ابوعركي البخيت

بجانب منتزه ناشونال مول في العاصمه واشنطون اقيم النصب التذكاري لحرب فيتنام. يتكون من جدران مصنوعه من المعدن كتبت عليه في صفوف متراصه اسماء الجنود القتلي والمفقودين في الحرب. مع نهايه كل اسبوع وفي موسم الاجازات تاتي العائلات التي فقدت محبيها الي الصرح وتقف امام الحائط المكتوب عليه اسم فقيدها. كم راينا من اجداد واحفاد, ابناء وبنات, زوجات وازواج يمررون اصابعهم بحنو شفيف فوق الاسم فتندلق دموعهم انهارا, كأن مرور الاصبع علي المعدن يوازي عناق الجسد مع الجسد.
وانا طالب ثانوي في سنتي الاخيره بامدرمان في العام 1974 كنا نسكن معا. ابوعركي وانا. لم يكن الذي يجمعنا سويا المنزل الذي عشنا فيه في ودنوباوي فقط, وانما صلة القربي كانت ايضا تجمع بيننا. اما الحب فذلك شئ اخر. وعندما تقدمت السنين بطيئه وتم قبوله طالبا بمعهد الموسيقي والمسرح كانت تلك ايام الفرح الكبير. فاصبحنا صديقين حميمين يجمعنا الصالون الانيق, والبيانو قابعا بكل شموخ في ركن قصي. وعشنا سويا تفاصيل بخاف, جبل مره, امدرمان, ,عن حبيبتي انا بحكي ليكم وواحشني.
كان عندما يحضر اليه خليل اسماعيل وتبدا مناقشاتهم في الفن (بالنوته) يدعوني لابداء راي في الاغنيه المنوته, وكنت دائما ماقول لهم بلا وعي انني لا اعرف الفرق ولكن هنالك اغنيه تطربين بغض النظر عن كيفيه صناعتها. مالاانساه طعم التانج الذي كان يشتريه من الدكان بمبلغ خرافي عندما كنت اصاب بالملاريا فيجلس بجانبي يغطيني خوفا من زمهريرها والدموع في عينيه.
ومع مرور السنوت الطويله ونحن نبحر في محيطات الحياه كان كل مايجد رقما لي يتصل ويقول بصوت ملائكي (لو كنته ناكر للهوي زيك كنته غفرته ليك) ثم يضع السماعه.
الاسبوع الماضي تقابلنا في مقابر مدني في دافنة شخص عزيز علينا الاثنين. وكعادة اهل مدني, ذهبنا مشيا علي الاقدام الي المقابر. كان يضع يديه في كتفي ويسالني عن كل اصدقائي القدامي فردا فردا. برقته المعهوده. وقفنا امام القبر وصمت مطاطئا راسه. تاملته عن قرب ورايت الحنان والطيبه متدفقتان من علي وجهه واثار السنين تتواري خجلا. وتمنيت في تلك اللحظات ان تعيد الحياه دورتها الي الوراء. .
اليوم, رايت صورته تزين المواقع الالكترونيه امامي في حفل الدوحه, وبدون ان اشعر حجبت دموعي الرؤيا. تذكرت كل لحظه عشناها معا حتي تفاصيل حبه العذري لأمنا الحنون عفاف الصادق. رايت تلك الابتسامه الحانيه تزين شفتيه فاصابتني رعشه مملوءه بالحزن. ياعركي ياخ والله نحنا بنحبك بشكل رهيب.
في السنوات الكالحه الحزينه التي سكنتنا في الماضي, كانت كل اغاني ابوعركي (صرحا معدنيا) كتبت عليه تفاصيل الوطن واشياءه. ونحن فاقدي الهويه كل في منفاه, كانت نبضات قلوبنا تلامس صوته الحنون فيعزف الناي داخلنا سمفونيه ابديه حزينه شاركت, كل هذه المده الطويله, روحنا دهاليز الجسد.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ليلة الاحد عندما ابتداء عركي يغني جبل مره كنت معه بجسدي وطافت روحي في الذكري عندما كان ياتي الي جامعة الجزيرة قبل عشرين عاماً كيف كان حالنا وكيف كنا نستمتع بهذا الرائع لم يتغير فينا شئ نفس البهجة والروعة . غير حرمننا من رواع هاشم صديق شعرت بان هناك شئ ناقص في عركي لا اتصور كيف اكملت الحفلة من غير ان يصدح عركي باغنية الاذان ويختمها باضحكي كيف تكون النهاية .
    يعطيك العافية يا عركي وارجوا من الاستاذ هاشم صديق الا يحرم الشعب السوداني من هذه الروائع حتي توصل الروائع الي الناس .

  2. ما أروعك وأنت تسطر للصداقة بمداد من ذهب.. متعك الله بالصحة والعافية ومتع العزيز أبوعركي بالصحة والعافية وطول العمر لكما…

  3. انت رائع وكل الروعة للاستاذ القامه ابوعركي البخيت يديه الله الصحه والعافية ويحفظه رمزا .. هرما من اهرامات بلادي ….وواحشنا …

  4. التحية والاحترام للأستاذ الموسيقار أبو عركي البخيت ولأسرته الكريمة. تربعت على مكان ملؤه مودة ومحبة في قلب كل سوداني أصيل ، حفظك الله ورعاك وأطال في عمرك. شكراً د. الرازي على هذا المقال الرائع.

  5. يا لعرفانك .. أبو عركي يستحق هذا و أكثر .. شكراً لك أن أسعدتني بكلماتٍ طيبة عن شخص عظيم أحبه جما ككثير من أهل السودان

  6. كلام رقيق فى إنسان فى الرقى الفنى والإبداع الأصيل اليلامس وجدان المواطن السودانى الذى يعشق الكلمة الصادقة فى غولب إبداعية صادقة مجردة من الزيف والتملق ،
    ونشكر يا عزيزنا على هذا السطور فى حق المبدع وربنا ما يحرمنا منو ومن أعمال الفنية القيمةوالرصينة
    ويمتعك ويمتع با الصحة والعافية وطولة العمر والأعمال الصالحة وحسن الخاتمة إنه مجيب الدعاء،

  7. عركي انسان ما عادي اما فنه فهو شئ اخر ابداع و سمو.. متعك الله بالعافية ابوعركي ياانسان الفن وفنان الانسانية

  8. هو منو البشبه ابو عركي، الفنان الانسان
    خالص التحايا لابو عركي ولك يا دكتور وربنا يديم المحبة
    مع مؤدتي

  9. ابو عركي البخين ذلك الصرح الفني العظيم الذي لا تخطأه عين
    طالما حمل هموم الانسان السوداني البسيط
    ظل يقدم فنا لا يخلو من فضايا وهموم الوطن والمواطنين الكادحين
    ابوعركي البخيت انت فخر لنا ولود مدني

  10. أمس الأول ونحن جلوس في حضرة بهاء عركي وهو يعطر فضاءات الدوحة شعرت بأن قلبي ينفطر وصوت عركي يبدو متعباً وهو يغني مرسال الشوق، لم احتمل فكرة أن هزة أو ضعفاً ما قد اعتري هذه الحنجرة الذهبية ، ولكن بعد أن أحكم سيطرته على الملعب انطلق الصوت والصورة والأداء العبقري .. وعاد عركي الذي نعرف..وأكملنا السهرة العلامة..

  11. كنت مسافرا عبر مطار الخرطوم قبا 10 ايام وبينما نحن في صالة الترانزيت في انتظار الدخول لصالة البوابة مر بنا هذا الرجل القامة ابو عركي وهو مسرعا فسلم علي الجلوس ورددنا التحية وكنا نتمني لواعطانا دقيقتين من وقته الغالي لاخذ بعض الصور التذكارية معه الا انه كان مسرعا … فخر هذا الابوعركي لهذا الوطن الجميل الذي نعشق .. وشكرا لك د الرازي ابو قناية (خالي العزيز)

  12. أبو عركي فنان رائع وقامة سامقة يعبر بصدق عن أهل بلادي ومدني الحبيبة والجزيرة المروية
    أرضنا الطيبة . فيه ريحة الطين والخضرة والماء والنضارة والوجه الحسن لأهلنا الغبش الأوفياء
    نحبه ونحب فنه وغناءه ، هو منا ونحن منه ، شموخ وحس مرهف وروح فنان
    حفظك الله وحفظ فنك وإبداعك وشريكتك وأهلك
    لا يعرفك ويحفظ الوفاء إلا أهل الوفاء
    واصل عطاءك الثر فأنت أيقونة وزخراً لوطن وأهله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..