من لا يملك إيجاره لا يملك قراره

الحمد لله الذي يرزق عباده الصالحين من حيث لا يحتسبوا. عوضنا عن ذهاب البترول بكميات لا حد لها من الذهب (وسخّر
لنا الروس الروس لاستخراج ما يزيد عن إنتاج كل دول العالم من الذهب). وحين لم تظهر فوائد الذهب ودولاراته، ولم يفلح
في إصلاح الحال الاقتصادي المائل رغم الأطنان التي تُعلن كل يوم، سخّر لنا الله السياحة والطاقة النووية لفك الضائقة المالية
جاء في الصحف السيّارة في الأسبوع الماضي “أعلنت وزارة السياحة والآثار، دخول أكثر من 194 ألف سائح البلاد في
الربع الأول من العام الجاري {يعني من يناير إلى مارس 2016}، بإيرادات فاقت 244 مليون دولار، مقارنة ب 175.870
ألف سائح في نفس الفترة من العام الماضي، بإيرادات تجاوزت 220 مليون دولار. وأشار الوزير محمد ابوزيد مصطفى
لارتفاع عدد السياح في العام 2015م إلى 741 ألف سائح، مقارنة ب 683,613 سائحاً في 2014م”، أي ما يعني أن عام
كذلك جاء في الأخبار أن الحكومة بصدد بناء مفاعل نووي (للأغراض السلمية، خلّي بالك، حتى لا نُخلَط مع الدول المارقة
مثل كوريا الشمالية) وذلك لإنتاج الكهرباء لتغطية الإستهلاك المحلي وتصدير الفائض إلى دول الجوار (بعد أن بلغ سد
مروي، المُلقّب ب”سد القرن”، وقيل “سد الرد”، نهاية عمره الإفتراضي بعد أن أدى دوره كاملا، بحمد الله وفضله، في توفير
الكهرباء وخفض أسعارها للمستهلك، والذي يُقال أنه سيحول لوزارة السياحة والآثار لينضم إلى “المزارات” السياحية التي
والحق يُقال، ملأتني هذه الأخبار بالأمل بعد أن أصابني اليأس والقنوط من تحسن أحوال السودان في ظل هذا النظام، وقرّعت
نفسي اللوّامة على تشككي، ليس فقط في قدرة النظام، بل في نيّته، على فك الضائقة المعيشية، وإصلاح البنيات التحتية،
ومضاعفة الإنتاج والإنتاجية، والإنطلاق في آفاق التنمية المستدامة التي تضع السودان في مكانه الصحيح في مقدمة دول
العالم “أجمع”، كما وعدتنا الاستراتيجية ربع القرنية (التي طالما سخرتُ منها، ظلما وبهتانا، وحسبتُها من ألاعيب النظام التي
والحق يُقال أيضا، أن جوانحي امتلأت تفاؤلا في مستقبل السودان، في ضوء هذه البشريات عن مداخيل السياحة وبناء المفاعل
النووي، بعد يأس وانقطاع عشم، خاصة وأن هذه البشريات تتزامن مع أخبار استبباب الأمن في ربوع دارفور الحبيبة، وجبال
جنوب كردفان، وفي جنوب النيل الأزرق، وجنوح الحركات المسلحة للسلم، وانضمامها لمسيرة الحوار الوطني (الدائم).
ولكن، ولعنة الله على “لكن” هذه، وعلى عيني الثالثة (التي لم تدمع) التي لا تكف عن الإنتقاد والبحث عن المثالب. تساءلت
عيني في خبث عن عدد السياح الذين زاروا البلاد في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام (أكثر من 194 ألف، حسب إعلان
وزارة السياحة): من هم ومن أين أتوا؟ ولماذا لم نرهم في شوارع الخرطوم، يزحمون “المزارات” السياحية، ومطاعم السمك
الفاخرة، و”مشارب الشاي في ضوء القمر” على شاطئ النيل، وبلاجات توتي ذات الرمال البيضاء؟ وهل الإيرادات المذكورة
(244 مليون دولار) بالقديم أم الجديد؟ واين ذهبت؟ وهل الدولار المذكور هو الدولار الأمريكي “أبو صلعة” أم دولارا آخر؟
ولماذا لم تساهم في تثبيت قيمة الجنيه السوداني؟ وأين سكن هؤلاء السياح ونحن نعلم أن فنادق العاصمة (والأقاليم) مجتمعة لا
تسع 5% من عدد السياح المذكور؟ وهل تنقلوا بالحافلات، والهايسات، والأمجادات، والركشات (التي لا تكفي لنقل سكان
من ناحية، ومشاكل الكهرباء من ناحية أخرى، والحمد لله من قبل ومن بعد.
2016 سيشهد زيارة نحو 800 ألف سائح للبلاد وتبلغ إيرادات السياحة ما يُقارب بليون دولار.
وعد بها وزير السياحة).
يلهي بها شعبه الطيب، هي وأفراخها مثل البرنامج الثلاثي، والخماسي، والإسعافي، والإنقاذي).
وتذكرت الآية الكريمة عن الذين إن مكّناهم في الأرض، فدمعت عيني! (وتذكرت راعي مشروع سندس).
الخرطوم)؟
لاحظت عيني الثالثة، قاتلها الله، أيضا أن وزير السياحة أشار “إلى نجاح الوزارة في جدولة ديون السودان بمنظمة السياحة
العالمية وحصوله على كامل العضوية”، وتساءلت: ولماذا الجدولة وقد بلغت إيرادات السياحة هذه الملايين؟ لماذا لا تُسدد
ثم نظرت عيني الثالثة إلى نبأ اعتزام الحكومة بناء مفاعل ذري (للأغراض السلمية)، وتساءلت: كيف تبني الحكومة مفاعلا
ذريا وهي تترك عاصمتها الحضارية تغرق في شبر ماء كل خريف؟ ثم صمتت عيني الثالثة وذرفت دمعة واحدة!
أشرت مرارا في مقالات سابقة إلى أن الخطة السرية للنظام هي جعلنا، بعد تجويعنا ومرمطتنا وإذلالنا، نفقد عقولنا،
و”نبرطع” عراة في الشوارع، نحصب الناس، والحيوانات الأليفة، والحافلات، بالحجارة، باستخدام التصريحات، والسياسات،
والقرارات، والأفعال التي تجافي المنطق والحس السليم، وتتحرى الكذب “القُلاد” الذي لا يُصدقه من كان في المهد صبيا!
الوزارة كامل المتأخرات والسودان قد أصبح قبلة لهذا العدد الكبير من السياح؟
تهانينا لها فقد شارفت النجاح بضربة معلم في مجال السياحة والطاقة النووية!
ولا حول ولا قوة إلا بالله!
[email][email protected][/email]