أخبار السودان

أيام ياسين عمر الإمام وحلول ?ساعة الحقيقة? للحركة الإسلامية في السودان

د. عبدالوهاب الأفندي

1) نعى الناعي يوم الاثنين الماضي الشيخ ياسين عمر الإمام، أحد رموز الحركة الإسلامية في السودان وأحد رعيلها الأول، ومن القلائل منها الذي ظل يحظى باحترام وقبول من قبل كافة أطياف الحركة السياسية رغم حدة الخلاف التي مزقت النسيج السوداني وعصفت بعلاقات أطرافه. وقد كان هناك ما يشبه الإجماع على الإشادة بخصال الراحل، وخاصة صدقه وصراحته وقربه من عامة الناس.

(2)
يعتبر الشيخ ياسين حالة نادرة في الجيل الأول من الحركة السودانية. فهو ينحدر من أسرة من العلماء ورجال الدين، ولكنه التحق مبكراً بالحزب الشيوعي السوداني والحركة العمالية ونشط فيهما قبل أن يلتحق بالحركة الإسلامية. وما زال يحتفظ بعلاقات طيبة مع رفاقه السابقين من زعماء الحزب. وكان ياسين حاضراً في الحدث التأسيسي الأهم في?تاريخ الحركة، وهو ?مؤتمر العيد? في عام 1953، الذي تبني اسم ومنهج حركة ?الإخوان المسلمين?، وأدى إلى أول انشقاق لرافضي هذ التوجه ممن أطلقوا على أنفسهم ?الجماعة الإسلامية? ثم ?الحزب الاشتراكي الإسلامي? فيما بعد. وكان كذلك أول كادر متفرغ.

(3)
رغم أن ياسين كان دائماً في قمة قيادة الحركة منذ نشأتها، وقد تولى منصب نائب الأمين العام للجبهة القومية الإسلامية عند تأسيسها وحتى انتقال ذلك المنصب إلى علي عثمان محمد طه في عام 1988، إلا أنه كان أقرب القيادات إلى قواعد الحركة وإلى عامة الشعب. وكان يستخف بالمناصب وشاغليها، ولا يخاطب الزعماء أو يذكرهم إلا باسمهم الأول. وكان حاداً في صراحته ودائم الانتقاد للجميع. وفي المقابل كان بيته قبلة الجميع، وكان رحمه الله موطأ الأكناف، يصل إليه من شاء بدون حجاب أو وساطة.

(4)
حين وقع الانشقاق الكبير في الحركة الإسلامية عام 1999، سعى ياسين في أول الأمر لمعالجة الخلاف، فكان أحد أعضاء ?لجنة رأب الصدع′ التي تصدعت بدورها فانحاز رئيسها للنظام فأخل بدوره في نظري، بينما انحاز ياسين إلى معسكر الترابي. ولا يعني هذا في حد ذاته فضلاً على من سواه، لأن الطائفتين كما لم أمل من التكرار- كانا ولا يزالان على خطأ، لأن أيا منهما لم يجر مراجعة جادة لأخطاء الماضي. ولكن الانحياز إلى المعسكر الخاسر كان له ثمن فادح، وهو خيار لا يتخذه إلا أهل العزائم والقناعة الصادقة. وفي نظري أن ياسين اختار هذا الموقع تحديداً لأنه فادح الكلفة، لأنه اشتهر بأنه يأخذ نفسه بالشدائد والعزائم، ويحض الآخرين على ذلك، ويرفض دائماً المواقف المائعة والمهادنة.

(5)
ولكن ياسين أقرب قيادات الحركة إلى التأمل والمراجعة والاعتراف بالخطأ، حيث ذكر في مقابلة إعلامية مشهورة ونادرة نشرت في صيف عام 2007 أنه أصبح يستحي من أن يدعو حتى أفراد أسرته وأحفاده للانضمام للحركة الإسلامية بعد أن ضعف أداؤها وفقدت بوصلتها الأخلاقية وتمزقت أشلاء تشتعل بالحقد ضد بعضها البعض. ولكن للأسف لم يقدم الشيخ ياسين ولا غيره من أهل الصدق بديلاً، وإنما تركوا الساحة لمن وصفهم بأنهم أصحاب الأحقاد يتناحرون على الساحة، ويسيئون كل يوم أكثر للحركة الإسلامية التي تنتحر كل يوم عدة مرت.

(6)
عرفت الشيخ ياسين عن قرب منذ عقود وكان كل لقاء معه يبعث السرور في النفس، رغم أنه كان كثيراً ما يقسو على جلسائه في العبارة، دون أن يثير ذلك حساسية عند ?ضحاياه? لأنهم تعودوا منه الصراحة. وقد سعدت بصحبته في الحج في صيف عام 1992، حيث سمعته يخاطب حشداً من السودانيين المغتربين فيقسو عليهم حتى لكاد يتهمهم بخيانة الدين والوطن لبقائهم خارج البلاد، ويدعوهم إلى العودة إلى وطنهم بدون تأخير للمشاركة في بنائه. ولم يغضب أي من الحضور لهذه الشدة في الخطاب، وإنما جادلوه بالتي هي أحسن وانتهى اللقاء كما هي العادة بمزيد من المحبة والمودة والتقدير.

(7)
كان آخر لقاء لنا مع ياسين في منزله العامر بضاحية الثورة في أم درمان قبل حوالي عامين في صحبة الابن (العاق أحياناً) د. محمد الأمين عثمان، حيث كانت وطأة المرض اشتدت عليه، وكان يعاني من آلام مبرحة، ولم يكن يغادر بيته إلا لماماً. ولكن بشاشته وحسن وفادته لم تنقص مثقال ذرة، حيث جلس معنا طويلاً يحاورنا في ما آلت آلت إليه أمور البلاد، ويسأل عن شأننا الخاص وحال الأسر. وعندما علم أنني كنت مشغولاً بدراسة عن أزمة دارفور، قضى وقتاً طويلاً يقدم النصائح والمعلومات عن المصادر والشخصيات التي يفيد الالتقاء بها.

(8)
يضع رحيل ياسين الحركة الإسلامية السودانية أمام تحد جديد، لأنه بغياب الرموز التي كانت تذكر إلى حد ما ببعض ماضي الحركة المشرق، وتمثل بعض الاعتدال والمواجهة الصريحة مع الذات، تجد الحركة نفسها أمام صورة في مرآة الذات تخلو من أي مساحيق تجميل. ولم يعد يكفي تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك في ما آلت إليه أحوال الحركة والبلاد، فالكل مسؤول ومساءل أمام الله تعالى: مرتكبو الكبائر ومقارفو الخطأ والخطايا مساءلون، وممالئوهم ومناصروهم مساءلون، والصامتون مساءلون، والمنتقدون باللفظ دون تحرك من إنكار المنكر إلى إزالته مساءلون. فلا بد من ثورة عاجلة يشترك فيها الجميع لاقتلاع المنكر وأهله، ورحم الله من بادر وألقى بأول حجر.

(9)
في رثائه للفقيد ذكر الشيخ الترابي بمثالية الحركة في أول عهدها حين قال: ?لم نكن نحلم بأن تكون لنا دولة?، بل كان الاعتقاد بأن تلك مسيرة تضحيات بلانهاية، وكان ياسين من السباقين لاقتحام مواقع التضحيات. وقد عبر الترابي عن كثير منا حين أشار إلى أن رحيل ياسين (الذي يقاربه في العمر) قد جعلنا نشعر بمواجهة شخصية مع الموت أكثر من رحيل أي شخص سبق. ولعلها، كما يقال ?ساعة الحقيقة? وعلامة اقتراب الحساب. وربما هي أيضاً الفرصة الأخيرة لكثيرين منا حتى يتم تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح، فهذا شهر التوبة والرجوع إلى الله.

القدس العربى

تعليق واحد

  1. هل شارك وخطط ودبر لمؤامرة اذهب للقصر رئيسا وساذهب للسجن حبيسا؟
    فنحن لن نعفو اونغفر ابدا لكل من دبر لانقلاب الكيزان المشئوم لانه دمر بلادنا وقسمها وشرد شعبنا وافقره وقتل الاف من ابناء هذا الوطن وافسد اللحمه الوطنيه
    ونهب اموالنا وعذب من عذب في بيوت الاشباح وفُصل الالاف من وظائفهم وقُطعت ارزاق بحجة التمكين
    ثم تريدون منا ياكيزان ان نعفو عنكم بمجرد موتكم بدعوي اذكروا محاسن موتاكم واننا في شهر رمضان ! وهل ذكر محاسن الموتي يُسقط عنها الذنوب؟
    تريدون ان تضحكوا علينا بالدين مرة اخري هيهات هيهات فماعدنا نأكل من هذا الدجل
    فمن عاش منكم فالقصاص ينتظره ومن مات فان الله شديد العقاب وسنقف بين يدي الله جميعا لنشكوكم جميعا علي مافعلتموه بنا وبوطننا باسم الدين
    اللهم عليك بتجار الدين اللهم انهم قتلونا وعذبونا ودمروا بلادنا فاصبحنا جائعين فقراء في بلادنا وتائهين مشردين في بلاد العالم
    اللهم انهم فصلوا من خالفهم من اهلنا واخواننا وقطعوا ارزاقهم اللهم انهم شقوا علينا فاشقق عليهم اللهم اقتلهم بددا ولاتبقي منهم احدا

  2. فعلا كما قال أخى/ خالد حسن أعلاه فلن نغفر ونعفو لمن كل من شارك وعاون فى أجهاض الديمقراطية لأن ذلك قد جاءنا بالشر المستطير.وأن لم يكن/ يس عمر الأمام مشاركا فى ذلك فنسأل الله له المغفرة والسلوان.

  3. من سذاجة اهل الاسلام السياسى انهم يعتقدون ان الله سبحانه وتعالى يوم البعث سيحاسب فقط من ( دق ) المسمار الصدئ فى جمجمة الشهيد الدكتور على فضل فى بيوت الاشباح الاسلاميه فى الوقت الذى كان فيه الزعيم ياسين مسؤولا كبيرا فى المجلس الوطنى الانتقالى ..يشرع لديمومة المشير البشير فى السلطة ويملكه السودان وشعبه ليفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل ..

  4. * الله يرحم يس عمر الإمام.
    * لكن الحركه الإسلاميه لم يكن لها”ماض مشرق” ابدا كما تقول يا الأفندى.
    * الحركه الإسلاميه السودانيه جزء من تنظيم عالمى ماسونى منغلق و متشدد. رفع شعار الدين بهدف الوصول للسلطه، و قد كان. لكنه ايضا يحمل جينات فنائه فى احشائه و انت تعلم ذلك يا “الأفندى”.
    *و حال وصولوها المشؤوم للسلطه فى السودان، بدات فى تدمير البلاد و العباد بصوره ممنهجه و مدروسه، فاوصلتنا لما نحن فيه اليوم. تنظيمكم الماسونى قتل بالملايين و عذب و شرد و ظلم وسرق و افقر وافسد و قسم البلاد و العباد، و كذب و نافق و مشى اعضاؤه فى الأرض عتوا. انت منهم يا “الأفندى”، فهل يمكنك نكران هذه الجرائم البشعه فى حق الدين و الوطن.

    + ارجوك لا تستفزونا اكثر، و انتم ليس منا و لا تشبهونا يا الأفندى.

  5. غفر عما سلف هي الخلت الكيزان يعملوا انقلابهم ويبهدلوا الناس قبل البلد ومن تجربتي الاستمرت لمدة باعمار ناس مافي كوز كويس كلهم زفت وخبثاء ومداهنين وهل قريتوا الكتبه ياسين عمر الامام يوم اعلان نميري تطبيق الشريعة عن بكاه وتزكره لعهد الصحابة ومنو الزكره عهد الصحابة جعفر نميري.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..