نعم للقبيلة .. لا للقبليّة والجهويّة والجاهويّة

عبدالله خليل
منذ قيام ثورة ديسمبر المجيدة عام 2019م، رفع الشباب شعارات تنادي بإلغاء القبلية ومواجهة العصبية الضيّقة، ولعلّ من أشهرها شعار “كل البلد دارفور”.
وبعد اندلاع الحرب الأخيرة، تعالت هذه الدعوات من جديد، وملأت الأسافير، خاصةً بعد أن امتزجت دماء أبناء القبائل كافة في معركة واحدة، وعلى رأسهم القوات المسلحة رمز القومية، إلى جانب الكتائب والقوات المشتركة والمستنفرين، في ملحمة وطنية خالدة سجّلها التاريخ.
وهنا، يجب أن نفرّق بوضوح بين القبيلة كمظلّة اجتماعية وتنظيم إداري أصيل يشهد له التاريخ، وبين القبليّة والحمية والجهوية، تلك العصبيات المرفوضة التي تقوّض وحدة المجتمع.
فالقبائل والتنوع والاختلاف بين مكوّنات هذا الوطن، هي مصادر ثراء ثقافي واجتماعي يجب حسن إدارتها، لا محاربتها. وهي تمثل إضافة إيجابية لا عبئًا على الوطن، متى ما أُحسن استثمارها.
أما الدعوة إلى إلغاء القبيلة (وليس القبلية)، فهي ضرب مباشر للنسيج الاجتماعي، وقد تؤدي إلى تفكيك البنية المجتمعية من قاعدتها حتى قمة الهرم، بما يشمل ترابط الأسر والمجتمعات المحلية.
في بلد كالسودان، لا يمكن تجاهل مكانة مشايخ الطرق الصوفية وزعماء الإدارة الأهلية، فهؤلاء لهم أدوار اجتماعية وتاريخية لا تزال مؤثرة في السلم والنزاع، في المنشط والمكره، ولا يمكن القفز فوقها.
وقد اقتضت سُنّة الله أن يجعل الناس شعوبًا وقبائل، ليتعارفوا. وحسب تأويلي، فإن التعارف يشمل التميّز في الشكل والجينات والثقافات، على أن تكون المفاضلة بالتقوى لا بالعرق أو اللون أو الجهة.
إن شيخ القبيلة، أو أي رمز اجتماعي، يملك كلمة مسموعة، ودورًا فعّالًا في لمّ الشمل وتثبيت السلم، ويجب ألا يُستبعد من المعادلة الوطنية.
علينا أن نتعلّم كيف ندير تنوّعنا واختلافنا، لا أن نلغيه. ويجب ألا يُمنح أحد أولوية في فرص الدولة لمجرد جاهٍ أو انتماء جهوي أو قبلي.
وإن قبول الآخر، بل والمصاهرة بين القبائل والمكوّنات المختلفة، يمكن أن يُنتج أجيالًا جديدة تحمل ملامح الوحدة الوطنية، دون أن يتعارض ذلك مع الانتماء للوطن أو القومية.
أما العصبية والحمية والقبلية، فهي لا تزول من بطاقات الهوية أو أوراق الجنسية، ما لم تُنتزع من القلوب والعقول، عبر تعزيز ثقافة قبول الآخر إثنيًا وجهويًا ودينيًا.
ومن هنا، فإن أي دعوة لإلغاء القبيلة هي تهديد مباشر للنسيج الاجتماعي، لا دعوة للإصلاح. بل نجد أن أكثر المجتمعات ترابطًا في السودان هي تلك التي لا تزال تحتفظ بروابطها القبلية أو المناطقية، ولكنها تُسخّر تلك الروابط لخدمة المجتمع، لا لتمزيقه.
وفي هذا السياق، لا بد من محاسبة الفنانين والمحتوى الترفيهي الذي يقتات على النكات التافهة والسخرية من القبائل ولهجاتها، لأن هذا يسهم في تكريس التنميط العنصري والتمييز الساخر.
ختامًا
ينبغي علينا أن نستثمر في هذا التنوع الثقافي والاجتماعي الغني، عبر منح الفرص المتساوية لعرض الثقافات والتراث في المنابر القومية والفرق الشعبية.
فهذا لا يسهم فقط في تعزيز الوحدة الوطنية، بل يمكن أن يُسهم في جلب السياح من الداخل والخارج، وأن نُظهر للعالم وجه السودان المشرق، ونموذج تعايشه السلمي.
ولعل من أهم حسنات التعدين الأهلي، هو حركة الشباب بين مختلف المناطق، وتفاعلهم مع أبناء مختلف القبائل والجهات، ما خلق روحًا جديدة من التواصل والتفاهم بين المكوّنات.
إن الوطن يسع الجميع، والتنوّع مصدر قوة، إذا أحسنا فهمه وإدارته.
القرن الحادي والعشرون والتسابق التكنولوجي وحرب أشباه الموصلات والمعادن النادرة وعصر الابتكارات والاختراعات السلمية والحربية والكاتب يمجد القبيلة وشيخ القبيلة والطرق الصوفية….اللهم طولك يا اريال