عام من الحوار “التائه” ..!

عام من عمر الحوار الوطني تلاشت لياليه “وصباحاته” ولكن قضيته تترنح وقطارها يتلكأ فسكتة تعترضها المنحيات والتقاطعات والاعطاب والعقبات الجسام و”الحوار” لازال حائرا فلم تنجز منه النخبة السياسية قدرا او تقدما حتي ولو كان يسيرا بقدار تهدئة الانفاس الساخنة بل ان كل ما كسبته جولة الحوار في عامها “الاول” زخم من وجدل عقيم ..ومواعيد سراب وردحي يصك الاذان ويملا الافق ضجيجا وصراخا لا عائد ولا طائل منه سوي الهدر للجهد والوقت والمال ..تبددت كل الامال واتسعت “الهوة” وتباعدت المسافة ما بين اصحاب المبادرة وما بين الذين يقفون علي رصيفها .
انقضي العام وقضايانا لازالت معلقة بين “ابرية والترية” وعشم “الرئاسة” لازال في انتظار طويل يبحث عن انصار ومؤيدين وشركاء جدد يمنحونه تفويضا وشرعية اخري تبقي اهل السلطة في سلطانهم لسنوات اخري قادمة ..ولكن الذي كسبته دعوة الحوار بحسابات الربح والخسارة داخل البيت الاسلامي ان عراب المشروع الاسلامي الحاكم الشيخ حسن الترابي عادت اليه المفاتيح مرة اخري بين يديه في سطوع جديد رغم ان هذا الظهور اللافت “للشيخ” غير مصرح به رسميا او ان موعد اعلانه لم يحن بعد وبات المشهد السياسي العام تتجلي فيه افكار ورؤي ومقترحات الشيخ في محاولة لرسم واقع سياسي جديد .
وفي الجهة الاخري من عودة “الشيخ” للحلف القديم تلوح جماعة غازي صلاح الدين عبر راية “حركة الاصلاح الان” للقفز خارج اسوار الحوار حال عدم توصل لجنة “7+7” الي تفاهمات او نتائج مثمرة وعاجلة بل ان حركة الاصلاح الان تعتقد ان عمليات التقارب او المغازلة السياسية التي تجري فصولها الان بين الوطني والشعبي ربما تهدف مقاصدها لوحدة الاسلاميين في السلطة فقط من دون مشاركة الاخرين وهذا ما لا تقبله جماعة غازي طبقا لافادات الاستاذ حسن رزق نائب رئيس الحركة “للانتباهة” فهي تظن “اي الحركة” ان هذه الوحدة تصب في صالح اطالة امد الحكومة الحالية وفي ذات الوقت هي خصما علي وحدة السودانيين كافة واجهاضا لفكرة الاصلاح الشامل ..ويبقي السؤال الحائر ..هل فعلا اوفت الحكومة بالتزاماتها تجاه عملية تهيئة المناخ السياسي ؟ ام ان الاخرين هم الذين تماطلوا ..؟
“غضبة” الخرطوم ..!
من جديد تنبعث خيوط الدخان من تحت الرماد المتراكم والذي خلفته نيران الحرب الاهلية التي اشتعلت واشتد اوارها بين شقي الدولة السودانية شمالا وجنوبا منذ التمرد الاول في توريت 1955 وتطاولت ازمانها عبرالحقب السياسية التي توارثت الحكم منذ ذلك التاريخ مخلفة المزيد من الحرائق والانهيارات والدمار وبين حقبة واخري ظلت هذه الحرب تتجدد وتتمدد في الرقعة السودانية بوسائل وادوات وقناعات جديدة ..واسواء ما في هذه الحرب خصوصا في مرحلة ما بعد الانشطار الذي اصاب جغرافية السودان القديم ان المناخ الذي يسبق الحرب تتوجس فيه المكونات السياسية وتتوتر الاطراف وتشل حركة الاقتصاد وتسمم اجواء الدبلوماسية تماما كما هو حادث الان بين دولتي السودان وجنوب السودان ولان اي حرب لها خسائر ومكاسب فانه ايضا لها ايضا من “ينفخون” فيها ويصبون عليها الزيت وما اكثر هؤلاء من تجار الحرب الباحثين عن مصالح وغنائم اما الذين يحاولون اطفاء هذه الحرائق فهؤلاء لا حيلة ولا قدرة لهم تكافي القوة التي تدفع في اتجاه خيارات الحرب .
وبمعطيات الواقع فان ما بين السودان ودولة الجنوب الوليدة حالة يمكن توصيفها بمرحلة الحرب الباردة ومبعث هذه الحالة ان الحكومة السودانية باتت قلقة ومتوجسة من “متلازمة العلاقة” بين دولة الجنوب والمتمردين السودانيين الذين اتخذوا من ارض الجنوب منصات لاطلاق نيرانها علي حكومة البشيرويبدو ان ما قالته الحكومة السودانية بانها ستلاحق المتمردين داخل حدود الجنوب هو الذي اثار حنق الدولة الوليدة واعتبرت هذا التصريح بمثابة اعلان صريح للحرب علي الجنوب فاستدعت السفير السوداني بجوبا وطلبت منه تفسيرات او تبريرات لهذا التصريح “المفجع” حسب فهمها , ولهذا فان القاموس السياسي والعسكري بين الدولتين يبدو انه ملئ بمثل هذه التصريحات فكم من التصريحات التي اطلقها قادة الجنوب بانهم سيدخلون الخرطوم نهارا ناهيك عن المدن والمناطق الاخري التي تقع علي تخوم الحدود مع دولة الجنوب وليس بعيدا عن الذهن ذلك التصريح الذي كان قد اطلقه نائب رئيس الجمهورية وقتها الحاج ادم يوسف ابان عملية تحرير منطقة “هجليج ” من قبضة الجيش الشعبي في العام 2012 حينما قال ” اننا سنفتش هجليج «مكتب مكتب وآلة آلة وجهاز جهاز»، ولو فقدنا “إبرة” سوف نجيبها من جوبا ” .
صحيح ان الخرطوم تأزت كثيرا من حالة الود والعلاقة “الحميمة” بين المتمردين السودانيين ودولة الجنوب ولكن ليس من المنطق الراشد ان تصل غضبة الخرطوم للحد الذي يجعلها تلاحق هؤلاء المتمردين داخل حدود دولة اخري رغم انها دولة منتقصة السيادة وتتلاعب بها ايادي خارجية ولكن صحيح ايضا ان هناك اعراف وشرائع دولية لها منطقها الاخر ربما لن تقبل بمثل هذه النهج ..فهناك من يتحينون “الفرص” .
الفرح في زمن “الاحزان” ..!
تسعة وخمسون عاما هي عمر الانعتاق وخروج السودانيين من حضن المستعمر “الانجليزي ” الي دنيا يحكمون فيها وطنهم ويفرضون ارادتهم ولكنهم تاهوا كثيرا في مستنقع الازمات والخلافات السياسية والحزبية فضلت الحكومات الوطنية المتعاقبة طريقها فانتكست قيمة “الاستقلال” وسقط مشروع الحكم الوطني في تلك المستنقعات حينا “يضنون” وحينا يتجنون عليا وباتت الذكري يتيمة واليمة رغم قيمتها السياسية والوطنية والتاريخية لكن الاحزان تتمدد فينا والجراحات تدمي وتتعمق في بلدنا . والادهي والامر من كل ذلك ان بعض الاطياف من النخبة السياسية وقواها الحزبية تتحفظ علي هذه الذكري بل دعت الي ايقاف كافة اشكال الاحتفاء بهذه الذكري الوطنية فكانما هي مبعثا للاحزان او ماتما “قوميا” اكثر من كونها عظة واعتبار ووفاءا لاؤليك الرعيل الاول الذي انجز الجلاء والاستقلال والسودنة .
وبالامس حاولت محلية الخرطوم التصالح مع تلك الذكري فهي صاحبة “الدار” في محاولة منها لاحياء الذكري واعلاء قيمتها وفاءا واخلاصا لجيل الحركة الوطنية الاولي ولان محلية الخرطوم التي تحتضن ذلك البرلمان في حدود جغرافيتها كان لزاما وواجبا عليها ان تكافي هذه الذكري المجيدة بكل ما تستحقه في عملية بعث جديد لمواقف السودانيين تجاه قضاياهم المصيرية .
ويبدو ان ابلغ رسالة اطلقتها محلية الخرطوم عبر قائدها “اللواء عمر نمر” ان الاحتفاء بهذه الذكري ليس حقا حصريا لمجموعة او جهة سياسية محددة ولكنهم كما قال ارادوا بها خطابا لكل الالوان السياسية والحزبية حرصا منهم لاتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن مكنونات ذكري الاستقلال وقيمتها كل يحتفل بما يراه ويعتقده لا حجر علي فرد او حزب او طائفة او مجموعة او تنظيم سياسي لان الاستقلال حق ومشروع وطني لكل سوداني انجزته كل المكونات السودانية في ذلك التاريخ هكذا كانت الرسالة التي ارادتها محلية الخرطوم واحتفت بها كرنفالات ..وتمجيدا وتذكيرا واعترافا بجهد ومجاهدات لرجال سابقين حملوا الوطن في “حدق العيون” بزلوا المهج والارواح في سبيل هذا الحق . ولكن اقصي ما يمكن ان تقوم به محلية الخرطوم قد فعلته بالامس حيث استنفرت كل قواها الادارية وتنظيماتها الشبابية والطلابية ومنظمات المجتمع المدني في كرنفال حاشد انطلقت به من نقطة التقاء شارع القصر بشارع الجمهورية في ذلك رمزية تاريخية لهذه الذكري وانطلق الكرنفال غربا ناحية البرلمان الذي انبعثت من قاعته انسام وافراح الاستقلال في العام 1953 وهو الان “المجلس التشريعي الحالي لولاية الخرطوم” ومن هناك اتجه الحشد ناحية حدائق السادس من ابريل ولهذه ايضا رمزية اخري لتنطلق اولي حفلات الفرح المعتق بذكري الاستقلال لتشمل كل انحاء الخرطوم .

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..