الكيزان..وسرقة ثورات مصر والسودان !ا

الكيزان..وسرقة ثورات مصر والسودان !
محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]
الذي يحدث من انفجار جديد في ميدان التحرير المصري ، يعيدنا الى ايام ثورة ابريل حينما خرج الكيزان من تحت ظل سيف نميري بكرامة البليلة ، حينما لم يكتب له العودة من امريكا فنجوا من ابادة جماعية محققة ، وخرجوا ليغلبوا الشارع العريض صانع الثورة الحقيقي بالصوت العالى ، واللمة الكبيرة ، فادعوا البطولة والنضال باعتبارهم آخر من غادر سجون مايو التي ركبوا سفينتها الحائرة في عز تخبطها ، وألبسوا قائدها عباءة الوهم ، وجعلوا منه اماما ، وجعلوا من شعبنا الطيب فارا لتجاربهم ، وطبقوا عليه قوانيين سبتمبر التي نسبوها للشريعة السمحاء ، وبدأءوا بالحدود والتلصص وتسور الدور الأمنة ، والتشهير بالناس عبر أجهزة الاعلام ، فتهدمت بيوت العز والشرف آخذا بالشبهات ، فيما كانوا يتسترون على قادتهم الذين ضبطوا بالجرم المشهود في أكثر من حادثة ، ولا زالوا يمارسون حتي الآن فقه السترة على افراد محفلهم الفاسد في الكبائر التي تمس مقدرات الوطن ومواطنيه ، فيما انكروه على الذين اضطرهم الجوع لسرقة رغيف أو من دفعهن الفقر الى بيع الأثداء في دولتهم التي قدمت شدة العقاب على تحقيق العدالة !
وكأنهم لم يسمعوا بتعطيل الخليفة الراشد الفارق ، للحدود في عام القحط والجوع رأفة بالآمة !
الان يتكرر ذات السيناريو في مصر الشقيقة ، فيلتف كيزانها ومن شايعهم من المتنطعين على ثورة الأمة ، وقد تظاهروا في البداية بقبول الدولة المدنية الديمقراطية ، التي من أوجب مبتدياتها وضع حصان الدستور قبل عربة الحكم ، لتأكيد الاجماع الوطني على مبدأ تلك الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية التى لا تقوم على حكم دين بعينه وان كانت الغلبة لمعتنقيه ، تجنبا للفتن الطائفية وامتثالا لمبدأ التساوي في المواطنة ، واجبات وحقوق !
ولا بأس بالطبع من الاشارة الى ان الدين الاسلامي هو دون الدولة والشريعة هي مصدر اساسي للتشريع ، دون الانتقاص من حق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم بكل حرية والاحتكام لشرائعهم في علاقاتهم البينية نكاحا وطلاقا وميراثا الى اخره .
وكل ذلك ورد في ما سميت بوثيقة على السلمي التي حشد ضدها الاسلاميون مليونية ، اعادت التوتر بعد انفضاض جمعهم ، ليلتقط القفاز المتخوفون من تغول التيارات الدينية على مكتسبات الثورة ، اذا ما آلت لهم الأغلبية في الانتخابات التي تدق على الآبواب بالحاح ، و حتى لايستغلوا اي نصر لهم لصياغة دستور اقصائي ربما يهد وحدة وتسامح واقتصاد ومجتمع وسياحة وابداعات مصر ، ويشعل فتنة طائفية تجعل الناس يحنون لنظام مبارك !
ان وثيقة المستشار على السلمي لمن يتمعنها جيدا ، فهي تنطلق من مبدأ أن الدساتير تصاغ وفقا للتراضي الوطني المتنوع وليس بارادة الاغلبية البرلمانية . فالدساتير والقوانين يتم صياغتها بواسطة الخبراء والشخصيات الوطنية المثالية وليس بسياسي الأغلبية المكيكانية ، لان الدستور في الدولة المدنية والديمقراطية هو من الثوابت التي تمر عليه السلطات ايا كان توجهها في تداولها لدولاب الحكم .
وهو المتبع في تركيا كمثال حي ، الى درجة ان حكومة اردوغان رغم حصولها على الأكثرية البرلمانية ، امتثلت لواقع الأمر حينما لم تحقق الأغلبية اللازمة للمساس ببعص فقرات ذلك الدستور ، ضاربة مثالا رائعا للديمقراطية التي أكسبت توجهها الاسلامي المعتدل والمتوازن بين مدنية الدولة واسلامية الحكم ، تقديرا واعجابا ، حدا بحركة النهضة التونسية الى اتباع ذات النمط الديمقراطي في ارساء مستقبل الحكم التونسي انطلاقا من التفهم العميق للمجتمع التونسي المتجانس مع دينه وحضارته المدنية ، وهي ايضا حركة لا يخفي زعيمها انه استفاد من اخفاقات التجربة السودانية ، ولا ينكر تشبعه بما هو مفيد من الديمقراطية الغربية التي كفلت له على مدى عشرين عاما من اللجؤ الى ديارها حقوقه كانسان وكسياسي بالقدر الذي لم يتحقق له حده الأدني في بلاد العروبة والاسلام !
فاذا كانت الفتوحات الاسلامية سلما وحربا في زمانها كان لها مقتضيات نشر الاسلام وتوسيع مساحة الرسالة المحمدية المقدسة في اركان الدنيا، فان عهد الثورات يمثل بعثا سياسيا يقوم على أنقاض الديكتاتوريات تأسيسا لدولة التجانس الاجتماعي الذي بلغ درجة من الوعي الديني الباعث لتكامل الاديان لتأكيد انسانية البشر وليس الدافع لصراعاتها التي تخلق الكراهية بينهم ، وتهد حواجز الاحترام لخياراتهم التي أكد حريتهم فيها المولى عز وجل في كتابه العزيز.
انه المستعان ..
وهو من وراء القصد.
الأستاذ محمد عبد الله برقاوي
تحية واحتراما
قولك:
((ولا بأس بالطبع من الاشارة الى ان الدين الاسلامي هو دين الدولة والشريعة هي مصدر اساسي للتشريع ، دون الانتقاص من حق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم بكل حرية والاحتكام لشرائعهم في علاقاتهم البينية نكاحا وطلاقا وميراثا الى اخره .))
القول بأن الدين الإسلامي هو دين الدولة هو بداية انتهاك حقوق غير المسلمين في وطنهم، وهذا يشكل انتهاك لمبدأ مهم من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لا بد من التنصيص على أن الدولة محايدة تجاه الأديان وإلا فانتظر الحرب طال الزمن أم قصر. لم يعد السكوت على ذلك ممكنا كما كان في السابق.
ولعلك تعرف أن الشريعة الإسلامية تميز بين المسلم وغير المسلم وبين الرجل والمرأة في الحقوق، ولذلك هي غير دستورية.
تعرف يا برقاوي: الإسلاميون دخلوا من ثقب كلام زي كلامك دا..
ياسر
ياسر
شكرا للأخ الكاتب الأستاذ البرقاوي ، الذي نلاحظ أنه يكتب بحس وقلم قومي غير متشنج ويحلل بموضوعية وهو على علم بما يكتب حوله ، وواضح أنه اطلع على الوثيقة المشار اليها بتفصيل ،
وأقول للأخ الدكتور ياسر الشريف مع احترامي لرأية .. أن الاشارة الى دين الدولة ليس بالضرورة ربطها بنظام الحكم بصورة مباشرة ، وانما هي تعني ضمنا أن الاسلام هو دين الأغلبية في مصر على سبيل المثال ، والا فاننا يفترض أن نلغي من الوجود منطمة المؤتمر الاسلامي ، وهي لا نفرض على منتسبيها الربط بين الدين والدولة أو عدمه وانما يظل المسمي هو الوعاء الجامع ، فنرى على سبيل المثال قبولها لعضوية لبنان التي ينص دستورها المفترض انه علماني الى تصنيف رئيس الجمهورية ورؤساء المؤسسات الدستورية الأخرى على أسس طائفية كتخفيف لمصطلح المسميات الدينية مع انها مفصلة بالأسماء والصفات ،، فالمسميات لا تنطبق كليا في الممارسة ، فنجد ايضا مسمي الحزب المسيحي الايطالى أو الألماني وهكذا دواليك ! وشكرا..مجددا..
الدستور لايمكن ان يوضع ليلبى رغبة الاغلبيه كلا
الحكومه تاتى براى الاغلبيه
اما الدستور فلا
فهو يجب ان يساوى بين كل المواطنين
أها يا برقاوي……….في تونس الإسلاميين برضوا سرقوا الثورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وكأن الثورات جزلان مهتري في الجيب الخلفي لمهموم غافل!!!
إحترموا عقول الناس فيما تكتبون.
وقولوا ما تدركونه تماما أن الإسلام ومقاصده هي بضاعة لم ولن تبور. وهي الخيار الأوحد لكل الشعوب المسلمة . ولإن فشلت تجارب السلفية في السعودية , والقاعدة في أفغانستان , والإخوان المسلمين في السودان. وحتى ولو فشلت تجربة نهضة تونس , والإخوان بمصر وسوريا واليمن والأردن فذلك قطعا لا تعني فشل مقاصد الشرع. ولن يتعدي فهمنا لفشلها لأكثر من فشل من أسسوا فكرها, وقصطوا في التطبيق, وغلبتهم ثقافة المجتمع وإرث الفكر السلفي, وهوي النفس, والعنصرية ا والقبلية .
ولن يعني فشلهم فشل الإسلام ومقاصده أبدا.
والشعب المسلم يدرك ذلك ويطمح في من يصدق ويتجرد من قيود السلف, وإرث الثقافة المحلّية ليقيم فيهم الدين بمقاصده العليا في الحرّية والعدل والإستقامة والتجرّد وحب الناس والعمل في خدمتهم من موقع القيادة.
والدستور نعم مطلوب فيه مراعات جميع الفئات والثقافات وليس لصاحب الأغلبية كلّ الحق في صبغ الدستور بثقافته الخاصة. وفي حالتنا في السودان تكاد الثقافة أن تكون واحدة بعد خروج الجنوبيين من التشكيلة فلذلك لن نتوقع أن تكون هنالك فئة أثنية تحتاج لتشريعات تبيح إشاعة الفاحشة والخمور والشذوذ. فالمجتمع السوداني الآن ستحمل تشريعاته ما يدعم مكارم الأخلاق والفطرة السليمة وما ينبذ الفسق والفجور والعصيان لله ربّ العالمين.
يا برقاوى ناس الانقاذ لايمثلون الشرع والدين الحنيف حيث تسود فى المجتمع كل قيم الفساد والشرك والدجل و الشعوزة من رقص ماجن ومديح غنائى فاسق وانفلات اخلاقى دخل معظم البيوت ولوطبق الاسلام الذى نعرفه لكانواهم اول المدانيين ثم كثير من الثوريين والعنصريين والشعبيين والقائمة تطول
فأصدقوا وتمنوا ان يكون الاسلام هو منهجنا اما المراوغة والطعن فى الاسلام لا الاشخاص هى البضاعة الخاسرة فالطعن يكثر فى علماء الامة كابن تيمية وغيره ولكن كلمة الله باقية والاسلام موعود بالنصر الا ان فتح الله قريب
مقال رائع يا أستاذ برقاوى … وتأيدآ لتعليق د. ياسر أرفق تعليقى بمقال للدكتور العظيم شغاه الله سيد القمنى… الدين الرسمي والإسلام الأصلي
الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها ولا يبالي من أي وعاء خرجت
النبي محمد (ص)
بين المواد الأولى الصدر في الدستور المصري تقف مادة شديدة الأهمية وشديدة الخطورة والأثر في آن ، نعلن : أن الدين الرسمي للدولة هو الدين الإسلامي ، وتقفوها مادة داعمة مؤكدة تقول : إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وأن يعلن دستور الدولة ديناً بالعين و بالذات دينا رسمياً ، فهو ما يعني علم ولاة الأمر منا أن في الوطن أدياناً أخرى غير الإسلام يدين بها المواطنون ، لكنها أدياناً غير معترف بها لأنها ببساطة غير رسمية. وهو ما يعني أن في البلاد أدياناً منبوذة ، كما يعني أيضاً أن دستور الوطن يفرق ويميز ويصنف أبناء الوطن حسب اعتقاداتهم وليس حسب ولائهم الوطني. ويجعل من الدولة ولية على الإسلام الصحيح. ويصبح من لايدين بدين الدولة خارجا عليها ، وهو مايشكل جريمة فى حق الدولة.
ولا تقف خطورة هذه المادة الدستورية عند حد إعلان الطائفية الرسمية العلنية في عالم وفي زمن أصبح يعتبر ذلك اعتداء على حقوق الناس الشخصية جداً وتماماً ، ولوناً من التخلف في الميدان الحقوقي الذي تقاس به حضارات الأمم ، ووصاية بغيضة ضاغطة على أرواح الناس ، إنما يتعداها إلى التطبيق العملي لهذا النبذ عند الحاجة في الصراع الفكري أو الاختلاف في الرأي والقول ، أو عند أي لون من ألوان الحراك الاجتماعي ، مما يعني أن هذه المواد تصادر مقدماً حق الاعتقاد وحق القول والرأي معاً.
وأقرب مثال إلى الذاكرة ما حدث للدكتور نصر أبو زيد الذي صدر بشأنه حكم يفرقه عن زوجته لغاية أسوأ من الوسيلة ، وهي إثبات ردته عن الإسلام بحكم قانوني رسمي بوثيقة مدموغة بخاتم الدولة الرسمي. ولا ننسى أبداً أن القاضي قد أقام حيثيات حكمة على بنود وأصول وثوابت وآيات قرآنية وأحاديث نبوية وآراء فقهية إسلامية مع تفسيره الخاص لهذه البنود التي لا علاقة لها بالقانون المعمول به في محاكمنا المدنية أو المفترض أنها كذلك. معلناً أنه يملك الحق في إقصاء القانون المدني واللجوء إلى ما احتسبه قوانين إسلامية ، وأن هذا الحق قد أعطته له مواد الدستور الإسلامية. قد كان لكاتب هذه السطور شرف الرد الفقهي العقدي الإسلامي بدوره على حيثيات الإدانة في دراسة مطولة موثقة ، بناء على طلب مكتب محامية الدكتور نصر الأستاذة منى ذو الفقار. و رغم أنه قد تم إيقاف تنفيذ الحكم بحكم جديد ، فإن الحكم ذاته لم يلحقه الإلغاء وظل سابقة قانونية قائمة باقية بوجه أي خلاف في الرأي داخل الإسلام ذاته ، وصالحة للاستخدام إزاء حالات مشابهة مستجدة.
و هو ما يعني أنه في ميدان العقيدة تقف الدولة حامياً وراعياً ومعبراً عن دين واحد من بين ما يعتقد الرعية ، وأنها تعلن انحيازها السافر العلني لهذا الدين في دستورها. وهو انحياز طائفي يفرز نفسه بعد ذلك في سياسات ومواقف مؤسسات الدولة من مواطنيها. و يستبطن هذا الإعلان عدم مساواة بين الرعية في الحقوق ستترتب بالضرورة على التصنيف بين الرسمي وغير الرسمي ، ومع عدم عدالة في ترك كل دين يعمل ويظهر بقواه الذاتية. وفي البداية والنهاية فإن هذه المواد الدستورية تنفي علناً من المواطنة مواطنين لا يدينون بدين الدولة الرسمي وتخلع عنهم رعايتها وخروجهم من دستورها بما يترتب على ذلك من حقوق. و الملحظ الهام هنا أن جميع الدول العربية تضع هذه المادة في صدر دساتيرها فيما عدا لبنان ، وبالطبع السعودية لأنها بلد بلا دستور أصلاً كذلك ليبيا لأنها جماهيرية لا دستورية.
ورغم الدقة المتناهية المفترضة في الدساتير بحيث تكون تعريفاتها ومفاهيمها مانعة جامعة تامة ، فإن دستورياً وكذلك الدساتير المشابهة تنص على أن (الإسلام) هو الدين الرسمي ، دون تحديد أي إسلام بالضبط هو المقصود. كما لو كان الأمر يعني إسلاماً واحداً معلوماً لدى الجميع ، أو قل إن التحديد متروك للموقف المذهبى للدولة الذي لا يعترف بغير الإسلام السني بالذات ، كنتيجة لتصور وجود إسلام واحد تكفي الإشارة إليه ، هو وحده الصحيح عند ظهور أي اختلافات أو ألوان أخرى للإسلام ، إسلام واحد وحيد أحد هوا لصح المطلق تكفي الإشارة إليه بكلمة الإسلام. وهو بدوره ما يستبطن طائفية من لون آخر ، طائفية داخلية ، تستبعد أي إسلام آخر غير رسمي ، طائفية أنكى وأمر تنفي عن المواطن مواطنته إذا دان بغير إسلام الدولة ، وهو ما وجد صداه في المطاردة الأمنية للشيعة المصريين واعتقالهم في أكثر من مناسبة ، ناهيك عن تجريم ألوان أخرى كالبهائية أو القاديانية وإنكار إسلامها عليها رغم اعتقاد أصحابها أنهم على إيمان سليم ، وبينهم يمكنك أن تجد الحجة ونقيضها ، لأن الأمر في النهاية هو اختلاف في الفهم والتفسير لأن النصوص لا تنطبق بذاتها بل تحتاج لمن يفهمها ويطبقها من البشر ، وهنا لابد أن يظهر الخلاف ، وهو الأمر الطبيعي السهل البسيط المفهوم ، لكن مع مواد الدستور يصبح أي خلاف هو جريمة. ثم يعني في مقام آخر احتمال أكيد بفساد أي أحكام تصدر على أساس ديني ، ولا يبقي حسم أي دون آخر سوى لمن بيده سلطة القرار ، حيث يصعب التأكد واليقين أن رأياً أو فهماً أو حكماً بعينه قد أصاب كبد الحقيقة أو أنه حقق مراد الله من نصوصه أو أنه اطلع وحده دون الناس على المقصد الإلهي.
والأمثلة على استخدام هذه المادة سلاحاً مرجعياً بيد البعض دون البعض كثيرة ، فقد كانت حجة في محاكمة كاتب هذه السطور على واحد من مؤلفاته في محاكمة مشهودة ، حاز فيها البراءة مما نسبه إليه المجمع الأزهري فقط بما أدلى من رأي وفهم وتفسير وشروح دينية تخالف ما ذهب إليه المجمع ، وفقط لأن حجته كانت أكثر إقناعاً وأعلى كعباً من حجج سادة المجمع وسدنته. وتفصح هذه المادة الدستورية عن قدرتها على تفعيل نفسها في مظالم فادحة في محاكمات أخرى تمر بكل ظلمها دون التفات أو اهتمام ، في القضايا التي يكون أحد الطرفين مسلماً والآخر غير ذلك خاصة في قضايا الأحوال الشخصية ، يتم فيها هدم القانون المدني لصالح مواد الدستور الصدر وهدر حقوق المواطنين لصالح الدين الرسمي.
انظر مثلاً الشيخ محمد حبش عضو لجنة الإفتاء يفتي بتاريخ 30/3/99 في صحيفة عقيدتي قائلاً : ?إن الأولاد يتبعون خير الأبوين كما هو مقرر شرعاً ، فإذا كانت الزوجة مسلمة ولا تعرف شيئاً عن زوجها ، وظهر أنه بهائي كان الأولاد تابعين لأمهم? و عملياً قيل في أحد الأحكام أن المسلم هو الشخص الشريف وغير المسلم يفتقر إلى الشرف ، وذلك في إنهاء حضانة أم قبطية لابنها عندما أسلم زوجها. وفي أحكام أخرى ألغيت وصاية أب قبطي على ولديه عندما أسلمت الأم وجاء في قول المحكمة : ?بتعين أن يتبع الأولاد الدين الأصلح والإسلام هو أصلح الأديان? (أنظر نماذج لتلك القضايا 2473/53 السيدة زينب و17/61 استئناف إسكندرية و 462/58 محكمة الإسكندرية الابتدائية).
هذه فقط أمثلة سريعة لا نقصد الحصر توضح كيف وضعت مواد الدستور الإسلامية أسساً تشريعية لمعاناة مواطنين مصريين فقط بسبب عقائدهم. ولا شك أن مواد تؤسس للنظام الطائفي وتكرسه ، تجعل هذا النظام عاجزاً تماماً عن مواجهة الفساد على كل المستويات ، لأنه إذا كان الفساد السياسي أو الإداري هو عملية تحويل العام لصالح الخاص ، فإن الطائفية بهذا المنظور تصبح المؤسسة الأم للفساد وتشريعه ، لأن النظام عندما يكون طائفياً يمكنه إيجاد كل المبررات الممكنة للفساد ، لذلك لا يحرص على تأكيد الطائفية والإصرار عليها سوى المستفيد من الفساد. هذا ناهيك عن تعارض بنود الدستور الإسلامية مع مواد أخرى بالدستور تؤكد على المساواة في الحقوق بين المواطنين بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة ، وهو تناقض منكور مستنكر يهز القيمة العليا للدستور وينقص منها.
هذا إضافة إلى تناقض هذه المواد الدستورية الإسلامية مع ما تعهدت به مصر الدولة ووقعت عليه في ميثاق شرف أمام العالمين ، أقصد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص في مادته الثانية على ?أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العقد باحترام الحقوق المعترف بها فيه ، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها ، دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب. وتتعهد كل دولة في هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد ، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضرورياً لهذه الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.
هذا بالطبع إضافة إلى تناقض المواد الإسلامية بالدستور مع الشائعة التي تعلنها الدولة عن كونها دولة مؤسسات ديمقراطية ، لأن أساس المبدأ الديمقراطي هو المساواة التامة بين المواطنين فما بالك بحق المواطنة. والمضحك المبكي هنا أن تحوز إسرائيل شرف اعترافنا بدولتها والتطبيع معها بينما ملايين المواطنين المصريين تقف هذه المادة دون الاعتراف بهم مواطنين على سواء مع بقية المواطنين ، وتحول دون التطبيع بين عناصر المجتمع وبعضه.
وعلى مستوى الخلاف السياسي أو الفكري فإن هذه المواد ترفع في وجه المخالف كحجة تشكك في ولاء الخصم للوطن كنتيجة لعدم ولائه للدستور ، انظر معي مثلاً الأستاذ فهمي هويدي في كتابه (المفترون) الذي كرسه للرد على من احتسبهم علمانيين ، قد استخدم هذه الحجة في هذا الكتاب وحده ست مرات حسبما أحصيتها ، نموذجاً لها ما جاء ص 31 قوله : ?إنهم يدافعون عن أحكام الدستور والقانون التي تنص على كفالة حرية الاعتقاد والتفكير وهو موقف نقدره ونحترمه ، لكننا نذكرهم بأن هناك مقومات أساسية للمجتمع ونظاماً عاماً مقرراً في الدستور يثبت بجلاء أن للدولة ديناً رسمياً هو الإسلام. ومن ثم فإن كل ممارسة يجب أن تحترم دين الدولة احتراماً للنظام العام للمجتمع?.
وعليه يقول في ص 272 : ?ما إذا كان لكل نظام أساسه الذي ارتضته الأمة وأثبتته في دستورها فمن حق النظام أن يمنع هدم ذلك الأساس. . إن كل تيار سياسي يحترم عقيدة الأمة ويلتزم بنصوص الدستور المعبرة ، .. أما أهل التطرف العلماني المخاصمون للدين فلا مكان لهم في إطار الشريعة ، إذ أنهم لا يهددون عقيدة المسلمين وحدهم لكنهم يهددون الإيمان ذاته?. . ثم يتمادى إلى تخوين مسلمين دينياً ووطنياً عندما يقول ص 115 : ?عندما يكون الوطن جريحاً والأمة مهزومة فإن تشتيت الجهد في الصراعات الداخلية الفكرية أو العرقية أو الطائفية لا يمكن أن يوصف إلا بأنه خيانة للأمة وجناية على الوطن والأمة?. . أن الأستاذ فهمي يعيدنا مرة أخرى إلى زمن ?لا صوت يعلو فوق صوت المعركة? !! ثم لا يمل من استخدام هذا المبدأ الدستوري كحجة دامغة ضد أي مختلف داحضاً مخوناً مكرراً في صفحات 66 و71 و 108 و 272. . إلخ.
و رغم أن كاتب هذه السطور يعلن بالفم المليان وكله شرف أنه علماني حتى النخاع ، فإنه لم يرتكب مرة تخوين من خالفه الرأي ، لأن ذلك ليس من شرف العلمانية ، وبحسبان علمانيته كان شديد الحذر في كل ما يتعلق بالوطن والناس فلم يشارك مرة في مؤتمر مشبوه ولا تعامل مع أي مواطن عليه علامات استفهام ، فإن الأستاذ فهمي هويدي بعد انكشاف الدور الأمريكي في تسخين الحالة الإسلامية ، يقول لنا فيما يبدو معتذراً أو خجلاً : ?إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد مولت في عام 1987 وحده أكثر من 120 ندوة علمية عن الصحوة الإسلامية. . وقد أثار ذلك لي مشكلة شخصية ، لأني شاركت في أكثر من 15 ندوة تحت ذلك العنوان ، وكانت لي في بعضها أبحاث لا أعرف إلى أين تسربت ولآي هدف وظفت؟?. .!! ورغم ما يبدو هنا من تورط واعتراف ، فإن الأستاذ فهمي يكيل السخائم دوماً على كل مخالف ليضعه تحت لافتة العلمانية التي يبدو أنه يكن لها كراهية ومقتاً عظيماً ، بالتخوين الوطني والتكفير الديني.
مرة أخرى نعود نسأل:
أي إسلام تقصده مواد الدستور ، أو كل من ينادي بعودة الإسلام الأصلي؟
هل هناك إسلام أصلي؟ يجب علينا العودة إليه بعد طول بعاد بحسبانه الكمال التام المطلوب لخلاص الأمة والعباد؟
سيجيبنا هنا أحد البارزين بتنظيم القاعدة (أبو حفص الموريتاني) ليؤكد لنا أن هذا الإسلام الأوحد الصحيح الأصلي موجود بل ومطبق أسلم تطبيق في نظام طالبان الإسلامي الأفغاني المخلوع (الجزيرة في 30 / 11 / 2001) ،
هذا بينما يرى الدكتور عبد الله التركي أمين عام رابطة العالم الإسلامي أن الإسلام الحقيقي الأصلي موجود ومطبق في النظام السعودي (الجزيرة في 25 / 11 / 2001).
ورجال الأزهر عادة ما يقومون بمهمة تقديم الإسلام الصحيح في مواجهة إسلام المتطرفين ،
وجميع الدول العربية والإسلامية تعلن أنظمتها الحاكمة بكل ثقة إن إسلامها الرسمي الدستوري الصحيح الأصلي هو المطبق فعلاً بعد قول.
ورغم ذلك فما أبعد المسافات بين الإسلامات في هذه الدول والأنظمة ، وما أبعد القول المعلن عن الواقع السافر. . مما يشير إلى خلل أصيل في حكاية الدين الرسمي والإسلام الأصلي ، ويطرح السؤال نفسه : هل ثمة ما يمكن تسميته إسلاماً صحيحاً مطلقاً أصلياً؟ وإذا كان ذلك كذلك فماذا إذن كل هذا الاختلاف والتناقض؟
يبدو لنا أن الحديث عن إسلام حقيقي أصلي إنما يندرج ضمن خطابنا المخادع المخاتل الكاذب حتى على الذات ، لأنه لو كان هناك إسلام واحد تتطابق كل العقول في فهمه على التوازي والتجاور والتطابق ، ما أفرز هذا الإسلام ذاته فرقاً وشيعاً وطوائف كل منها ترى نفسها الإسلام الصحيح وتنبذ ما عداها من فرق وتكفرها وترفضها بوصفها بدعة وضلالة ، وتحتسب ذاتها الفرقة الوحيدة الناجية دون سواها ، الناطقة باسم الإسلام الصحيح الأصلي لذلك هي المؤتمنة على الرسالة والحقيقة والحارسة لهما ، ومن ثم تطالب الناس باتباعها لأنها تضمن لهم الخلاص الصادق.
حتى على مستوى المفكرين الإسلاميين نجد ذات النغمة المخادعة ، فهذا الأستاذ هويدي في كتابه المذكور أنفاً ، يأتي بقول الأستاذ محمود العالم : ?إن الأسلمة لا تعني أن يصبح النص الديني من قرآن وحديث مرجعاً وحيداً بذاته للسلطة والمجتمع والعلم. إذ لا سبيل إلى ذلك ، إنما يتحقق ذلك بالضرورة بقراءة النص وتفهمه وتفسيره وتطبيقه وفق هذه القراءة ، وهكذا تصبح القراءة الخاصة لدعاة الحركة الإسلامية هي المرجع الذي يحتكر تطبيق الإسلام?.
بدلا من أن يتفق الأستاذ هويدي مع هذا الكلام البسيط الواضح ، فإنه لا يقبل إي اختلاف مع لوحته الخلفية عن الإسلام الحقيقي الأصلي ، فيرد قائلاً : ?أيهما أقرب إلى الصواب : أن نحاكم الإسلام بممارسات المنسوبين إليه فندمغه وندينه ثم نستعيده ، أو أن نحاسب هؤلاء بقيم الإسلام وتعاليمه? ، وإذا سألناه عن هذا الإسلام المقياس المعياري الذي سنحاسب به الفهم المغلوط كفهم المتطرفين ، فإنه يرد بأنه ?الموقف الصحيح والفهم الصحيح للإسلام والمصدر الأساسي الذي يرجع إليه في تحديد موقف الإسلام هو القرآن والسنة النبوية الصحيحة / ص 91 / المفترون?. . لا تجد بين يديك شيئاً بعد أن شرح الماء بالماء ، فلا أحد يختلف على مصادر الدين المدونة ، والمصادر شيء ، وتعدد الأفهام حولها شيء آخر لا يعترف به الأستاذ فهمي. مع الأخذ في الحسبان أن مسألة العثور على الاتفاق بين المسلمين حول السنة النبوية الصحيحة مسألة دونها خرق القتاد ، بل إن القرآن نفسه محل تفسيرات خلافية حادة ، لأن النص لا يفعل بذاته إنما يخضع لقراءة عقول مختلفة ومفاهيم متباعدة بحسب الأوضاع الاجتماعية للقارئين ، واختلاف البيئات والفروق الزمنية والمعرفية فكل واحد يفهم النص بحسب مصالحه ورغباته ومطامعه والأيدولوجيا التي ينتمي إليها.
و تاريخينا يحدثنا عن الاختلاف حول القرآن ونصوصه بعدد المدارس الكلامية من معتزلة إلى أشاعرة إلى ما تريديه إلى مجسمة إلى مشبهة إلى منزهة إلى معطلة إلى مرجئة إلى صفائية ، كما اختلفت المذاهب في القراءة والفهم والتفسير والتطبيق والتأويل باختلاف المذاهب الفقهية ، وفي الفقة تجد مناهج تتباعد ما بين الرأي والاجتهاد والنص والسمع والإجماع والاستحسان والاستصحاب ، بل هناك إسلامات معلنة لها اتباع كثر ، تتباعد رؤيتها وفهمها لدرجة النقيض إزاء النص الواحد ، فهناك السني والإثنى عشر والإسماعيلي والأباضي والأزيدي والزيدى ، وهناك إسلام العوام وإسلام الخواص وإسلام الفقيه وإسلام الفيلسوف ، مما يعنى أن لا وجود لإسلام واحد حقيقي أصلي يمكن اعتباره إسلام الدولة الرسمي ، إلا في النص المكتوب في شكل أحرف وحبر وورق ولون ، أما عدا ذلك فمختلف باختلاف الأفهام لأنه لا يفهم بذاته بل بالقارئ ، بالإنسان ، لذلك ستجد حتى على مستوى الأفراد أن لكل واحد إسلاماً يختلف عن الآخر قليلاً أو كثيراً ، بل أنك يمكن أن تجد عند الفرد الواحد أكثر من إسلام حسب الظروف والمواقف التي ينتقل فيها من النقيض إلى النقيض ليقوم بتشغيل الإسلام لصالحه لنكتشف إنه يؤمن بإسلامين أو أكثر حسب الأوضاع المطلوب فيها انتهاز الدين وتخديمه للمصلحة والمنفعة ، أو لحسم خلاف أو سجال.
ويمثل الأستاذ هويدي في كتابه المذكور أكثر من إسلام يصل كل منها إلى حد مناقضة الآخر ، ومثال واحد لذلك عندما وقف الأستاذ موقفاً يستدعي منه إبراز الاستنارة والاعتدال ، فرأي الإسلام الحقيقي لا يعرف أكليروساً ولا مشايخ ولا وساطة بين العبد والرب ، بل رأى أن الإسلام الحقيقي هو في هدم سلطة رجال الدين ، وذلك في قوله : ?لقد كان محمد عبده أصدق تعبير عن حقيقية الإسلام حين أعتبر قلب السلطة الدينية هو أصل من أصول الإسلام. . ولم يدع الإسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطاناً على عقيدة أحد ولا. . سيطرة على إيمانه / ص 93