
رغم الوعود المتكررة ، وإقرارهم بفشل انقلابهم ، ورغم توقيع الاتفاق الإطاري من قبل العسكر ، بات واضحا، أن الانقلابين لا يرغبون في تسليم الحكم للمدنيين ، وأنّ العسكر غير جادين في العودة إلى الثكنات ، أحياناً يبدو للمتابع أنهم متوجسون من مآل رؤوس الانقلاب ، وأحياناً يتراءى للمراقب ، أن اللجنة الأمنية ، الحاكمة “انقلابيا” بأمر الحركة الإسلامية ، لا تملك شيئا من أمرها ، ناهيك عن طرب رأس الانقلاب الفريق البرهان ، لنصائح المخابرات المصرية المنغمسة في الشأن السوداني بصورة غير مسبوقة، بضو أخر من البرهان.
بينما يرى التكتلات الراديكالية، أن الاتفاق الإطاري ، مخطط لمخرج آمن للعسكر ، فإن الانقلابين ، طفقوا يضعون شروط اعتباطية وأخرى شبه تعجيزية للتنصل عنه ، دعونا نسبر أغوار المعطيات الماثلة لنرى هل بإمكانهم ركل الإطاري والاستمرار في الحكم؟ .
· التحديات مالية والاقتصادية
الكل يعلم أن خزائن د. جبريل شبه خاوية على عروشها ، وهو يرفع أكف الضراعة للخالق الرازق ، أن يمطر عليه من السماء ذهبا وفضة (غير ذهب حليفه الانقلابي أرودول) ، يغنيه عن استجداء الصناديق النقدية الدولية ، المؤصدة في وجهه. استطال دعائه ، واستطال صفوف موظفي الدولة المنتظرين صرف رواتبهم المستحقة.
وزير المالية يستجدي التجار ورجال الأعمال دفع الضرائب ، لصرف رواتب الموظفين ، ودافعي الضرائب ، ينتظرون رواتب الموظفين ، لسداد الضرائب للدولة ، والوزير غارق في عصف ذهبي لفك لغز هذه المعادلة . هذا تلخيص مبّسط للتحديات المالية الماثلة ، وبالتأكيد أنّ الأزمة المالية ، ستتفاقم إن ركب العسكر رؤوسهم ، وتراجعوا عن العودة للثكنات.
عليهم أن يحسبوا ألف حساب لتوقف دولاليب العمل في الدواوين الحكومية ، وقد يتوقف مسبك صك العملة ، في أية لحظة ، وأن تنفد الإمدادات الطبية والصيدليات من الأدوية المنقذة للحياة ، ويتوقف الدعم للسلع الضرورية ، عليهم أن يحسبوا ألف حساب لتبعات ذلك على مجمل الأوضاع المعيشية ، المرتبطة بتلابيب الجريمة العامة (9 طويلة من العيار الثقيل).
· الحراك الثوري
إن انسدّ الأفق السياسي ، وبلّت قوى الحرية التغيير ـ المجلس المركزي الاتفاق الإطاري وشربت “مويته”، بلا شك أن هذا المآل ، سيولد طاقة إيجابية للشارع الثوري ، وتسلم زمام المبادرة للراديكاليين ، وتتعطش القوات الأمنية، وكتائب الظل مجددا لإراقة الدماء ، وبكل تأكيد لن يكون للعسكر قِبل بمليونيات لجان المقاومة في العاصمة والأقاليم.
· المواجهات العسكرية المحتملة
استمرار الانقلابين في سدة الحكم ، في ظل الصراع المتصاعد بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لن تكون نزهة ، سيما في ظل تعزيز تمكين الإسلامين ، المتربصين بقائدها حميدتي ، الذي يرونه خائن ، خرّب سلطانهم الآفل بغير رجعة ، وفي ظل الاستقطاب الحاد للبرهان ونائبه حميدتي لسلاح الحركات المسلحة على وهنه.
· الضغط والحصار الدولي
يعتبر الحصار الدولي المطّبق على نظام البشير ، أحدى العناصر الأساسية في سقوطه جزئيا في ابريل 2019م ، كان وقتئذ منظومة الإنقاذ أفضل بكثير مالياً ودبلوماسياً من الوضع الحالي ، حيث كانت لديها منافذ دولية ، تسمح لها بالتنفس ، أما الآن ، هنالك إجماع دولي وإقليمي غير مسبوق على ضرورة خروج الجيش من المشهد السياسي ، وأن سيف البند السابع لم يوضع في خمده منذ تنفيذ الجنرال البرهان انقلابه الفاشل في 25 أكتوبر 2021م.
باعتراف نائب قائد الانقلاب “الفريق” حميدتي ، أنهم وقعوا الاتفاق الإطاري ، مرغمين لا أبطال ، وبعد اعترافه مؤخرا بخطئه في المشاركة في انقلاب الـ 25 من أكتوبر ، واعتذاره للشعب السوداني عنها، ليس واردا استمرار هذا الانقلاب إلاّ على جثته وجثة أخيه عبدالرحيم ، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلاّ بانقلاب آخر ، بلاعبين جدد . ناهيك عن التحديات الأخرى المشار إليها. آخذين في الاعتبار ، أن المساند الوحيد تقريبا للبرهان ، هو السيسي مصر ، والذي يريده أن يستمر في الحكم ، بمعزلٍ عن الإسلاميين ، وهذا محال بالطبع ، لأنه منهم وبهم.
