطوم في فن التشكيل
و إذا كان أبرز رواد مدرسة الغابة و الصحراء
محمد عبد الحي و صلاح أحمد أبراهيم
و النور عثمان أبكر و غيرهم
فإن إبراهيم الصلحي و شبرين و غيرهما
تصدوا لإرساء مراكب مدرسة الخرطوم
من خلال فن التشكيل
على مرافئ خارطة الفنون الجميلة عالمياً
ظلت مفردات المشهد الثقافي في ذلك العقد تتوهج
و تتعدد مواقع الإستنارة
و يجنح الأدباء الشباب
صوب نفاج اليسار
للولوج الى أكنافه
حيث الرعاية و الحماية و غرس بذرة النضال
ضد الصوت الواحد !!؟?.
و إن للكلمة النبيلة دوي فاعل ؛؛؛؛؛
لجعل الأدب قرين القضايا الوطنية الكبرى
التي تخلخل الجمود و تقاوم العسف و الجبروت
و تحرض الشعوب المغيبة على الغضب من أجل التغيير
سرعان ما إنضم الشباب وحداناً و ظرافات الى اليسار
و لا سيما كتاب فني الشعر و السرد
و لم يمض طويل وقت
حتى كاد معظمهم يخرجون من معطفه
* * *
صار الملف الثقافي بمجلة (السودان الجديد)
الذي أحظى بالإشراف عليه
مشرع الأبواب
يستقبل الرياح الرخية
المحملة بأريج أوان الدعاش
من كل الإتجاهات و المناحي
لإستقطاب أدباء الأقاليم و روابطهم الأدبية
مثل رابطة سنار الأدبية
و كذلك جمعية مدني الثقافية
و لعل الأولى كان لها الحيز الأوسع
في نشر القصص القصيرة ذات النكهة الخاصة
و بذلك رفد فارساها (نبيل غالي و مبارك الصادق)
بإسهاماتهما في إثراء مواده بالجديد و المتجدد
و من الجانب الآخر عبر الدراسات النقدية
كان للناقد (عبد القدوس الخاتم) القدح المعلى
بمقالاته الرصينة
في الأدب المقارن بين (موسم الهجرة الى الشمال)
و مسرحية (الدرس)
كلا البطلين يقتلان حبيبتيهما عشقاً !!؟…
و كذلك عرضه لكتاب (أرنست هيمنغواي)
(مائدة باريس)
و ظل الكاتب و الدبلوماسي الراحل
(عبد الهادي الصديق)
صاحب (نقوش عل قبر الخليل)
يغمر الملف بهداياه الباذخة
و لعل شاعر الفرح المعبأ في زجاجات
نسيج وحده سلوكاً و نظماً
(حسن أبو كدوك) قد أجزل العطاء و فاض
و زين صفحات الملحق بقصائده
المعمدة بنزيف أشواق الحالمين !!!…
و توالت أسماء المبدعين الشباب
من المدن الكبيرة و القري النائية
تتخلل أعمال رموز الأدب بأجناسه المغايرة
و نصوصه المتجاوزة للمعهود و السائد
و تزيد الملف رديفاً من المتلقيين
لا سيما و أن قضايا الأدب
و مناهجه النقدية المستحدثة
الآخذة دائرتها في التنوع
قد بدأت تثير إهتمامات القراء
بأعتبارها المفتاح السحري
لتفكيك النصوص الجديدة العميق الأغوار
و فهمها وفقاً لمقولة أن التقويم الأدبي
أصبح نصاً موازياً للعمل المُبْدَع !!؟?.