وداعاً رائدة المرأة وقائدة الحركة النسائية السودانية

وداعاً رائدة المرأة وقائدة الحركة النسائية السودانية
فاطمة احمد ابراهيم
جاءنا الخبر المحزن المؤلم برحيل القائدة المناضلة فاطمة أحمد ابراهيم صباح السبت الموافق الثاني عشر من شهر أغسطس الجاري فى العاصمة البريطانية لندن. لم يكن وقع الخبر هيناً علينا خاصة عندما يرجع الانسان بالذاكرة إلى الوراء وبتمعن فى مسيرة تلك الشخصية السودانية التى وهبت كل ما تملك من فكر ونشاط فى سبيل قضية المرأة دفاعاً عن مكانتها فى المجتمع وعن حقوقها فى الحرية والعمل والمعرفة والعيش الكريم والنهضة الثقافية والانعتاق من قيود التخلف والتقاليد البالية التى عفى عليها الزمن واللحاق بالتطور الحضارى الذى عم معظم بلدان العالم.
كانت مهمة تنوء عن حملها الجبال ناهيك عن امرأة خرجت من رحم مجتمع لا يملك من وسائل التطور والتقدم إلا القليل. تربت وترعرت في اطار أسرة نال أفرادها قدراً من التعليم أهلهم لتبوأ مكانة مرموقة فى المجتمع يشار إليها بالبنان. شقيقها المهندس المقتدر الثورى مرتضى والكاتب الشاعر صلاح صقلتهم الحركة الوطنية التى انخرطا فى صفوفها وصارا من بين رموزها البارزين. هؤلاء الرجال الصالحين شكلوا سنداً وعضداً لفاطمه التى هي الأخرى اصبحت جزءاً فاعلاً فى نسيج الأسرة أضفى عليها هالة من الشهرة والاحترام. لا يفوتني أن أذكر شقيقها الأصغر الهادى الذى كان معروفاً فى صفوف الحركة الطلابية التقدمية وبعدها فى الحياة العملية تمتع بحسن المعشر والسلوك القويم. إن الطريق الذى اختارته فاطمه وسارت عليه حتى نهاية حياتها لم يكن سهلاً ومعبداً مفروشاً بالورود والرياحين بل كان معقداً وشاقاً تحيط به الأشواك من كل جانب.
برزت موهبة فاطمه القيادية عندما كانت فى المرحلة الثانوية فتولت قيادة مظاهرة لفتت الأنظار اليها. الانعطاف نحو الحركة النسائية والانضمام الى قيادتها المؤسسة للاتحاد النسائى المناضلات خالدة زاهر، حاجه كاشف، ثريا امبابى وفاطمه طالب فتح امامها آفاقاً رحبة كي تبرز مواهبها وقدراتها القيادية فى العمل النسائى والسياسى حتى اصبحت قائدة حقيقية مشهود لها بالكفاءة والمعرفة فى قيادة العمل النسائى. تحت قيادة فاطمه اصبح للاتحاد النسائى لجنة تنفيذية وبرامج عمل وفروع. كانت مجلة صوت المرأة عبارة عن صوت يخاطب المجتمع والنساء فى السودان على كافة مستوياته الحكومية والشعبية والسياسية احزاباً وتنظيمات جماهيرية. اتسع نشاط الاتحاد النسائى فى المدن من خلال فروعه المنتشرة فى المدن والارياف. اكتسب الاتحاد زخماً وسنداً سياسياً جماهيرياً أدى الى نجاح فاطمه فى انتخابات الجمعية التأسيسية وولوجها البرلمان وكان لهذا الانتصار صدى واسع فى افريقيا والعالم العربى وبقية بلدان العالم. بذلك كسب الاتحاد النسائى شهرة عالمية كان من نتائجها فيما بعد اختيار فاطمه رئيسة للاتحاد النسائى الديمقراطى العالمى. طالبت فاطمه من خلال موقعها فى البرلمان بمساواة المرأة مع الرجل فى العمل والأجر المتساوى كما طالبت بحقها فى التعليم وانتقدت قوانين العمل المجحفة فى حق المرأة. كما انتقدت قوانين الأحوال الشخصية وقدمت البديل. باختصار قدمت برامج واقتراحات مدروسة من قبل قيادة الاتحاد النسائى.
فى هذا السياق لابد من الاشارة الى الدعم والمساندة التى حظيت بها من قبل ممثلى الحزب الشيوعى الذى تمتعت بعضوية لجنته المركزية وكذلك بدعم ومساندة ممثلو الأحزاب الذى الوطنية فى البرلمان على الرغم من الاجحاف الذى حاق بنواب الحزب الشيوعى وطردهم من البرلمان. ظلت فاطمه صامدة فى موقعها نسبة لدخولها البرلمان كمستقلة وظل صوتها مدوياً منتقداً لكل الاجراءات والسياسات غير الديمقراطية المجحفة فى حق الشعب السودانى وقضاياه المزمنة التى ظلت عالقة دون حل.
المواقف الجريئة والبرامج المدروسة التى قدمتها فاطمه داخل المؤسسة البرلمانية أدهشت ونالت تأييد واعجاب المنظمات النسائية العالمية وفى مقدمتها الاتحاد النسائى الديمقراطى العالمى. كانت فترة وجود فاطمه فى رئاسة الاتحاد النسائى العالمى فترة غنية بالنشاط الفكرى والعملى ومراجعة دقيقة لكل ما كتبته ونشرته سابقاً.
تعززت مواقعها وصلتها بالمنظمات العالمية حيث نالت اكبر جائزة خاصة بحقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة كما كرمتها أيضاً جامعة كلفورنيا.
إلتقيت بفاطمه فى براغ عندما جاءت فى زيارة خاصة وكنت آنذاك ممثل للحزب الشيوعى فى مجلة قضايا السلم والاشتراكية التى تضم ممثلين للأحزاب الشيوعية والعمالية من مختلف بلدان العالم. طلبت منها أن تزور المجلة وتلتقى بمديرها واجراء حوار مع هيئة التحرير. تمت الزيارة مع المدير وكان لقاءاً مثمراً. أجري معها أيضاً حوار تم نشره فى أحد أعداد المجلة. فى نفس الوقت كتبت مقالة تناولت فيها الظروف القاسية التى مرت بها فاطمه بعد استشهاد زوجها القائد المناضل الشفيع احمد الشيخ. الفترة الزمنية القصيرة التى قضتها فى براغ كانت خديجه أكثر سعادة لأنها زاملت فاطمه فى اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائى لفترة عشرة سنوات. التقيتها بعد ذلك عدة مرات فى لندن فى مناسبات تتعلق بالعمل الحزبى. للأسف الشديد تركت أحداث يوليو 71 الدامية جرحاً غائراً فى نفس فاطمه ظل قائماً فى نفسها حتى داهمها المرض العضال الذى أقعدها وقلل من حركتها ونشاطها.
كم كنت أتمنى عودة فاطمه الى ارض الوطن التى أحبتها وأحبت شعبها العظيم لتقضى ما تبقى من سنين حياتها بين أهلها ورفيقاتها ورفاقها وكل الذين انقطعت صلتها بهم. لكن للأسف امتدت يد القدر وفاضت روح فاطمه وانتقلت الى بارئها قبل أن يتحقق ما كنت أصبو اليه.
قبل أن اختم هذا النهي أتقدم بالعزاء الحار للدكتور احمد الشفيع ابن الفقيدة فاطمه ولشقيقها الهادى احمد ابراهيم. تعازينا الحارة لكل أفراد الأسرة الممتدة داخل السودان وخارجه ونخص السيدات ماجدة محمود محمد على ومريم العاقب وعلية العاقب.
العزاء الحار لكل عضوية الاتحاد النسائى وفى المقدمة قيادة الاتحاد التى صمدت عبر سنين طويلة واخص بالذكر السيدات فاطمه القدال وفائزة ابوبكر وخنساء عمر صالح والفقيدات دولت محمد حسن والدكتورة محاسن خضر وسميرة اسحق.
فى هذا السياق لابد من الاشارة الى النشاط الذى مارسته قيادة الاتحاد واثناء فترة حكم الدكتاتور جعفر نميرى التى خرج بعدها الاتحاد موحداً ونشطاً فى كل فروعه ومكاتبه وكان لى عظيم الشرف أن أشارك فى الاحتفال الذى نظمته مدينة ام درمان بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر المجيدة. كانت الراحلة فاطمه على رأس الاحتفال وألقت كلمة ضافيه عددت فيها انجازات الاتحاد وأشادت بالدور البطولى للقيادة التى خرجت موحدة ونظمت هذا المهرجان الكبير. كان من بين المشاركين الشاعر الفحل الراحل عمر الطيب الدوش.
الشكر والتقدير لكل الذين تقدموا لنا بالعزاء لى الجمهورية التشيكية وخارجها.
د. محمد مراد ? براغ
12 أغسطس 2017