مقالات وآراء

إعدامُ “الخوف”!!

علي يس

•        .. ولو كنتُ نظاماً حاكماً ، لكان أول ما أفكِّرُ فيه أن أحكُمَ شعباً قويَّاً …
–         و كيف  تُودَعُ القُوَّةُ في أفئدة الشعوب؟ بالتدريب العسكري؟ بتعريضها إلى المشقة في المعاش؟ بتغذيتها جيداً بالأطعمة الغنيَّة ؟ ؟..
–         لا .. يتعليمها  أن تقولَ لي أنا – الحاكم –  : (لا) ، حين تكونُ (لا) هي الكلمة المناسبة…
–         كلهم يقولون ذلك .. كل الحكام يزعمون أن شعوبهم حرَّة في أن تقول لهم “لا” ، وكلهم يؤكدون أن شعوبهم لم تقلها لأنها لم تجد سبباً لقولها !!..
–         لأنهُم ، كلهم ، يخافون الشعوب القوية ، ولأنهم ، جميعهم ، يظنون أن الشعوب قاصرة تحتاج إلى من يتحدث باسمها و من يفكر لها و من يرعى مصالحها و يحميها من حماقاتها !!..
–         و لماذا تكونُ أنت استثناءً ؟ لماذا تظُنُّ أنك وحدك الذي لا يخاف الشعب القوي ؟؟..
–         لأنني عشت حياتي كلها في خانة “الشعب” ، وأعرِفُ أن مصارع جميع الحكام تصنعُها الشعوب الضعيفة الخائفة ، و ليس الشعوب القوية الواثقة !!..
–         أتزعُمُ أن شعوب مصر و تونس و ليبيا ، و أخيراً السودان ، حين صرعت مبارك و بن علي و القذافي ، ثم البشير، كانت شعوباً ضعيفةً   و “خائفة”؟؟..
–         قوَّة الشعوب الحقيقية  لا تتبدَّى في خلعها حُكَّامها و لا في قتلهم أو حبسهم .. القوة الحقيقية ، يا شيخ ، هي قدرة الشعوب على الاحتفاظ بحُكَّام “مؤدبين” ، يحكُمونها  بإرادتها ، و لا يجرُؤون على احتقارها ، ويلتزمون بالقانون رغم أنوفهم ، و يذهبون – حين يذهبون – بشرفهم و إرادتهم و “موافقة” الشعب!!..
–         و ماذا تفعلُ الشعوبُ الضعيفةُ الخائفة ، إذاً ؟؟
–         تلجئها ردَّات فعل “الضعيف الخائف” و غريزة ” حُبُّ البقاءِ” ، التي أودعها الخالق في كُلِّ حيٍّ ، حتَّى في أدنى الحيوانات مرتبة ،  تلجئُها إلى اليأس ، واليائس يستطيع بعد يأسه أن يفعل الكثير ، ولكن دون وعيٍ مكتمل ، ودون اعتناءٍ بإجابة السؤال الجوهري : ثم ماذا؟؟ .. لقد انتحر البوعزيزي في تونس ، يأساً ، فتبعهُ الشعبُ التونسي في مغامرةٍ  انتحارية ، ذهبت بـ”بن علي” في فورة غضبٍ يائس ، ولكن لم يكُن أحدٌ منهم يدري ، حتى ساعة فرار بن علي ، من الذي سوف يحكم تونس ، وكيف؟؟.. القوة التي أعنيها  لو كانت توفرت في الشعب التونسي ، لما اضطرَّ إلى خلع بن علي ، بل إلى إلزامه الجادَّة ، و قهره على النظافة منذ أول يوم .. الشعب المصري بلغ به الخوف والرعبُ من بشاعة نظام مبارك حد اليأس ، كل فردٍ فيه قال : (و ماذا يُمكنُ أن يحدث لي أكثر من هذا؟).. لا أحد من الثائرين كان ينظُرُ إلى ما هُو أبعد من رحيل مبارك ، بل وقتله أو  محاكمته إن أمكن ، أما المستقبل ، فأمرٌ متروكٌ للقدر .. لولا الضعفُ والخوفُ لما تمكن مبارك من فعل ما فعل حتى يتم طردُه!!.. و الليبيون لم يخرجهم على القذافي إلا الخوف بل الرعب ، من رجلٍ يمكن أن يفعل أي شيء بأي أحد .. قتلوه ، نعم ، و لكن لم يكن أحد منهم قد فكر في السؤال الجوهري : ثم ماذا بعد؟؟؟..  و في السودان لم يكن المرء يأمن على حياته في أية لحظة في ظل نظام قام بتوجيه  البندقيّة المشتراة بمال الشعب لأجل حمايته ، قام بتوجيهها إلى صدور أصحابها الحقيقيين .. لم يخرج الشعب إلا الخوف على حياة أبنائه الذين حصدهم رصاص جهاز أمن البشير و مليشياته لمجرد خروجهم في تظاهرات سلميّة ..
***               ***                 ***
•        في ظلِّ نظام البشير ، لم أكن  أنزعِجُ لشيءٍ انزعاجي لحال موظفين وموظفات ببعض مؤسسات الدولة ، ابتلاهُم الله بمديرين فراعنة وفاسدين ، في ظل نظام ربط وجوده نفسه بالفساد ، قال لنا بعضُهُم  أنَّهُ اضطَرَّ –  بأمر المدير – إلى مخالفة كل اللوائح ، إلى تمرير الفساد من تحت يديه ، دون أن يجرؤ على الكلام ..
–         لماذا لا تجرؤ على الكلام؟ لماذا لا تبلغ الجهات المختصة؟ لماذا تكون شريكاً في الفساد؟؟
–         لأنني “خائف”.. لأنني لا أثق في “حماية” تلك “الجهات المختصة” من غضب المدير ، سوف ينقطع رزق أولادي ، وربما لفقوا لي تهمةً ما ، والمؤكد دائماً هو أنني سوف أُطرد من عملي ، وأتشرَّد .. هل تعرفُ “فلان”؟ .. لقد تصوَّرَ أنَّ اعتراضهُ على “توقيع” يُبارك فساد مديره ، هُو واجبٌ مقدس .. ولكن رعايتهُ هذا الواجب المقدس أفقدهُ وظيفته ، هُو الآن متشرِّدٌ كلما تقدم للعمل في مكانٍ ما ، سبقتهُ إلى هناك نقمة المدير ذي الصلات الواسعة ، و تحذيره من توظيف “أفعى”.. هُو الآن قابعٌ في بيته ، يعاني الفقر والذل ، و يعاتب نفسه كيف لم يلجأ إلى (فقه الضرورة) فيحافظ على وظيفته ورضاء مديره الفاسد !!.. هل تعرِفُ “فلانة” .. لا .. دعك من هذه ..

•     و اليوم ، يبدُو أن  (استراتيجية) الاستعانة بسلطان الخوف ، ما يزالُ أنصارُها بين “نصف الحكومة الممسك بالبندقية” كُثر..
•         كم هو بشعٌ أن يكون الحاكمُ الأعلى صوتاً والأكثر مهابةً هو (الخوف).. !!!
•        لو كُنتُ نظاماً حاكماً ، لما رضيتُ أن أحكُم شعباً خائفاً ..
(المواكب)

علي يس
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..