رحلة سابقة بالقطار في السودان

رحلة سابقة بالقطار في السودان
An earlier train journey in Sudan
بروفيسور ك. م. باربور Prof. K. M Barbour
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة تعليق للبروفيسور البريطاني ك. م. باربور (والذي عمل أستاذا لمادة الجغرافيا في جامعة لندن، وفي جامعة الخرطوم لثمان سنوات متصلة) نشر في العدد الثاني عشر من مجلة “الدراسات السودانية” البريطانية والصادر في عام 1992م. والمقال هو تعليق على مقال سابق بعنوان “رحلة القطار” بقلم المدرس البريطاني بول آدمز كان يصف فيه رحلة من سنار إلى الدمازين، تجده مترجما في عدد من المواقع الإسفيرية.
المترجم
**** *********
قرأت، وبمزيج من السرور والقنوط، ما جاء في مقال بول آدمز بهذه المجلة عن رحلة بالقطار قام بها من سنار إلى الدمازين في سبتمبر من عام 1987م. ورأيت أن أحكى للقراء عن رحلة مختلفة قمت بها، حين كنت محاضرا صغير العمر، من الخرطوم لبورتسودان في عام 1952م، في ذلك العهد الذي كانت فيه بعض جوانب الحياة العامة ربما أكثر كفاءة من اليوم، وقابلة للأخطاء البشرية في بعض جوانبها الأخرى، مثلما هي عليه الآن.
لقد التحقت بكلية غردون التذكارية في يناير 1948م. وفي أول عطلة طويلة لي قمت بجولة علمية في كردفان ودارفور. وعدت بعدها للخرطوم لأجد نفسي نائبا لعميد الكلية بسبب سفر غالب الأساتذة البريطانيين في عطلاتهم السنوية. وكان من مهمات وظيفتي الجديدة (والمؤقتة) أن أوقع على شيكات وعقود وأوراق كان الموظفون أدرى بها مني! وعند نهاية أغسطس عاد آلان ثيوبولد من العطلة السنوية بإنجلترا لمكتبه بصفته عميدا للكلية فقررت أن أسافر لبورتسودان بالقطار لإحضار زوجتي وابنتي، واللتين كانتا آتيتان من إنجلترا بالبحر. وقبل سفري بوقت قليل أتاني أحد الكتبة وسألني منزعجا إن كنت قد أخذت أحد الملفات من مكتب العميد، فأجبته بالنفي ولم أعتبر للسؤال أي أهمية.
وفي اليوم التالي غادرت الخرطوم في الصباح الباكر ووصلنا إلى شندي في حوالي الحادية عشر والنصف صباحا. وما أن توقف القطار حتى جاءني ناظر المحطة وقال لي إن المستر ثيوبولد كان قد حجز لنفسه محادثة هاتفية معي لتوافق وقت وصول القطار لمحطة شندي. وكان أول ما سمعته من الرجل في المحادثة تلك، وبصوت غاية في الجفاء والصرامة، هو سؤال عما فعلته بذلك الملف، والذي لا يزال مفقودا. وأجبته بصوت مرتجف بأني لم أفعل شيئا. وهكذا انتهت تلك المحادثة غير الودية البالغة القصر.
ونسيت الأمر تماما في باقي الرحلة إلى أن بلغنا بورتسودان، حين اكتشفت أني قد وصلت قبل وصول السفينة المقلة لعائلتي، فتوجهت من الميناء لفندق “البحر الأحمر” حيث تناولت غداءً شهيا فاخرا. وكان سبب ذلك الطعام الفاخر ببساطة هو أن المستر بول تايلور مدير مصلحة المرطبات (والتابعة للسكة حديد) كان يومها في جولة تفقدية، ولجهلي ظننت أن قرديس البحر الأحمر الضخم، ولحم الدجاج البارد مع المايونيز الأصلي، وبوظة (آيس كريم) المانجو هي من الأطعمة المعيارية النهارية في ذلك الفندق!
وبعد وقت قليل وصلت السفينة المقلة لعائلتي، ولحسن الحظ قام ناظر المحطة بإضافة “عربة نوم” أخرى للقطار كي تحمل من وصلوا لتوهم بالسفينة من إنجلترا. ونعمنا يومها بسفرية مريحة لمدة 24 ساعة حتى وصلنا الخرطوم.
وفي اليوم التالي لوصولي للخرطوم أخذت زوجتي للكلية لمقابلة المدير، وعلمت لحسن الحظ أن ذلك الملف المفقود قد عثر عليه، في المكان المخصص للملفات وفي الجيب الصحيح، غير أنه كان مقلوبا رأسا على عقب (ولعل ذلك كان مصدر صعوبة العثور عليه).
وبعد سنتين من تلك الحادثة قمت في فصل الخريف برحلة مشابهة (ولكنها أقصر) من أركويت للخرطوم أخذتني عن طريق كسلا وود مدني. واستغرقت تلك الرحلة “القصيرة” ستة أيام كاملة، ولكن تلك قصة أخرى.
[email][email protected][/email]