قمة ترامب – كيم.. مواقف متذبذبة و معاضل لوجستية

القمة المرتقبة بين ترامب و كيم في 12 يونيو بسنغافورة تواجه شد و جذب من الطرفين ، فمنذ اعلان كيم موافقته علي الالتقاء بترامب ، استبشر الجميع خيرا ، و كابراز لحسن النوابا تعهد كيم بتفكيك المنشآت النووية فتنفس الطرف الاخر الصعداء ، ثم عقدت لقاءات مكوكية لكيم مع الصينين و الكوريين الجنوبين تمهيدا للقمة ، لكن الامر الذي ازعج بيونج يانغ هو قيام واشنطون بمناورات عسكرية مشتركة مع سيول ، هذا الموضوع نتج عنه ارتفاع سقف التشاؤم من قبل الكوريين الشماليين و تهديديهم بالانسحاب من القمة علي الرغم من تأكيدات وزير الخارجية الامريكية لبيونق يانغ بعقد القمة و عدم الالتفات للمناورات العسكرية ….

في الوقت الذي يجري فريق دبلوماسي امريكي محادثات في كوريا الشمالية للاعداد لقمة محتملة ، فان ترامب قد اعلن عن الغاء القمة المقررة بسبب ما وصفه ” بالعدائية المتصاعدة من جانب كوريا الشمالية ” ، وهدف المحادثات هو تحديد أجندة القمة المزمعة ، بين ترامب وكيم ، لكن بعد ذلك بيومين تغيرت لهجة ترامب وقال في تصريحات صحفية الجمعة إنه يرحب باللهجة التصالحية في بيان كوريا الشمالية ردا على قراره إلغاء القمة في وقت سابق ، مضيفا أنه لازال مرحبا بإجراء المحادثات مع زعيم كوريا الشمالية ، سنرى إلى أين يقودنا، ربما إلى رخاء وسلام طويل ومستدام كما نرجو ، الضغوط من جانب واشنطون علي بيونغ يانغ ستحمل الأخيرة للعودة الي طاولة المفاوضات هي فكرة تقوم علي كثير من الطموح و التفاؤل خصوصا في وجود بومبيو في الخارجية الأكثر اهتماما بالقمة و علي النقيض منه بولتون مستشار الامن القومي الأكثر تشددا الداعي الي فرض مزيد من العقوبات ….

الصين يمكن ان تستغل الوضع للعب دور الراعي الأساسي الجديد في الدبلوماسية ، و الحال انه بابعاد كوريا الشمالية من الولايات المتحدة فيمكن ان ان تتسبب في دفع كيم للعودة الي أحضان بكين ، و هنا يمكن القول ان الصين تستفيد من التأرجح في المواقف لانها تحمل مفاتيح فرض العقوبات و العودة الي المفاوضات ، و قد يستخدم هذا النفوذ ضد ترامب للحصول علي تنازلات في مفاوضات التجارة و مجالات اخري . و الخطر الأكبر هو ان يفقد ترامب نفسه الاهتمام بالدبلوماسية مع كوريا الشمالية حيث انه قد يشعر بالإحباط و ربما خلص ان افضل فرصة للحصول علي جائزة نوبل للسلام تكمن في مكان اخر ، زخم ترامب الشخصي كان يحرك العملية برمتها بسرعة كبيرة جدا ، و ابطاؤها قد يقلل اهتمامه ….

الضغوط الداخلية علي ترامب هي المشكلة الكبيرة فالمتشككين في القمة اقنعوا ترامب بان اخطار الدبلوماسية لا تعادل قيمة الجوائز الواقعية المتوقعة ، لكني اعتقد ان المشكلة ليست مع السياسات و انما مع طريقة تنفيذها و ترجمتها في ارض الواقع . الامر الاخر هو ظهور اراء خصوصا وسط الديمقراطيين “بانه ما كان ينبغي ابدا ان نضفي الشرعية علي نظام منبوذ قبل ان ترسم حدود واضحة أولا ، ترامب بموافقه المتغيرة كل لحظة بالتسرع بالموافقة علي القمة ثم كونه الطرف الذي قرر الانسحاب ، فانه يجب ان يدرك انه قد يضعف الولايات المتحدة الان و يزيد من عزلتها ” ، الديمقراطيين يضغطون علي ترامب لاعتماد استراتيجية حازمة و عدم تبديد فرصة تاريخية و بالتالي عدم تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية مالم يتم نزع السلاح النووي بصورة تامة ، لذا أي اتفاق يخفف العقوبات عن كوريا الشمالية ، سواء ضمنيا أو بصراحة لقاء أي شيء غير الالتزام بواجب تفكيك ترسانتها النووية و الباليستية بصورة يمكن التثبت منها ، فانه سيكون اتفاقا سيئا ، لذا هم يشددون علي وجود استرتيجية حقيقة للتوصل لسلام ، في نفس الوقت يرون ان يكون ترامب مستعدا لمغادة طاولة المفاوضات ، ان لم يكن من الممكن التوصل لاتفاق ….

الان يتواجد فريق من الولايات المتجدة يضم عسكريين و مدنيين في سنغافورة للتنسيق مع الجانب الكوري الشمالي و حكومة سنغافورة لانجاز التحضيرات الاخيرة للقمة المرتقبة ، تجري التحضيرات اللوجستية علي قدم و ساق حيث يحاول الفريقان التغلب علي بعض العقبات ، ظهرت ثلاث معاضل لوجستية تم التغلب علي اثنين و يجري التنسيق لحل الثالثة ….

المعضلة الاولي تمثلت في الجهة التي تتحمل تكاليف اقامة كيم و الوفد المرافق له في فنادق سنغافورة ، حيث ان بيونغ يانغ طلبت بأن يدفع بلد اجنبي فاتورة الاقامة للرئيس و الوفد المرافق له ، الولابات المتحدة موافقة علي خيار دفع تكاليف اقامة كيم ، لكني اعتقد ان هذا الامر لن توافق عليه بيونغ يانغ لانه يمكن النظر اليه علي انه اهانة لكوريا الشمالية ، لذا من المتوقع ان تتحمل الدولة المستضيفة للقمة ( سنغافورة ) دفع تكاليف اقامة كيم و الوفد المرافق له ….

المعضلة الثانية تمثلت في فندق القمة و الاعلام ويبدو ان الفريقين اتفقا علي مكان عقد القمة ، في فندق كابيلا في منتجع جزيرة سينتوسا و و هذا الاختيار لنواحي امنية و لسلامة الوفود نظرا الي ان الموقع هادئ و معزول عن المحيط ، و هنا يتضح سعي الجانبين الي عزل مكان القمة عن الاضواء و تطفل الاعلاميين ، لكن وسائل الاعلام قد تثير متاعب لدي الفريقين و خصوصا مع سعيها المحموم للوصول الي اي معلومة اثناء القمة المرتقبة ، حتي تكون سبق صحفي في قمة القرن ….

المعضلة الثالثة الطائرة الرئاسية التي ستقل الوفد الكوري الشمالي الي سنغافورة و هذه مشكلة كبيرة تواجه القمة ، فالطائرات قديمة تعود الي الحقبة السوفيتية ، و هذا الامر قد يشكل مجازفة بسبب طول الرحلة حيث تبلغ المسافة 4800 كلم ، للخروج من هذه العقبة فان هنالك اقتراح بان تقدم دولة اخري طائرة حديثة لتقل الوفد ، و من المحتمل ان تتكفل بكين بهذا الامر باعتبارها الحليف الاستراتيجي لكوريا الشمالية ، عموما حتي اللحظة لم تحل هذه المعضلة لكن مازال هناك وقت للوصول الي حلول ….

جمهورية سنغافورة موقع قمة القرن المرتقبة الاسبوع المقبل بين ترامب و كيم ، فهي تقع في جزيرة في جنوب شرق اسيا ، و تعتبر اكبر مركز مالي في العالم ، لذا فهي تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد العالمي
بسبب موقعها الاستراتيجي بالرغم من صغر حجمها كجزيرة . اختيارها كموقع للقمة و من ثم الموافقة عليها من قبل الجانيين كان لعدة اسباب علي الرغم من ان التوقعات كانت تنصب نحو سويسرا لكن لاعتبارات كثيرة تمت الموافقة علي سنغافورة ، و من اهم الاعتبارات تميزها بعلاقات جيدة جدا مع واشنطون و بيونغ يانغ ووجود سفارات للدولتين بها ، الجانب الاهم هو الناحية الامنية المستقرة باعتبارها اكثر مدينة امانا في قارة اسيا ، بالاضافة لوجود قيود صارمة علي وسائل الاعلام و التجمعات العامة و هذا الامر تفضله كوريا الشمالية ، من جانب اخر تعتبر سنغافورة دولة محايدة تتسم بسياسة خارجية متوازنة ، لكل هذه الاعتبارات تم تفضيلها علي اماكن اخري تاريخية لمثل هذه القمم التي قد تغيير مسار التاريخ العالمي . و هنا يجب الوقوف علي الجانب الرسمي و الاهتمام الشعبي و استثمار القمة من جانب سنغافورة و التكثيف الاعلامي للحدث الهام ، قالعقلية الاقتصادية تذهل العالم وذلك بعد ما كشفت دار سك العملة في سنغافورة النقاب عن ثلاث قطع نقدية تذكارية يتم اصدارها بمناسبة عقد القمة التاريخية ، و يأتي اصدار القطع المعدنية باعتبارها ” خطوة بالغة الاهمية بالنسبة للسلام العالمي ” بالاضافة الي دور الدولة المضيفة كمحايد و بوابة اقتصادية امنية بين الشرق و الغرب ، و هنالك ايضا عروض من المطاعم في سنغافورة بابتكار وجبات جديدة تحمل اسم ترامب و كيم ، و هذا ان دل انما يدل علي الاهتمام بالحدث و الاريحية في استقبال الوفود ….

تبقت ايام قلائل علي القمة و حتي هذه اللحظة تسير الامور بطريقة ممتازة في كل المواقع ، الجميع يضع اللمسات الاخيرة في بلد يتميز بالهدؤ و النظافة في انتظار لقاء اقل ما يوصف بانه عاصفة ، اجندة القمة كثيرة لكن الاهم هو تفكيك الترسانة النووية في كوريا الشمالية و هل سوف يكون هناك حافز عالمي بانعاش الاقتصاد الكوري الشمالي المنهار ، هنالك حديث بان الوجود العسكري الامريكي في كوريا الجنوبية لن يكون في اجندة القمة ، فهل سوف تقبل بيونغ يانغ بهذا الامر ، الامور شائكة و الخطوط متقاطعة فهل سوف يكون هنالك تأثير روسي صيني مشترك لمناصرة كيم حليفهم ؟ ام سيترك الامر لقبضة الكابوي الذي يجيد التصويب بالمسدسات ، هذا ما سيترقبه العالم الاسبوع القادم ….

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..