عز الدين هلالي في إفادات مهمة :عثمان حسين إبداع والكابلي ملك الأداء وصلاح مصطفى موسيقار عظيم ووردي مؤسسة فنية

اشراف / عيسى السراج

برنامج نجوم الغد يجب أن يتحول لمؤسسة ترعى النجوم

حوار : عيسى السراج

ضيفنا اليوم أكاديمي وفنان مسرحي وشاعر وأستاذ بعدد من جامعات السودان وبعض الدول الخارجية كمصر والامارات إلى جانب أنه خبير في التربية المسرحية ومستشار إعلامي لعدة جهات ثقافية..
إنه الدكتور العالم الفنان الرقيق الأديب الشاعر عز الدين هلالي.. وعز الدين هلالي من مواليد السودان كما يحلو له أن يقول دون تحديد رقعة جغرافية بعينها.. كانت بداياته مع الإبداع في المرحلة الثانوية كممثل مشارك داخل النشاط المدرسي وخارجياً في الإذاعة مع عمالقة المسرح بقيادة الأستاذ السر قدور إلى جانب المشاركة في كثير من السهرات المسرحية التلفازية وغيرها والتي كان يقدمها آنذاك المبدعان متوكل كمال وحمدي بولاد، ومن تلك المشاركات مسرحية «الرفض» من خلال دور «صادق»، حيث نال جائزة الدولة في التمثيل لمسرحية «على جناح التبريزي»، ثم «قفة» من تأليف «الفرد فرج» وإخراج محمدرضا حسين، ومسرحية «الرفض»، كما أشرنا سابقاً هي من تأليف وإخراج حسن عبدالمجيد.. واستمر هكذا إلى أن شغلته الدراسات الأكاديمية عن التمثيل، ولكن يبقى الشعر الغنائي معه دائماً لا يحتاج للتفرغ.. هلالي شاعر مجيد فنان وماهر كما يقول حسن عطية..
من أغنياته التي يتغنى بها كثير من المطربين «طبع الزمن» لود البادية وكثير من الكلمات التي تغنى بها التاج مكي والطيب عبدالله ومحمد ميرغني ويوسف الموصلي وحمد الريح، ومن الملحنين الذين تعاونوا معه الماحي سليمان والعاقب محمد الحسن.. كما غنى له سيد خليفة «شئ لله» وهي كما يقول مؤلفها لم تر النور لأنها مسجلة في أشرطة خاصة خارج نطاق الإذاعة.
محمود عبدالعزيز من الجيل الجديد الذين تغنوا له
ومن الجيل الجديد الذين تغنوا بأغنياته الفنان الشاب الراحل محمود عبدالعزيز بأغنيته «سمحة الصدف» وهي من الحان حسن صالح وأيضاً تغنى له محمود بأغنية «قربك ولا مسافتك» من الحان يوسف الموصلي وغنى له أيضاً نادر خضر «الوحيدو» من الحان الماحي سليمان وغنى له علي السقيد«سكة ندية»، كما غنى له علي ابراهيم اللحو «خايف عليك منك» وهناك أغنية للشاعر عز الدين هلالي يتغنى بها كثير من المطربين وهي «قول النصيحة» من الحان الماحي سليمان وأداء المطربة زينب الحويرص.
٭٭ ما هو أساس الأغنية السودانية؟ الكلمة أم اللحن؟
في رمضان الماضي شاهدت حلقة في قناة النيل الأزرق كان عنوانها «الكلمة أم اللحن أساس الأغنية السودانية» والمقصود بصورة أوضح هل اللحن هو أساس الأغنية أم الكلمة؟
وشارك في الحلقة كثير من الشعراء والموسيقيين والمهتمين بهذا الشأن وهم : أزهري محمد علي والماحي سليمان وشمت ودكتور عبدالعظيم أكول واسحق الحلنقي وأحمد شاويش إلى جانب ضيفنا الدكتور عز الدين هلالي.
وكان عمدة الحلقة الأستاذ محمد طه القدال وكان مقدمها المذيع المجتهد محمد عثمان وفي الحلقة دارت مناقشات طويلة أهمها رأي الدكتور هلالي الذي قال إن اللحن هو أساس الأغنية وعدم الوعي بهذه المسألة هو من أسباب تدني الأغنية، وذلك لأن الأغنية موسيقى والموسيقى لغة عالمية وهي اللغة المفهومة في كل بلاد العالم.. وكلمات الأغنية عندما تتحول من المعنى الشعري إلى المبنى الموسيقي تنتقل من لغتها الأبجدية إلى اللغة الموسيقية وهي بهذا لا تكون الكلمات التي كانت في القصيدة المكتوبة وإنما هي المعادل الموسيقي لهذه الكلمات وبقدر تحولها من المعنى الشعري إلى المبنى الموسيقي يكون استقلال الأغنية لكائن قائم بذاته بعيداً عن كلمات الأغنية في لغتها الأبجدية.. ومن هذا يتضح أن أساس الأغنية اللحن والعازفون يؤدون اللحن والمغني يؤدي اللحن وبقدر إجادة العازف والمؤدي وقبلهما الملحن يكون خروج الأغنية.
٭٭ عز الدين هلالي أغلبية
عقب الحلقة كتب الدكتور عبداللطيف البوني مقالة دافع خلالها عن الدكتور هلالي الذي كان وحيداً، وقال «عز الدين هلالي أغلبية» ومن هنا يتضح أن الأغنية في الأمور التقنية لا تقاس بالعدد وإنما لها معايير أخرى فمثلاً بعض الناس يأخدون على حسن عطية عدم المامه بما يقول من كلام متجاهلين أن هذه من أرقى مراحل الأداء والتطريب في الأغنية وهي مرحلة الذوبان في المبنى الموسيقى فحسن عطية في الغناء كان يهتم بالمبنى الموسيقي وباللحن ولهذا كان يدخل تنغيمات بصوته تعتبر جزءاً مكملاً للكلام.
٭٭ ترديد الشباب لأغاني الكبار سنة الحياة
وعن ترديد الشباب لأغنيات الكبار يقول الدكتور عز الدين هلالي إن هذا يعتبر سنة الحياة وذلك للمحافظة على الاستمرارية، ولكن من المفترض أن يسبق هذا الترديد دراسة موثقة لما أضافه الكبار، ولكن هناك محاذير في التقليد أولها أن التقليد ليس إبداعاً وإنما الإبداع في المحاكاة، وهناك فرق فمثلاً التقليد هو تقليد المظهر بحذافيره والمحاكاة أن هناك بعض الأغنيات تغنى بها الراحل محمود عبد العزيز وصل فيها لمرحلة من الأداء تفوق المغنى الأصلي الذي اشتهرت به الأغنية وهناك لا بد من تعديل بسيط فمثلاً يقولون سمح الغنا في خشم سيدو أو سمح الغنا في خشم سيدو البجيدو ، وهنا تصبح الأولوية ليست أولوية تاريخ بقدر ماهي أولوية إجادة فمن الذي أجاد وليس من الذي تغنى بها أول مرة..
٭٭ عثمان حسين هو الفنان المفضل للدكتور هلالي
قلت للدكتور هلالي هل لك أغنيات مفضلة فقال باختصار هي كثيرة جداً وخاصة أغنيات الراحل عثمان حسين بلا استثناء ومعظم أغنيات الكبار دون تحديد أسماء وكل فنان بالطبع له مجاله الذي أبدع فيه، فمثلا الكابلي ملك الأداء ولا تستطيع أن تحدد له صوتاً محدداً وبهذا تكون الكلمات هي الحلقة الأضعف في بعض الأغنيات التي كتب كلماتها ولحنها بنفسه وذلك لأنه يهتم بالأداء ويجذب المستمع بالأداء.
الفنان حمد الريح مثلاً أبدع في الأغنيات التي قام بتلحينها هو بلا استثناء.
وصلاح بن البادية هو الفنان الذي وجد حلاً للمعادلة الصعبة وهي معادلة إيجاد قالب موسيقي للأغنية وأداء يتفوق على القالب نفسه، ولحن متجاوز.
وأما الفنان صلاح مصطفى فهو موسيقار عظيم لم يستوعبه صلاح مصطفى المؤدي ولهذا ستظل أغنياته في انتظار المؤدي الذي يستطيع بامكانياته وقدراته الصوتية والأدائية الانتقال بها إلى العالمية بإذن الله.
٭٭ وردي مؤسسة فنية قائمة بذاتها.
وإما وردي فهو مؤسسة فنية قائمة بذاتها.
وأبوعركي البخيت هو أمل الأمس واليوم والغد لتطويعه للموسيقى علمياً دون أن يتخلى عن الحس الشعبي.
٭٭ المسرح لم يفصح عن نفسه
قلت له : لم تفصح بشئ عن المسرح فأجاب قائلاً : لأن المسرح نفسه لم يفصح عن نفسه في الآوانه الأخيرة.
٭٭ معهد الموسيقى والمسرح
قلت له وبمناسبة المسرح ماذا عن معهد الموسيقى والمسرح؟
فقال إن الذي أصاب معهد الموسيقى والمسرح هو ما أصاب الفنون منذ العام 9891- 0991م والآراء المتطرفة التي ظهرت حينها ، فنجد أن ذات الفكرة التي تم فيها منع الغناء من الإذاعة والتلفزيون وتحجيم المسرح هي نفس الفترة التي ظل فيها المعهد مشرداً بلا مأوى ولا سكن إلى أن قيض الله له الأيلولة بجامعة السودان وهذه مرحلة لها محاسنها ومساوئها ولكننا كفنانين نحاول الإستفادة من المحاسن في درء المساوي.
٭ جمل مفيدة على لسان الدكتور عز الدين هلالي
الملكية الفكرية لا تمنع غناء الشباب لأغنيات القدامى وإنما تقوم بتقنين هذه المسألة فهناك وسائل وسبل قانونية إن اتبعها المطربون الشباب فلن يكونوا هدفاً للمحاكم.
برنامج نجوم الغد يضع نصب يمينه المستقبل وأغاني وأغاني يضع نصب عينه قراءة الماضي للاستفادة منه في المستقبل إذاً فالبرنامجان مكملان لبعضهما البعض.
٭ برنامج نجوم الغد يجب أن يتحول لمؤسسة ترعى النجوم وتعمل على صناعتهم.
التحية لأستاذي السر قدور وبالرغم من معرفتنا لمقدراته الفنية منذ أن كنا بالمرحلة الثانوية فنقول إن ما يقدمه في هذا البرنامج لا يتجاوز 01 % من امكانياته الحقيقية التي أعرفها ويعرفها جيلي.
٭٭ ترديد الشباب لأغنيات الكبار
يعتبر سنة الحياة علماً بان عدم الوعي بان اللحن هو أساس الأغنية أضرّ بها وكان سبباً أساسياً في تدني مسيرتها.
في الختام
لك الشكر والتقدير أيها الدكتور العالم عز الدين هلالي على هذه الإفادات العظيمة.
من جانبه شكر الدكتور عز الدين هلالي صحيفة الوطن عن هذا الحوار وتمنى أن يكون ذا فائدة للوسط الفني.
وإلى لقاء

الوطن

تعليق واحد

  1. منذ بروز الموسيقار محمد الأمين في العام 1962م عبر الإذاعة السودانية من خلال برنامج (مع الأقاليم) للإعلامي الراحل حسن محمد علي تعاهد ان يكون من حملة لواء التحديث والتجديد في الفكر الموسيقي بالسودان، فتبدت جديته وحرصه من خلال سعيه لتأسيس لون أدائي ولحني متفرد ومتجاوز، مع سعي مماثل في تلك الفترة لتقديم الجديد على مستوى الأشعار أيضاً بتقديم اغنية (طائشة الضفائر) للشاعر نزار قباني والتي قد يكون تقديمها في البدايات بعضاً من المغامرة، ليسير الفنان في صعوده رغم المتاريس وأشواك الطريق التي اعترضت مسيره الغض.

    ولد الفنان محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق فى 20 فبراير 1945م ، ومنذ صغره وهو بعد لم يتجاوز الرابعة من العمر كان يدندن بصوته ويلحن بل عندما يطلب شيئاً وهو فى هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل لحن ومنذ نشأته كان متعلقاً بالفن والموسيقي وفي تحركات طفولته ما بين أهله ودار أبيه وأعمامه في ود مدني تارة وفي (ود النعيم) إحدى ضواحي ود مدني حيث الجذور، ومنذ صباه كان يهوى العزف على آلة (المزمار)، وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضى بدأ محمد الأمين بتعلم آلة العود، ويرجع الفضل في ذلك الى الاستاذ السر محمد فضل الذي درس محمد الأمين كيفية العزف على العود، وكان أيضاً مدرسه فى المرحلة الابتدائية بمدرسة الشرقية الأولية.

    بدأ محمد الامين بالتمرين المتواصل ولساعات طويلة فيما يتعلمه من استاذه السر محمد فضل، وفي هذه الفترة انتبه محمد الأمين الى اهمية دراسة علم الموسيقى وزيادة معرفته وموهبته، وبكل جدية بدأ دراسة النوتة الموسيقية والقواعد على يد الأستاذ محمد آدم المنصوري والذي كان ضمن فرقة موسيقى بوليس النيل الأزرق، ومن هنا كانت البداية الصحيحة والمستندة على العلم وبدأ بزيادة عدد ساعات التمرين وتطبيق القواعد الموسيقية في كيفية استخراج السلالم الموسيقية ومعرفة الانتقالات السليمة ما بين سلم وآخر ولساعات طويلة ينسى فيها زمن الوجبات.

    اتجاه محمد الأمين الى العلم الموسيقي واهتمامه بآلة العود ومحاولة تطبيق السلالم عليها والتمرين المتواصل بالإضافة الى موهبته الفطرية واستماعه الكثير للموسيقى العربية وخاصة أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، زاد من ثقافته وزادت موهبته وأصبح من أكثر العازفين براعة فى استنطاق آلة العود، هذه المهارة العزفية انتجت ألحاناً ظلت راسخة فى وجدان الشعب السوداني. وباختلاف منابع الاستيحاء والالهام والمعرفة ظلت مدينة ود مدني منجماً للمبدعين، فأجواؤها تتجه نحو الابداع، وملهمة وباعثة للجمال، لذا كانت الحتمية ظهور كل تلك الأسماء التي تحتشد وتلتصق بالذاكرة.. السني.. الصوفية ونارها وإيقاعها الحار وتلك القباب الخضر وجوها النفسي الباعث للسكينة. ولعل ريادية المدينة اقتصادياً واجتماعياً وإبداعياً بحسب الباحث عمر حسن غلام الله لكونها من اقدم اربع مدن في السودان ويرجع تاريخها الي نهاية النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي في عهد( مملكة الفونج (السلطنة الزرقاء 1508م ـ 1820م) حيث نشأت مدينة ود مدني في عام 1489م عندما حل الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني الذي أقام بذات بالمكان الذي توجد فيه قبته الآن والمعروفة بقبة السني. وحسب غلام الله أنه وبقيام مشروع الجزيرة في عام 1925م، أصبحت مدني مصدر جذب إقتصادي وثقافي فتداعت المجموعات السكانية من كافة أقاليم السودان بسبب حاجة المشروع إلى السواعد التي تزرع.

    وبرأيي أن تفرد فناني مدني يعود الى أنها من اوائل المدن بالسودان التي عرفت التنفيذ الموسيقي منذ اوائل ثلاثينات القرن الماضي، وذلك بقيام فرقة موسيقية أسسها عشرة عازفين هم بدر التهامي مصطفى، علي الحوري، عثمان بابكر، عبد المنعم عثمان خليفة في آلة الكمان، ومحمود محمد جادين (آلة الاورغ) وعبدو أحمد البوشى في آلة الأكورديون والأورغن ومحمد بابكر رجب في الفلوت وإسماعيل أبو السباع ( كلارنيت) والعازف الطيب عبد الله الكارب(عود).

    لذا أنتجت المدينة الكثير من الفنانين والموسيقيين ابتداء من ابراهيم الكاشف والشبلى ، عمر أحمد، وقدمت في بداية الخمسينات رمضان حسن والخير عثمان، وعند مطلع الستينات ظهر محمد الأمين وأبو عركي البخيت للتدليل على عظمة المدينة.

    يقول الموسيقي أ. د عباس سليمان السباعي: في عام 1962م ذهب محمد الأمين للخرطوم مشاركاً ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بود مدني في مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة افتتاح المسرح القومي بأم درمان، وبعد الانتهاء من المهرجان قرر محمد الأمين الاستقرار بالخرطوم وظل يمارس نشاطه مع فرقة الإذاعة، فظهرت أغنية ( وحياة ابتسامتك) للشاعر فضل الله محمد التي استخدم فيها آلة العود (صولو) في إحدى الكوبليهات، فانتبه الناس الى موهبة وبراعة عزفية يتسم بها الفنان، بالإضافة الى موهبته فى التلحين والأداء، ويزيد السباعي: لم يمكث محمد الأمين طويلاً بالخرطوم، فقرر الرجوع الى مدينة ود مدنى، هذه العودة كانت بمثابة التزود وقياس التجربة، والعودة من جديد بشكل أقوى، ويكشف أن الفنان عانى أثناء تواجده بالخرطوم ولاقى الكثير من المضايقات والمعاكسات- لم يسمها – حاله حال أى فنان ناشئ وهو على العتبات الأولى من الطريق.

    تميزت تجربة الفنان ببعد رسالي ونضالي وثوري وهو ما أكسبها عافيتها، ومميزها عن كثير من التجارب الغنائية التي دارت جلها في فلك شكوى ونجوى الحبيب وغنج المحبوبة، ليغيب الوطن والناس عن تجاربهم وسط سطوة الخصل المسدلة وأزقة الحب الضيقة وتعسيلة المحبوبة ودلالها وأجندتها الغرائزية.

    فبمثلما كانت ثورة اكتوبر بتفجرها فى العام 1964م انطلاقة للشارع السودانى، فإنها بكل تأكيد بمثابة (انطلاقة) وصرخة مبلاد للمبتدئ حينها محمد الأمين، ففي الاحتفال الذي أقيم بمدني بمناسبة ثورة اكتوبر، وبحضور الفنان محمد وردي وعدد كبير من المسئولين بإذاعة ام درمان، قدم ابو اللمين نشيد (أكتوبر 21) للشاعر الصحفي فضل الله محمد الطالب -حينها- بجامعة الخرطوم، وصاحب الفنان محمد وردي بالعزف على العود في نشيد أصبح الصبح، هذا النشيد ساهم بشكل بارز في إنطلاقة محمد الأمين وشجعه على العودة مجددًا الى الخرطوم وتسجيل النشيد، لتفتح الإذاعة أبوابها للفنان لتسجيل كل أعماله الوطنية والعاطفية.

    في الذكرى الثانية لثورة اكتوبر قدم محمد الأمين نشيد (الانطلاقه) من كلمات الشاعر فضل الله محمد:

    وفي عام 1966 جدد محمد الأمين وطنيته وانتماءه الى الوطن النيل، بتقديم نشيد قصة ثورة أو (الملحمة) للشاعر هاشم صديق، وفق لحن متعدد الكوبليهات ومتنوع من ناحية اللحن والأداء والإيقاع، وشارك في أدائها عدد من المطربين على رأسهم الراحل خليل اسماعيل، عثمان مصطفى، أم بلينة السنوسي، بهاء الدين (أب شله).

    وباعتقاد الموسيقي الفاتح حسين أن العمل يعتبر من أكبر وأقوى الأعمال الوطنية التي قدمت في السودان، وقال إنه يمكن تقديمه فى شكل عمل أوبرالي مصاحب بالتمثيل والأداء، بعد براعته في تلحينه وتجسيده من حيث التسلسل النغمي اللحني والربط ما بين الكوبليهات والانتقال من سلم الى آخر.

    تلك الفترة وما رافقها من قلق سياسي كبير بالسودان وأفريقيا وشعوب العالم الحر، خلفت حركات تحرير وثورات وأثمرت أغنيات وطنية واعية.. وكانت هذه الأغنيات تعبيرًا عن موقف مبدئي رافض وإيمان بقيم التحرر والعدالة والديمقراطية، ولم تكن عنواناً لفردية جامحة، ولا واجهة لآيدولوجيا محددة، لذا جرت عليه هذه الأغنيات الكثير من العنت والاعتقالات والاضطهاد وأدخلته في مواجهات عصية مع العصبة المايوية..

    وبرغم ذلك واصل محمد الأمين ابداعه بارتباط صميم بوطنه بظهوره بعدد من الأناشيد الوطنية والثورية ارتبطت بنضالات قومية مما قاد لاعتقاله وزميله الفنان محمد وردي فى العام 1971م عقب اندلاع الثورة التصحيحية التي قادها الرائد هاشم العطا ليزجا في المعتقل إبان قبضة الأمن المايوي المنحل، ومن هذه الأعمال نشيد (المبادئ) لفضل الله محمد:

    مبدأ الحرية أول

    لن يحور..لن يوأل

    والنظام سكة حياتنا

    مهما درب السكة طول

    الى ذلك قدم( السودان الوطن الواحد، تحية اكتوبر ومساجينك) لشاعر الشعب محجوب شريف:

    مساجينك.. مساجينك نغرد في زنازينك..

    عصافيرا مجرحة بي سكاكينك..

    نغني ونحن في أسرك..

    وترجف انت قصرك..

    ولما تهب عواصفنا..

    ما حيلة قوانينك !!!

    (الأزيرق) فنان مجدد أعاد اكتشاف إرثنا النغمي بإعادة تحميل الفكرة اللحنية الشعبية بخصب جمالي جديد وتوظيفها في بعض أغنياته (الدوبيت في صولو الخواض ) في أغنية (زورق الألحان) لفضل الله محمد مع توظيف الفكرة اللحنية لأغنية (المهيرة عقد الجلاد) في أغنية (مراكب شوق) للراحل محمد حسن دكتور باستدعاء هذه الألحان المنسية وإعادة إنتاجها من جديد.

    يرى الموسيقي د. الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في السودان المصغر- ولاية الجزيرة – وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل أهل السودان وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة، هذه النشأة والتأثر أصبحا يمثلان جوهراً أصيلاً قيماً ودينمو محركاً في شكل تأليف معظم الألحان التي قدمها محمد الأمين، فنجد محمد الأمين الذي ظهر بقوة في شكل ألحانه الوطنية والإيقاعات التي تبث الحماس في الروح والمتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني، نجده أيضاً يدخل بعض الأنماط الغنائية الشعبية المنتشرة في السودان مثل أغاني الحماسة، و المناحة، والدوبيت، بل عندما يتناول أغاني من المراحل الفنية السابقة كان يدخل عليها عنصر الإبداع الموسيقي في شكل الموسيقى المصاحبة وإدخال اللزمات الموسيقية، وكان هذا واضحاً في أغنية الحقيبة (بدور القلعة) التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبد السيد(أبو صلاح) هذه الأغنية قدمها محمد الأمين وهو في بداية حياته الفنية فى نهاية الخمسينات وبداية الستينات واشتهر بها فى مدينة ود مدني، كما قدم أغنية (جاني طيفو طايف) ( من قليبو الجافي) ( عازة الفراق بي طال).

    ويتابع حسين: فى مجال أغاني الحماسة قام بوضع اللحن لأغنية (عيال أبجويلى).. موضحاً أن محمد الأمين قام بحفظ بعض من أبيات قصيدة في مدح الأسرة بمساعدة إحدى جداته ووضع عليها اللحن المعروف على إيقاع العرضة الحماسي المميز لمنطقة البطانة.

    وأشار الفاتح لتجربة اخرى استلهمها الفنان من الموروث الشعبي، ووصفها بأشهر أغانيه المناحية وهي أغنية (غرَّارة العبوس)، التي ظلت تؤدى في لحن دائري وبسيط، فاستلهم محمد الأمين هذه الفكرة البسيطة وطورها موسيقياً وأدائياً وقدمها لجمهوره وأصبحت من أشهر أغانيه المناحية.

    ونبه الفاتح حسين إلى أن الموسيقار محمد الأمين يعد أنموذجاً للفنان الذي تغذى بتراثه واستلهم منه ألحانه، وذلك بإدخاله فن الدوبيت في بعض مؤلفاته الغنائية، مستدلاً بأغنية (جديات العسين):

    اريل شام شروق شراكي ما نشابك ..

    شام نفسك متل مسك العشاري الشابك

    ويقول إن محمد الامين أدخل عليها مجموعة من اشعار الدوبيت وبألحانه البسيطة والمتنوعة، ولم ينس حسين أغنية (زورق الألحان) للشاعر فضل الله محمد التي شهدت حوارًا مابين آلة الكمان الصولو، ومحمد الأمين في الكوبليه الأخير للأغنية، حيث تبدأ آلة الكمان وكأنها تؤدى لحناً من ألحان الدوبيت البسيطة ، ويليها محمد الامين بالدوبيت الذى ادخل عليه بعض الأبيات الشعرية من كلمات الشاعر محمد علي جبارة، يبدأ الدوبيت بمطلع (ست البنات يا اغلى من عيني) والمنتشر فى اداء الدوبيت فاستلهم منه محمد الامين فكرته فى الكوبليه الاخير من اغنية (زورق الالحان) وتابع الفاتح: الفنان لم يبتعد ايضاً عن تراثه ، بل استفاد من الأفكار اللحنية البسيطة التى تؤديها النساء وخاصة (الحبوبات) فى بيوت الافراح ، حينما استفاد من اغنية (العديل والزين) الشعبية والتى يعرفها كل السودانيين. واصفاً الفنان بالعبقري بعد استفادته مجددًا من فن الدوبيت فى اغنية (حروف اسمك) للشاعر هاشم صديق، وذلك فى شكل التأليف خاصة لدى استخدامه لكل نغمات السلم السبعة، وذلك بإدخال الدرجة الرابعة والسابعة، متابعاً ( نظرًا للعبقرية أعلاه تقبلت الأذن السودانية هذا التحديث دون نفور رغم انها تعودت على سماع الخمس نغمات) .

    شارك الفنان محمد الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية داخل وخارج السودان وقدم العديد من الحفلات فى الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة الامريكية ، وأهم المهرجانات هي المهرجان الثقافي الأول بالجزائر، مهرجان الشباب العالمي بموسكو ، المهرجان الفني الموسيقي بهولندا الى جانب عدة مهرجانات بألمانيا.

    تعتبر اغنية ( يا معاين من الشباك) الموقعة على سلم (دو الصغير)، غير المألوف للموسيقيين فى ذاك الزمان طفرة في شكل الألحان السودانية الخماسية المنتشرة والمألوفة بالنسبة للموسيقيين، فأتى لحن الأغنية على ايقاع رباعي سريع محافظاً على خماسيته وروح التحديث التي ينشدها.

  2. كانت البداية في ودمدني00تلك المدينة التي ظلت دوماً تعطي و لكنها لا تقبض00لم تستلم مطلقاً ، ربما لأن الله تعالي قد وهبها خاصية العطاء، وياله من عطاء ، حيث كان ولا يزال عطاءً يسع كل شيء ، السياسة والفكر،الطب والهندسة، الرياضة والفنون بمختلف ضروبها، وأهل الطرق الصوفية وإنشادهم اللامتناهي000فكان الكاشف وعلي المساح ، ثم عمر أحمد الذي رحل سريعاً في عمر الصبا بعد ان ترك لنا تلك الخالدة(كان بدري عليك000تودعني وأنا مشتاق ليك) ،وصاحب حنتوب الجميلة الراحل الخير عثمان ،والبقية كثرٌ، ولم تتوقف ودمدني 00فكان أبو الأمين 00هدية ودمدني لكل أهل الإبداع في السودان00وكان فضل الله محمد الذي رافق بجديد مفردات أشعاره ميلاد هذا الفنان الذي دخل الساحة وقد كان عملاقاً متسلحاً بما تحتاجه المنافسة من أعمال كانت مبهرة بحق0لذلك إعتلي القمة ولم يتزحزح عنها قيد أنملة000 حتي الآن 0

    الفنان محمد الأمين حمد النيل الإزيرق، أو كما يحلو لأهل ودمدني أن يطلقوا عليه كلمة(وداللمين) ومعجبيه أيضاً يقولون(أبو اللمين) ، نشأ منذ صغره متعلقاً بالفن والموسيقي في تحركات طفولته مابين أهله ودار أبيه وأعمامه في ودمدني تارة وفي (ود النعيم) ضاحية ودمدني حيث الجذور الأولي مرات أُخر كثيرات0 كان أعمامه من قادة العمل الوطني في رئاسة إتحاد مزارعي الجزيرة لعدة دورات قبل عقود طويلة من الزمان0 قال لنا صديق عمره الراحل المرحوم (حسن الباشا) مؤسس إتحاد فناني الجزيرة والذي إنتقل إلي رحمة مولاه في مايو 1997م ، أن محمد الأمين ومنذ في فترة صباه كان يهوي العزف علي آلة (المزمار) قبل إنتقاله إلي آلة العود ، حيث أصبح فيما بعد من أهم عباقرة العزف عليه بتفوق شديد0 وقد كان لمحمد الأمين خال يعمل رئيس حسابات بالإدارة المركزية للمياه بودمدني وهو الأستاذ(بله يوسف الإزيرق) أطال الله في عمره، وكان محمد يزور خاله هذا من وقت لآخر في العمل و قد بدأ الغناء وقتذاك وبدأ نجمه يلمع في المدينة حيث إشتهر بأغنية الحقيبة التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبدالسيد(أبو صلاح) وهي أغنية (بدور القلعه وجوهرا) والتي ظلت مرتبطة بمحمد الأمين عندما وضع لها موسيقي راقية 0 وذات مرة وجد عند خاله هذا بالمكتب الشاعر المراجع(محمد علي جباره) الذي كان يأتي من الخرطوم لمراجعة حسابات هيئة المياه بودمدني وقد علم بموهبة محمد الأمين ، فما كان منه إلاّ وأن أهدي له قصيدة كانت بمثابة جواز مرور عند سفره للخرطوم لإجازة صوته للتسجيل للإذاعة بأم درمان ، وكانت الأغنية هي ( وحياة إبتسامتك) والتي وضع لها محمد الأمين لحناً جميلاً000 وتقول بعض كلماتها:

    قبل ما أشوفك 000كنت فاكر الريد مستحيل

    كنت تايه في طريق خالي وطويل

    ليلي دون الناس كلو 00هات كلو

    من يوم ماشفتك00قلبي للدنيا إبتسم

    أشرقت دنياي 00فارق ليلي هم
    رحت أرعاك في خيالي00وبيك أحلم

    فكانت مفردات تلك الأغنية فعلاً جديدة ، وفيها إنتقاليه من النمط الشعري الذي كان يسود الساحة الغنائية وقتذاك، لذلك كانت تلك البداية موفقة جداً للفنان محمد الأمين ، وهو بمقدرته اللحنية إستطاع أن يخلق لها ذلك اللحن الذي أثني عليه الجمهور والنقاد والمطربون أيضاً ثناءً جميلاً ، لأن اللحن كان في غاية الهدوء 00مما أتاح لمعاني الكلمات أن تبرز بوضوح للمستمع ويتضح جمالها0ولاننسي هنا (الصولة) بالعود التي صاحبت ذلك اللحن حيث أنها قد أعطت الإشارة للناس أن هذا الفنان يمتلك خاصية العزف المميز لتلك الآلة مما قاده إلي إستعمال عزف منفرد في عدة (صولات) لمجموعة من أعماله الغنائية التي ظهرت فيما بعد0

    كان إنتقال محمد الأمين للخرطوم في عام 1962 م حيث كان المرحوم اللواء محمد طلعت فريد وقتها وزيراً للإستعلامات والعمل( الإعلام حالياً) وقد أشرف الوزير علي قيام مهرجان مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة إفتتاح المسرح القومي بأم درمان لكي تتنافس فرق المديريات في إبراز أعمالها علي المسرح ،وقد شاركت كل مديرية بأحسن مبدعيها في مجال الفنون والرقصات الشعبية ، حيث ظهرت رقصات الكمبلا ورقصات الجنوبيين وظهر العديد من المطربين كالفنان الطيب عبدالله من المديرية الشماليه مثلاً، فكان محمد الأمين من ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بودمدني المشاركة في المهرجان ، حيث كانت تلك المديرية محافظة كبيرة تضم الولايات الثلاثة الحالية وهي (الجزيرة والنيل الابيض والنيل الأزرق )0 وفيما بعد عُرفت بالأقليم الأوسط0 وبعد إنتهاء ذلك المهرجان إستقر محمد الأمين بالعاصمة0000و كان يسكن بأم درمان ومعه أيضاً الفنان أبو عركي البخيت الذي إشتهر بأغنية عمر أحمد في البداية(كان بدري عليك) المذكورة سابقاً، ولم يكن الطريق إلي الشهرة ممهداً أمام ود الأمين ، فصبر صبراً شديداً وإجتهد إجتهاداً كبيراً في تقديم أعمال تقنع الجمهور وترسِّخ أقدامه في ميدان الفن حيث كانت الساحة تعج بالعمالقة وقتها وكانت المنافسة ساخنة والأجهزة محدودة والمردود المادي لا يكفي حتي للقمة العيش0وعنذاك ظهرت أعماله الأولي (أنا وحبيبي) والمشهورة بإسم يا حاسدين غرامنا ، وما أجملك ، والأغنية المختفية(مسيحيه) وبالطبع وحياة إبتسامتك وبدور القلعه0

    أما شاعرنا الأستاذ فضل الله محمد فقد ظل إسمه مرتبطاً منذ وقت مبكر بتأليف الأعمال االغنائية للفنان أبو الأمين وهو لايزال طالباً ، حيث كانت فترة إنتقال محمد الأمين إلي العاصمة متقاربة مع فترة إنتقال الأستاذ فضل الله محمد من ودمدني الثانوية إلي كلية الحقوق بجامعة الخرطوم في عام 1963م ، وقد كان إنتاج فضل الله كثيفاً ومتتابعاً ، وقد شهدت حقبة الستينات كذلك إنتقال أعداد من عازفي الموسيقي من ودمدني إلي الخرطوم ، كعازف الكمان الراحل حسين عبداللهِ، ومن قبله بدر التهامي ، وبدر أنجلو، وإسماعيل يحيي (مندكورو) والحبر سليم ، وعازف الإيقاع عبدالله حبه وعلي أكرت0

    كانت من أهم ملامح تلك الفترة الخصيبة هي أعمال تمجيد إنتفاضة أكتوبر الشعبية التي كان فضل الله محمد معايشاً لها كطالب نشط بالجامعة حيث كان للشعرالوطني مكانته في تلك السنوات من حقبة الستينيات ، وكانت الجامعة تذخر بالشباب من الشعراء ، كفضل الله وسبدرات وعلي عبد القيوم وصديق محيسي ومحمد المكي إبراهيم وكامل عبد الماجد ومحمد عبدالحي ، حيث تنوعت أعمالهم الشعرية الغنائية والوطنية أيضاً 0ووقتها تباري الشعراء والفنانون في الأناشيد الأكتوبرية ، فظهر نشيد محمد الأمين الذي صاغ كلماته فضل الله محمد وهو بالجامعة طالباً والذي رافق أداؤه مجموعات من الكورال الجميل ، كانت مقدمته تقول:

    أكتوبر واحد وعشرين00ياصحو الشعب الجبار

    يالهب الثوره العملاقه00يا مشعل غضب الأحرار

    وهنا نجد أن الشاعر يصف تلك الصحوة التي إنتظمت الشعب وما رافق ذلك من أحداث إلي أن يصل بنا إلي حادثة إطلاق الشرطة للرصاص لفض ندوة الطلاب الشهيرة حول مشكلة الجنوب داخل ساحات داخليات (البركس) بجامعة الخرطوم ، والتي علي إثرها أستشهد طالب العلوم أحمد القرشي طه من قرية (القراصة) بالجزيرة ، كأول شهيد في تلك الأحداث في يوم 21 أكتوبر 1964م 0وهنا يتألق الشاعر في وصف هذا الحدث في المقطع التالي:

    من دم القرشي وأخوانه00في الجامعه أرضنا مرويه

    من وهج الطلقه الناريه00أشعل نيران الحريه

    بارك وحدتنا القوميه00وأعمل من أجل العمران

    وهذا العمل الغنائي قد أسهم في رفع إسم محمد الأمين عالياً كعمل مميز وسريع جداً يتناسب مع تلك الفترة التي كانت نشوة الإنتصار تطغي فيهاعلي مشاعر الجماهير ، وقد بدأ وقتذاك أيضاً نجم الشاعر فضل الله محمد يصعد إلي عنان السماء وسط الطلاب وفي الشارع السوداني العريض ، كما أننا في ودمدني وقد كنا وقتها في نهاية المرحلة المتوسطة هناك و عشنا أحداث الإنتفاضة في شوارع المدينة ، قد تملكنا الفخر والإبتهاج لأن محمد الأمين وفضل الله قد إمتلكا أحاسيسنا وإزدادت فرحتنا بهما كنتاج طبيعي (للإنحيازالجهوي) لمدينتـنا0

    بعد ذلك العمل أصبح الفنان محمد الأمين رقماً في ساحة الغناء العاطفي والوطني لايمكن تجاوزه بسهولة ، وهنا جاءت تلك الأغنية الخالدة حتي اليوم والتي أسماها شاعرها فضل الله محمد (الحب والظروف) وقد إشتهرت شعبياً تحت إسم (قلنا ما ممكن تسافر) فكانت بداية كبيرة جداً في تلك السن المبكرة للشاعر،ووضع لها محمد الأمين ذلك اللحن الهاديء أيضاً الذي إبتدره بمقدمة موسيقية وبمعالجة وإستخدام واضح لآلة العود ، وقد ابرز فيها آلة الكمان أيضاً في (صوله) رائعة، وحتي إيقاع الأغنية كان أيضاً مميزاً، وقد كان الشاعر يخاطب فيها (الجانب الآخر) بطريقة هادئة تشعرنا وكأنه يناقشه (بكل هدوء ورقة شاعرية) لإثنائه عن قراره في السفر حيث تقول المقدمة:

    قلنا ما ممكن تسافر00نحن حالفين بالمشاعر

    لسه ماصدقنا إنك00بجلالك جيتنا زائر

    السفر ملحوق00ولازم إنت تجبر بالخواطر

    لو تسافر دون رضانا00بنشقي نحن الدهر كلو

    مابنضوق في الدنيا متعه00وكل زول غيرك نمِلـّو

    ولقد تعمدنا هنا أن نلقي ضؤءاً كثيفاً علي أغنية ( الحب والظروف) هذه لأنها وبكل مقاييس الإبداع الفني والموسيقي تعتبر إضافة كبيرة وموفقة جداً في أعمال محمد الأمين الغنائية ، فساعدت علي تثبيت أقدامه أكثر في الساحة الفنية في منصف الستينيات0000

    وتأتي الذكري الثانية لإنتفاضة أكتوبر ، وكان يجب علي محمد الأمين أن يواصل إنجازاته في مجال الأغنية الوطنية بعد نجاح نشيده الأول الذي ذكرناه سابقاً، وكان علي الشاعر فضل الله محمد أن يقوم بتأليف إسهام جديد في تلك الفترة ، فأتي نشيد (الإنطلاقه) 000ذلك النشيد الذي كانت حماسة كلماته تجبر محمد الأمين أن يواكب لحنياً قوة تلك الكلمات ، فأخرجها في طابع لحني كان قوياً يلهب المشاعر ، وبإيقاع موسيقي يأخذ شكل المارشات العسكرية ، فكانت الكلمات بالفصحي تقول:

    المجد للآلاف000تهدر في الشوارع كالسيول

    يدك زاحفها00قلاع الكبت والظلم الطويل

    المجد للشهداء00المجد للشرفاء

    ثم تتواصل كلمات النشيد بنفس وتيرة الحماس ذاك ، إلي أن يأتي المقطع الذي يتحمل فيه الكورال الشبابي أداء الأبيات التاليه مع الفنان في قوة شديدة أعطت للعمل نكهة حماسية أكثر سخونة عندما يقول:-

    الثورة إنطلقت00شعاراتِِ ترددها القلوب

    الثورة الحرية الحمراءُ00شمسُُ لا تغيب

    الثورة التحريرُ تـُرجـِعُ00هيبة الحكم السليب

    الثورة التحريرُ للثوارِ00في كلِّ الشعوب

    الثورةُ الإيمانُ 00قاد الشعبُ في اليوم الرهيب0

    ثم تلتها أيضاً أنشودة (شهر عشره حبابو عشره) في الذكري التاليه للإنتفاضه ، وبعدها إلتقي محمد الأمين في عام 1967م بذلك العمل الإنتقائي الطويل الضخم الذي أخذ جهداً طويلاً في التلحين والإخراج ، وهو قصة ثورة أو (الملحمه) التي قام بتأليفها الشاعر الفذ (هاشم صديق ) وقد سبق لنا في هذا المجال أن تناولناها عند إستعراضنا لأعمال الشاعر هاشم الشعرية من قبل ، غير انها تبقي محطة هامة جداً من محطات إنجازات الفنان محمد الأمين 0

    أما إذا عدنا إلي الغناء العاطفي مرة أخري ، فقد أصبح الفنان محمد الأمين يجد الإقبال من عدة شعراء في الساحة الفنية مع نهاية الستينيات حيث رسخت أقدامه بالعاصمة تماماً ، يغني في إحتفالات الجامعات والمعاهد العليا، وأصبح نجم نجوم الحفلات الخاصة والعامة ، يطوف مدن السودان لينشررسالة الفن الراقي والجميل تلبية لرغبة الجمهور في الحفلات المسرحية العامة0 وهنا تأتي مرحلة الشاعر الراحل (خليفه الصادق) الذي وضع أعذب الكلمات ، فظهرت أغنية أسمر ياساحر المنظر ، وتأتي أغنية من شوفتو طوّ لنا، ويردفها الشاعر خليفه الصادق بثالثه وهي ،بعد الشر عليك0 فعند إلتقاء الفنان محمد الأمين بذلك الشاعر ، إستطاع أن يواصل معه في ثنائية أخري ، فكانت أشعار خليفه ذات نكهة خاصة أيضاً ، ووجدت إستجابة سريعة من جمهور المستمعين ، فتوالت الأغاني تملأ الساحة الفنية ، وكانت مفردات أغنية (بعد الشر) قد لاقت قبولاً كبيراً لإختلاف موضوعها في ذلك الوقت ، حيث كانت بعض مقاطعها تشارك الطرف الآخر مأساة المرض والتوعك وتتمني عاجل الشفاء ، وتقول كلماتها:

    قالوا متألم شويه00ياخي بُعد الشر عليك

    النضاره الفي شبابك00والطفوله الفلي عينيك

    والقلوب الحايمه حولك00ياحلو بتتمني ليك

    بكره تشفي وبكره تبرا00ياحبيبي العمر ليك

    ياخي 00بـُعد الشر عليك

    لم يهمل الفنان محمد الأمين أغاني التراث ، فهاهو قد أتي بأغنية (عيال أب جويلي) ،

    وهي أغنية تراثية في الفخر وقد رأيناها تمجد (سالم الأرباب ) الذي إستحق الإسم00 وأصبح ركـّازه للمرقاب0 ولكن تظل أشعار الراحل المقيم خليفه الصادق لها بصماتها الواضحة في عدة أعمال للفنان محمد الأمين 0 فإذا أخذنا مثلاً كلمات ولحن أغنية (أسمر )، نجد أن فيها تنويع جميل في المفردات وفي اللحن الذي خرج رشيقاً بالرغم من أنه ذا وتيرة إيقاعية ولحنية واحدة ومكررة ولكن فيها تطريب جميل عندما يقول فيها:

    عيونو نعسانه00فتاكه فتانه

    سهامو آسرانا00ولونو ده الأسمر

    في صوتو أحلي نغم00يشجيك إذا إتكلم

    والحكمه لو يبسم00يشجي الوجود يسحر

    أسمر000يا ساحر المنظر

    فأشعار خليفه الصادق أضافت إلي محمد الأمين نكهة جديدة في أعماله، لأنها كانت تمتاز برقة شاعرية محببة وجدت قبولاً سريعاً من الجمهور 0000

    كنت أقول دائماً ولا أتعب من القول في كل مرة ، أن شعراؤنا في السودان لديهم قدرات إبداعية هائله في نسج الشعر ، ويمتلكون خيالاً خصباً، ولكننا نواجه دائماً مشكلة المحلية في أعمالنا وإنسداد وسائل النشر أمام إنتاجنا ، حيث يقف هذا الحاجز حائلاً في طريق الإنتشار الإقليمي لتلك الأعمال علي مستوي المنطقة العربية علي الأقل إن لم يكن علي المستوي العالمي0وإذا أخذنا أي شاعر عربي سواء كان شعره غنائي أم شعر عام بفصيح اللغه أو بدارجيتها وأجرينا مقارنه مهنية متخصصة له بأشعار مبدعينا السودانيين، لوجدنا التفوق عندنا واضحاً ولا يقلُّ جودة عن الأعمال المنتشرة عربياً حالياً وسابقاً إن لم يكن أحسن درجةً ، وربما كان عدم الإستقرار السياسي الذي ظللنا نعانيه منذ الإستقلال وإلي الآن كان له الأثر الواضح في عدم وجود آليات نشر مهنية مؤثرة وقوية ومنتظمه لتسهم في نقل التجربه الشعريه السودانية إلي المصاف العربي أو العالمي0

    لم يبتعد فضل الله محمد عن الساحة الشعرية تماماً بعد تخرجه من الجامعة ، إذ ظل بين الحين والآخر تطل أشعاره ، فهاهنا نجده يهدي لمحمد الأمين تلك الأغنية ذات الموضوع الجديد ، فظهرت (أربع سنين) وقد كانت أغنية الشباب المحببه ، لكي ?تتحكر- في قلب الساحة الغنائية وتتوسط أعمال محمد الأمين وهي التي تقول كلماتها:

    أربعه سنين00شافم الحب

    الليله عيد ميلادو00ياقلب

    أربعه سنين00تجربه وزاد

    مهرجانات حُب000وأعياد

    إشتياقات00قلبي ريّاد

    إنفعالات00ليها أبعاد

    وتمر الأيام سراعاً ، لنجد محمد الأمين يفاجيء الوسط الفني بتجربه أخري من تأليف فضل الله محمد ، ولكنها هذه المره تأتي في إيقاع لحني مميز وهاديء ، وهي تتميز بمفردات أيضاً لم تُستخدم من قبل ،وهي هنا لا تصف المحبوب ، بل تتساءل في دهشه حين تقول كلماتها:

    سارحه مالك ياحبيبه؟؟00ساهيه وأفكارك بعيده

    بقرأ في عيونك حياتي00وإنتِ مشغوله بجريده

    بتقري في إيه كلميني00ياسلام مهتمه عامله

    يعني لازم تقري حسه00مقال بحالو أو قصه كامله

    كم شهور مرت علينا00فيها بُعد وفـُرقه شامله

    وأمري لله00000، وحسناً فعل فضل الله أن فوّض أمره لله حين إنعدمت به الحيله ولم يفلح في إثناء الطرف الآخر عن قراءة الجريدة ، مما يُعتبر تهميشاً له ( أو تقله عليه)0وهذا بالطبع نوع جديد في لغة التخاطب الشعرية لم يألفه المستمع السوداني من قبل ، وكانت مقدرة أبو الأمين فائقه في وضع لحن لتلك الكلمات بالرغم من صعوبة تلحينها وكان عنوانها(الجريده)0 ثم تأتي بعدها أغنية (الموعد) لكي يخترق بها فضل الله (حاجز صوت) الفنان محمد الأمين بحلو كلماتها وجديد موسيقاها الراقصة ، حيث كانت فرصة أخري لكي يبدع أبو الأمين في توظيف آلة العود التي يعشقها في وضع موسيقي المقدمه لتلك الأغنية بخربشات رائعه علي العود 0 وكانت كلمات الأغنية تقول:

    أشوفك بكره في الموعد00تصور روعة المشهد

    وعدتك قبل كده مرات00ولسه في رؤويتك بحلم

    مشاغل الدنيا تجبرني00أخالف وعدي وأتلوّم

    ولو تعرفني كم بتعب00بعيد عنـّك وبتألم

    إلي ان يصل بنا فضل الله لقمة التفاؤل 00مودعاً ظلام الهم000 ويصرخ هنا محمد الأمين بصوت عالي مختتماً الأغنية :- وداعاً يا ظلام الهم 000علي أبوابنا ماتعتـِّب000ومرحب ياصباح الحب 00تعال ما تبتعد قرِّب0

    للشاعر المهاجر (إسحق الحلنقي) أغنية جميلة لا يزال محمد الأمين يترنم بها في كل حفل 00وهي(شال النوار) 00وهي من الأغاني التي تمتاز بكلمات جميله ولحن فرائحي تماماً

    ياريت من أول000

    وريتنا إنك يكمن00 تتأخر يوم

    كان غائب00أطمنّا شويه

    وبحرك ياليل00ماشفنا نجوم

    بيقولوا الغائب00عذرو معاه

    في غيابك ياما00نشيل اللوم

    العيد الجاب الناس000لينا ما جابك

    يعني نسيتنا خلاص

    مع إنك إنت الخليتنا

    نغني الحب00ذكري وإخلاص

    ولازالت الذاكرة تتسع لسرد المزيد من هذه الأعمال الخالدة000

    وهنا تستحضرني قصة طريفة حول أغنية( شال النوار) التي تغني بها أبو الأمين من كلمات إسحق الحلنقي كما ذكرنا سابقاً ، والقصة هي أننا كنا مجموعة أصدقاء من الطلاب بجامعة القاهرة بالخرطوم في بداية السبعينات نستأجر منزلاً بأم درمان(حي بيت المال) وقد كنا نعمل وقتذاك بالتدريس نهاراً ونذهب للدراسة بجامعة القاهرة مساءً كشأن الطلاب في ذلك الزمان ، وذات يوم كنا نترنم بالعود في المنزل بأغاني محمد الأمين ، فطلب مني صديقي عباس بابكر أحمد دبوره وقد كان طالباً بالحقوق ، وهو حالياً (قاضي إستئناف) بمدينة عطبره ، بأن أغني له أغنية محددة لمحمد الأمين ، وكان كعادته لايحفظ أسماء الأغاني، وكان يسكن معنا أيضاً الصديق العزيز الراحل العميد حقوقي عبدالرحمن عبداللطيف زيادة والذي توفي إلي رحمة مولاه في بداية عام 1999 م وكان وقتها طالب بكلية الحقوق، واخذ يعدد للأخ عباس أسماء أغاني محمد الأمين لكي نغني له طلبه ، ففشلنا جميعنا في معرفة مقصد ألأخ عباس الذي لم يعرف إسم الأغنية ، وأخيراً طلبنا منه أن يذكر لنا أي مقطع (كوبليه) من الأغنية لكي نتعرف عليها فكان رده:-والله أنا معارف فيها شيء غير أنو محمد الأمين يقول فيها(الناس كلهم جونا في العيد00إلاّ إنت ماجيت معاهم) 00فضحكنا طويلاً لهذه اللخبطة في حفظه للأغاني، وقد عرفنا مقصده00 فهو كان يقصد (العيد الجاب الناس 000لينا ماجابك) وظل الراحل مولانا عبدالرحمن زياده يتناول هذه الطرفة كثيراً حتي وفاته(طيب الله ثراه)0

    ومن أعمال أبو الأمين الشهيرة ، لا ننسي تلك الأغنية التي فازت بالمرتبة الأولي في مسابقة الإذاعة السودانية بإستفتاء المستمعين في عام 1979م وهي ( بتتعلم من الأيام) وقد إستخدم فيها أبو الأمين أيضاً آلة العود إستخداماً فيه مهارة فائقة في المقطع الأخير من الأغنية000وقد كانت تحتوي علي مفردات فيها الكثير من أسلوب الملامة الرقيق حين تقول بعض أبياتها:

    وتعرف كيف 00يكون الريد

    وكيف الناس00 بتتألم وتتعلم

    وراء البسمات 00كتمت دموع

    بكيت 00من غير تحس بيّا

    ومصيرك بكره000تتعلم

    ثم تمر الأيام والسنين000ليلتقي محمد الأمين مرة أخري بهاشم صديق 00شاعر الملحمه ذاك 000وقد كان هاشم خارجاً منتشياً بعد نجاح أعماله الدرامية الفذة في منتصف السبعينات 00نبته حبيبتي 00خطوبة سهير00لكي يجد الطريق أمامه ممهداً فيلقي علي مسامعنا بكلمات أغنية محمد الأمين000ويدخل بها أبو الأمين تجربة الغناء بمرافقة آلة (الأورج) فقط 00حيث كان يعزف معه الموسيقار بدرالدين عجاج بدون أوركسترا00ولا حتي إيقاع00فكانت (حروف إسمك) هي فعلاً حروف تستحق أن نقف عندها لنري ماذا تقول :

    حروف إسمك000جمال الفال

    وراحة البال00

    وهجعة زول 00بعد ترحال

    وتنية حلوة00للشبال

    وغنيتنا00مشاوير

    في كلمات00حلوات00 تتقال

    يذهب هنا الشاعر أكثر لكي يعكس صورة الفرح كتقليد إجتماعي متوارث في الزواج السوداني حين يقول :

    أساور 00في إيدين طفله

    بتحفظ في كتاب الدين

    زفاف عاشقين00بعد فرقه00

    بين إتنين00العديل والزين

    وسط باقات00دعاء الطيبيبن

    والليله العديل00ساهله ليك بيضاء

    ثم تأتي الأغنيات الجديده بعدها 000وقد ظهرت (زورق الألحان) كإضافة لأعمال محمد الأمين في تجربة الغناء بالأورج فقط00ولكن000 لم تستمر التجربه طويلاً 00حيث قام محمد الأمين بتكوين فرقة موسيقية مستديمه وكانت تتكون في معظمها من شباب معهد الموسيقي كالفاتح حسين وفايز مليجي من مدني ويرافقهم من المخضرمين الحبر سليم ومحمد آدم المنصوري قائد الأوركسترا وآخرون00

    نصل الآن مع الفنان محمد الأمين إلي (حفلة لندن) الشهيرة في عام 1981 حيث كان ذلك الحفل الضخم قد أقيم في مسرح (لوقال هول) والذي حضره معظم السودانيين من شتي أنحاء المملكة المتحدة، وقد تم طبعه علي أشرطة فيديو وكاسيت وتم توزيعها في كل دول المهجر التي يتواجد بها السودانيون وبداخل السودان ، وأذكر أن الفنان محمد الأمين قد إبتدر ذلك الحفل بأغنية فضل الله محمد الشهيرة والتي تم تأليفها منذ نهاية الستينيات ولكن محمد الأمين قام بإخفائها لمدة عشرين عاماً حتي الثمانينات لكي تظهر وتطغي علي الساحة الفنية ، وقد إمتازت بلحن تطريبي هاديء جداً لا ضجيج فيه ، وهي من النوع الذي يطلق عليه أغنية إستماع مثل أغنيات بتتعلم من الأيام ، والحب والظروف000فكانت تلك الأغنية هي

    (ذات الشجون)00000حيث تقول مقدمتها:

    ماهو باين 00في العيون

    وين حنهرب منو 00وين؟؟

    الهوي 00البعث الليالي

    الحالمه00في ذات الشجون

    وأذكر هنا أن إبن ود سلفاب العازف الماهر (سعد الطيب) قد تفنن في اللعب علي الأورج في عدة صولات وجولات فيها الكثير من الإبداع خلال موسيقي أغنية ذات الشجون0

    وقد تغني في حفل لندن ذاك بالأغنية الجديدة وقتها (عويناتك) وهي ذات مفردات رشيقه ، وقد أعجبني منها المقطع التالي:

    أقول ليها00عيونك 00

    زي سواد قدري00

    مكحِّـله00عمري من بدري

    ولو أقدر أسافر00

    في بريق لحظك00وما أرجع

    تقول لي 000خايفاك بكره تتوجّع

    آه 000تتوجع0

    هذا (الكوبيله) نري أن أبو الأمين قد أدّاهُ بإحساس عالي جداً وتشعر بأنه يتحرّق حين ينطق بذلك اللحن وبتلك الكلمات000 وميزة محمد الأمين أن لديه إحساساً شفيفاً قد خصّه الله به 00وهو يعرف كيف ومتي يظهر ذلك الإحساس الشفيف للناس00وكيف يترجمه إلي عمل موسيقي متكامل0 فالفنان إذا لم يحس بمعني مفردات القصيدة فإنه مهما كان لحنها جميلاً وصوته أجمل ، لا يستطيع أن يقنع المستمع بالعمل0

    وهنا000 لايفوتنا ان نشير إلي إنضمام الشاعر الرقيق الدكتور عمر محمود خالد إلي سجل الأعمال الغنائية الخالدة حين أهدي إلي محمد الأمين أجمل الأغنيات ، وفي مقدمتها تلك التي عاد بها محمد الأمين إلي غناء (السنين ) مرة أخري 00فكانت (خمسه سنين) والتي يكثر الفنان من ترديدها في معظم حفلاته ، فهي لها معزة خاصة عنده:

    خمسه سنين معاك00يازينة الأيام

    ويانوارة الحلوين00مرّت حلوه زي أنسام

    وزي أحلام صبيه صغيره زي ياسمين

    ثم نأتي إلي السنة الأخيرة من نهاية القرن العشرين حيث قامت شركة(سودانيز ساوند) الشهيرة بالخرطوم بتنظيم إستفتاء في عام 1999م حيث اعلنت فوز ألبوم محمد الأمين (ودمدني واحد) بالجائزة الأولي في التوزيع الجماهيري 00وقد كانت مقدمة الشريط بصوت المذيعة التلفزيونية اللامعة (منال محمد سعيد) حيث قالت فيها (هذا الفنان00 أتي من تلك المدينة الرائعه ، من قلب الجزيرة، تلك التي تتوسط السودان الحبيب 000 محمد الأمين ،هذا الفنان الرائع والشامخ، كشموخ وطننا الجميل000 محمد الأمين ، هذا الإنسان ، هذا الفنان، أحب ودمدني 00حتي الوله)0وللعلم فإن أغنية( ودمدني ) قد صاغها شعراً الراحل خليل فرح عام 1930م وهو في طريقه بالقطار من الخرطوم إلي ودمدني للمشاركة في زواج الراحل الفنان الحاج محمد أحمد (سرور) الذي توفي ودفن في أسمرا في أربعينات القرن العشرين ، وقد كان سرور هذا من مواطني قرية (فداسي -وودالمجذوب) بجوار ودمدني ، ووضع محمد الأمين للقصيدة لحناً هادئاً جميلاً ومحبباً كثيراً إلي النفس ، وقام بالتوزيع الموسيقي إبن ودمدني أيضاً الموسيقار دكتور الفاتح حسين مدير الفرقة القومية للموسيقي وعازف الرزم جيتار الشهير00وتقول:

    مالو أعياه النضال بدني00روحي ليه مشتهيه ودمدني

    كنت أزور أبويا ودمدني00 وأشكي ليهو الحضري والمدني

    دار أبويا ومتعتي وعجني00يا سعادتي ومنيتي وشجني

    ليت حظي يسمح ويسعدني000طوفه فد يوم في ربوع مدني

    وختاماً نقول000ستمر السنون ، وتتجدد الأجيال، وتتبدل الأحوال، وربما تظهر فنون أخري من نتاج أجيال أخري 00ولكن 0 00ستبقي الأعمال الغنائية لهذا الفنان الموهوب والجاد جداً (ابو الأمين) تراثاً إبداعياً متقدماً ومتميزاً ، تتناقله الساحة الفنية لفترة طويلة من الزمان ، لأن تلك الأعمال الموسيقية بمضامين كلماتها وألحانها الشجية ومفردات أشعار مبدعيها : فضل الله محمد والراحل خليفه الصادق والحلنقي ود0 محمود خالد وهاشم صديق وكل كواكب الشعراء الذين كتبوا من أجل أبو الأمين عبر مختلف الحقب طوال مسيرته الفنية ، ستصمد في الزمن القادم0 00والذي لا علم لنا بظروف مكوناته الإبداعية 0000وإلي اللقاء00والسلام0

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..