
جاء في الاخبارأن طالبة طب تعمل نادلة في مطعم ،و أخري خريجة تشاركها ذات المهنة ، ثم طالب طب اخر يعمل في مشروع غسيل السيارات . خروج عن المألوف السوداني وليس كل ما هو سوداني مألوف بجيد أو يستند علي ارث سوداني أصيل .
عمل السوداني من بدء الخليقة في مجال الزراعة والرعي بشكل أساسي ، من يجلب البضائع والمستلزمات الضرورية يوصف بالجلابي وهي نعت جاء من مهنته وهو يتاجر فيما يجلبه للمزارعين والرعاة في قريته أو فريقه ، العمل في وظيفة بأجر دخل للسودان مع الاجنبي المستعمر، أخرج أبناء المزارعين والرعاة من مهنة الاباء ليلحقهم بالجندية أو عمالة تساعده في حله وترحاله ، تعني بالمطايا تعلفها وترعاها .
الافندي هي كلمة انجليزية يقصد بها الموظف ، قطاع الافندية أخذ شكله الرسمي بعد افتتاح الانجليز كلية غوردون التذكارية لتخريج كتبة ومحاسبين للمساعدة في تسيير دولاب الخدمة المدنية ، توسع العمل الوظيفي بإضافة مراكز تدريب الممرضين وأعمال النجارة والميكانيكا ، تغير نمط عيش الموظفين من خلال احتكاكهم بالأجنبي ، صارت الوظيفة والعمل في الحكومة أمنية غالية لأبناء السودان من تلك الحقبة وما بعدها.
في حقيقة الامر، الزراعة تحديدا في مصر وانجلترا لا يطرق بابها الفقراء بل هي فقط للأغنياء ، الاراضي الزراعية يوزعها الملك في انجلترا في شكل دوقيات لكبار الامراء وأعضاء الاسر المالكة ، ثم بدورهم يستخدمون الفلاحين لزراعة الارض ، في مصر الزراعة اقطاعيات توزع أيضا لعلية القوم والملأ من حاشية الملك . امتلاك الاراضي الزراعية في مصر وانجلترا بعيد المنال عن العامة هم فقط يعملون فيها فلاحين ، العكس تماما في السودان حيث يملك المزارع الارض ، وهذا ما ظهر في التفات الانجليز الي الوظائف توزع علي السكان المحليين في المستعمرات ، فالزراعة بمساحات كما مشروع الجزيرة لا يقدر عليها الا الملك عبر حكومة صاحبة الجلالة وممثليها في المستعمرات.
لم يهتم الرعيل الاول من السودانيين بالوقوف برهة مع النفس والتفكر في مؤتمر الخريجين ومكونه الاساسي من الافندية ، قبلوا أن يكون الرقم الوظيفي مصدر وفخر وعزة للسوداني ، يكد ويكدح لا ليلحق بأرض الاجداد يعزقها ويفلحها بل للحصول علي رقم وظيفة ينتظر راتبها اخر الشهر بلا مخاطرة في سنوات القحط وتوقف نزول المطر ، نمط الحياة عند الموظف لا يسير مع فصول العام بين مطير وشات وصيف قائظ الحر وخريف يجلب الدعاش ، ضاعت عن الموظف السوداني نعمة رعاية الارض لتخرج ثمارها وتفيض في سنوات الرخاء ويصدرها الي الخارج ليجلب ما يحتاج من ضرورات أخري.
النمط الافندي خلق من صاحب الارض الزراعية في السودان متسولا عند باب ملك الدنيا، حرم الافندي بذلك نفسه نعمة انتظار عطاء ملك الملوك الذي يرسل السحاب وينزله علي الارض الجدباء فتشقق ويخرج منها الزرع . هكذا صارت في السودان ملايين الافدنة صالحة للزراعة ومياه متوفرة وسوء تدبيرها و عدم الحرص علي تخزينها يحيلها الي سيول عرمرم تدمر في طريقها الزرع والانسان.
اتجاه طلاب الطب والخريجين اليوم في السودان يعيد العقل السوداني المجاز ويستدعيه من الاجازة الطويلة للتدبر والتفكير السليم ، ذلك النفر من الشباب هم علي الطريق الصحيح مثلهم في انجلترا يعملون في محلات هرفي وماكدونالدز ، بعض المبعوثين السودانيين يعملون في مهن أخري مثل غسيل زجاج نوافذ العمائر حيث يتعلق العامل في سلالم تحمله لغسل زجاج النوافذ، بعضهم يعمل في السير مع الحيوانات الاليفة نزهة في الهواء الطلق ، يساعدهم المشغل بتفصيل وترتيب ساعات العمل بالتوافق مع جدول محاضرات الطالب العامل عنده مساعدة له.
الخروج من النمط التقليدي ونزع جلباب الافندية يعيدنا للتفكير في اعادة السوداني للزراعة ، مواسمها قصيرة وبتفكير بسيط يمكن تحويلها الي صناعة عبر جمعيات متخصصة تعاونية تهتم بالخبرات الزراعية توفرها عبرالجمعيات ، تتفاوض في التمويل المصرفي من البنوك المتخصصة ، تسعي لتوفير العمالة المدربة لعمليات الزراعة . بالاجمال تحويل الزراعة في السودان الي منطقة جذب واستغلال لمساحات واسعة للأراضي الزراعية عبر تقسيم مراحل الزراعة الي وحدات متخصصة يديرها ويعمل فيها أهل الخبرة والتدريب من ذلك النفر .—- وتقبلوا أطيب تحياتي.
مخلصكم / أسامة ضي النعيم محمد
احسنت. وهذا الموضوع يجب التركيز عليه بقوة لانه باختصار ودون مبالغة المفتاح السحري لازدهار وتقدم السودان.