غرافيتي الجدران من باسكيات إلى باندو في معرض باريسي

العرب

الضغطية من باسكيات إلى باندو هو عنوان معرض يقام حاليا في بيناكوتيكا باريس، ويقدم لوحات من الغرافيتي على القماشة لحركة ?الضغطية? من 1970 إلى 1990، وهي حركة لم ينصفها التاريخ الرسمي للفن بربطها خطأ بفنون الشارع، وخاصة ?التاغ? الذي لا يخرج عن معناه الأصلي ?توقيع شخصي?.

المقصود بالضغطية هو فن الغرافيتي، آخر الفنون التصويرية البارزة في القرن العشرين. والعبارة مستمدة من اليونانية غرافاين، ثم من الإيطالية غرافيتو ومعناها الكتابة والرسم.

كانت البداية محاولة للبحث عن أجمل خط ممكن، وسرعان ما تحول الخطاطون إلى رسامين خطوطيين، يشتغلون على دفاترهم بحثا عن الصيغة الأجمل لتشكيل رسوم من حروف متشابكة يخضعها كل فنان لأسلوبه الخاص، مستعملا رشاشة السوائل الملونة، وتقنية تقوم على تخير المسافة وسرعة الأداء وطريقة مسك الرشاشة والضغط على كبسولتها لتحديد أبعاد الخطوط، من حيث سمكها وكثافتها.

والحركة لا تستمد تسميتها من ضغط الرشاشة وحده، بل من الضغط المسلط على الفنانين، سواء فيما بينهم، حيث عادة ما يلتقون ضمن مجموعة ثم يتبارون في تحقيق ?مأثرة? يقوّمونها معا على عين المكان، ويسندون إلى أصحابها ترتيبا تفاضليا، كانت الغاية منه بلوغ المرتبة الأسمى والحصول على لقب ?الكينغ?.

الغرافيتي تمثلت بداياته في محاولة بعض الرسامين البحث عن أجمل خط ممكن، وسرعان ما تحول الخطاطون إلى رسامين

وأيضا من ضغط المدينة وفضاءاتها الواسعة التي تفرض على أعمال الغرافيتي أحجاما أكبر فأكبر، وعلى أصحابها رهانات لا تنتهي، منها ما يتعلق بطابع الحركة، ومنها ما يتصل باللوحة وهويتها الجمعية والفردية.

وكذلك من ضغط الجمهور المتلقي الذي تبنّى -منذ فشل معارض نيويورك في مطلع السبعينات- موقف المتاحف والصالونات وآراء النقاد، ولم يكن جميعهم يحفل كثيرا بهذا النوع الجديد من الفن. فالضغطية إذن هي فن تحت الضغط، كمصدر طاقة لهذه الحركة منذ ظهورها.

والمصطلح من ابتكار الفرنسي ألان دومينيك غالّيزيا، الذي أراد من خلاله وضع حد للخلط الحاصل بين عدة حركات فنية حديثة، عادة ما يقع جمعها تحت راية ?ستريت آرت?.

يقول في هذا الصدد: ?بوصفي مهندسا معماريا قبل أن أكون جامع تشكيلات فنية، أعتبر نفسي أول فنان من فناني الشارع، فلا جدران ولا شوارع من دون هندسة معمارية. لذلك أردت التمييز بين مختلف التيارات فأطلقت مصطلح الضغطية على فن الغرافيتي، خصوصا الجانب الأكثر طرافة وجمالية في هذه الحركة، أي الأعمال التي أنجزت على القماشة?.

كانت البداية في نيويورك مع ?الرسامين الكتاب? -كما أطلقوا على أنفسهم- عبر أعمال خطوطية، مرمزة ومرتبة بحسب أعلامها ومدارسها، وكانت أقرب إلى زخرفة تقليدية على جدران المباني وواجهاتها وفي القطارات ومحطاتها.

هذا الفن الذي يعتمد ما سموه ?الفرشة الفضائية? يتطلب ممارسة تطبيقية في فنون الشارع لا تقل مدتها عن خمس سنوات، لذلك كانوا يتدربون في العنابر والمستودعات ثم في الورش، قبل أن يبعث عالم الاجتماع هوغو مارتنيز عام 1972 اتحاد فناني الغرافيتي، الذي ضم ثلة من الفنانين مثل كوكو وفاز 2، وخاصة راميلزي (1960- 2010) الفنان المتعدد المواهب الذي جمع بين النحت والرسم الفوتوغرافي (ويقوم على المزواجة بين الصورة الشمسية والرسم بالألوان) والفلسفة وحتى الموسيقى.

وقد أصدر راميلزي عام 1982 قرصا مضغوطا بعنوان ?بيت بوب? نال انتشارا واسعا، وهو الذي كان له أيضا تأثير كبير على عدد من الفنانين من دوندي وجان ميشيل باسكيات وجايون الشهير بجاي إلى فيكتور آش وفوتورا 2000، وكان يصف فنه بـ?المتسقبلية الغوطية?.

بفضل الاتحاد وجد أولئك الفنانون فرصة لعرض الأعمال التي أنجزوها على القماشة في بعض أروقة الفنون النيويوركية

بفضل الاتحاد وجد أولئك الفنانون فرصة لعرض الأعمال التي أنجزوها على القماشة في بعض أروقة الفنون النيويوركية. ولم تعبر تلك التجربة الأطلسي إلاّ بعد قدوم طوشيو باندو إلى باريس عام 1984، حيث باشر رسومه في الحي اللاتيني، ثم في ساحة ستالينغراد، حيث دعا كبار الفنانين الأميركان والأوروبيين مثل مود 2، شو، آ- وان، جونوان، فساهم في تأسيس أول مدرسة فرنسية ضمت عدة فنانين من بينهم آش وجاي وسكي.

ولم يكن ذلك الفن وقتها يلقى من النقاد غير الاستهانة، إذ أطلقوا عليه في البداية فن الأندرغراوند، ثم نعتوه بالفن البدائي، قبل أن يقع الاعتراف به كفن متكامل له خصوصياته، بساطته مغرية بالتقليد، ولكنه لا يتأتى لكل من هبّ ودبّ. فلم تعد الأروقة ترى حرجا في استعراض بعض ملامحه.

ولما صار ظاهرة، فتح له جاك لانغ وزير الثقافة في عهد ميتران أبواب متحف المعالم الفرنسية، واكتشف الناس أن هذا الفن لا يقدر عليه إلاّ المتمرسون فعلا، فزال ازدراؤهم وامتعاضهم وصاروا يقبلون عليه كما يقبلون على الحركات الفنية الأخرى.

يقول غالّيزيا إن كل الحركات التصويرية الكبرى للقرن العشرين والقرون السابقة تميزت بظهور وسائط رسم جديدة: ?رأينا الفرشة والملعقة والسكين والملاسة، رأينا الصبغ الكثيف والألوان المائية، واليوم نرى الرشاشة، أصعب الأدوات جميعا، لما تتطلبه من مهارة، فهي في علاقتها بالفرشة بمثابة علاقة الكمنجة بالبيانو، حيث النوتة جاهزة?. من تعقيد الكتابة إلى مولد التجريد مرورا بتطور التصوير، يمسح المعرض مختلف تيارات حركة أدركت النضج في وقت سريع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..