أخبار مختارة

الجبهة الثورية وتعويق الثورة: حديث البدايات

جمال عبد الرحيم عربي

واضح من العنوان أن الكاتب يشير إلى أن هناك خللاً في منظومة الحكم، وواضح أيضاً أن الكاتب لا يرى إصلاحاً غير الرجوع للبدايات لاستنباط الحل باعتبارها، أي البدايات، هي المعيار الذي يقاس التقدم أو التأخر في مسار الثورة عليها. فلحظة الانتصار يوم 11 ابريل هي أكثر لحظات الثورة كثافة ذهنية وعاطفية ومفهومية وهي التي رسخت في وجدان الملايين من حيث التصورات ومن حيث التوقعات. لذا ينبغي أن تكون هذه التصورات والتوقعات هي المؤشر الأساسي في الحكم على ما استجد.

ومثل كل الثورات، فإننا لا نطمع في أن تسير في خط مستقيم، حيث أن  لثورتنا منعرجاتها وحالات صعودها وهبوطها كما هو معتاد. إحدى حالات الهبوط التي لم يصحبها صعود تعويضي، هو الضعف البائن في أداء حكومة الثورة، إذ كان من المتوقع من تلك  الحكومة أن تنجح في التقاط اللحظة الثورية والإرتفاع بها ومعها الى مرافئ الانجاز وكسب محبة الجماهير ورضاها. والفشل الذي نقصده هو المرتبط بالبطء في التخطيط والتنفيذ، والارتباك المتواصل في التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية. 

بيد أنه ينبغي الإقرار المُنصِف، أنه وفيما عدا ما فشلت فيه داخلياً، فإن الحكومة حققت اختراقاً حقيقياً في الجبهة الخارجية، غير مألوف عادة في تفاعل المجتمع الدولي مع دولنا النامية. فالإدارة الأمريكية تجاوزت بطئها المعروف في تعاطي السياسة الدولية واندفعت بقوة شديدة تجاه رفع اسم السودان من قائمة الدول المنبوذة، وأصبح المجتمع الدولي ينظر للسودان بكل الاحترام والاجلال والندية، كما تجلى بأسطع ما يكون في مؤتمر شركاء السودان.     

قبل أن نتطرق لما جاء بعنوان هذه المقالة، يهمنا التأكيد القاطع، بأن القوى الأساسية التي تحملت عبء الثورة تخطيطاً وقيادة وتحركاً هي تجمع المهنيين السودانيين وشباب المقاومة. بل أن الواقع يشير إلى أن القوة الحاسمة على مستوى الشارع هم شباب المقاومة الغير مسيسين في غالبهم، وهم الذين سلموا مهمة التنظيم والتعبئة والقيادة لتجمع المهنيين. هذه الحقائق يجب وضعها في الحسبان قبل أن ندلف للموضوع عنوان مقالنا.

لقد اهترى الحبل السري الرابط بين تؤأمي الثورة، شباب المقاومة وتجمع المهنيين، بفعل تدخل اللاعب الجديد وهو الأحزاب السياسية بكل محمولاتها من تنافر وتشاكس، فأصبحت هي اللاعب الأكبر في في الساحة السياسية على حساب قوى الشارع. صحيح أن هذه الأحزاب لعبت دوراً فاعلاً سواء ماقبل الثورة أو فيما بعدها، لكن الصحيح أيضاً أن الدور الغالب بما لايقاس هو لشباب المقاومة غير المحزب وتجمع المهنيين. لقد كان الخيار الأفضل في المسرح السياسي الذي كان ينتظره السودان هو اندماج تجمع المهنيين، بما يمتلكه من قدرات تنظيمية وتعبوية عالية، مع شباب المقاومة الذين يمثلون قوة الضغط الأكثر تأثيراًفي إتجاه تكوين قوة سياسية جديدة قادرة على التطلع للمستقبل أكثر من غيرها فضلاً عن أنها مبرأة من الأغلال التي تشدها للماضي البائس؛ بيد أن الأمر لايسير في العادة كما ينبغي له، وهذا أول الدروس السيئة في عالم السياسة بالطبع!

من المفهوم والمتفق عليه أن للأحزاب المشاركة في قوى الحرية والتغيير، غض النظر عن تفاوت أوزانها، أدوار تحملتها وأفعال ملموسة يمكن استشفاف أوزانها من خلالها، كالمخاطبات السياسية المفتوحة والكثيفة لحزب المؤتمر السوداني، ومسيرة الحزب الشيوعي بتاريخ 16 يناير 2018 التي كسرت حاجز الخوف والرهبة ورفعت الروح المعنوية للجماهير عالياً، وزيارات الإمام الصادق التعبوية لمناطق نفوذ حزبه، ونشاط الاتحاديين الواضح في قطاعات المهنيين، وغير ذلك من النضالات التي أبرزت أدوار هذه الأحزاب. ليس هذا فحسب فقد دفعت قيادات وعضوية هذه الأحزاب أثماناً عالية، كحملات الإعتقال والتعذيب والتضييق المنتظمة والمتصلة التي لم تتوقف يوماً.

كل ذلك حوار واقع في إطار المفهوم والمعقول، إلا أن ما لا يمكن فهمه أو هضمه دخول  الجبهة الثورية في معادلات الحكم ومطالبها بالاستحواز على حصة من كيكة الحكم أكبر من كل ما يمكن أن تطمع فيه القوى السياسية الأخرى! بل طالبت حتى بإعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير التي لم تشارك لا في ميلادها ولا في “سمايتها”! بل لم يتعد دورها أصلاً غير التأييد من “بعيد لبعيد”! 

أكثر من ذلك أنها لا تمتل أي قوة في الميدان غير ما لدى مالك عقار، كما لا تمتلك قوة ظاهرة للناس في الشارع بدليل فشلها حتى في تسيير بضع حافلات تأييداً لمعتصمي القيادة العامة انطلاقاً من مواقع “نفوذها” في دارفور وجنوب كردفان، أسوة بالعدد الضخم من البصات التي سيرتها قوى الحرية والتغيير من دارفور قاطعة أكثر من ألف كيلومتر فوق الفيافي لتمهر بذلك إثبات مشاركتها في دفتر الحضور أمام القيادة العامة. ليس هذا فحسب، فقد شارك الآلآف من أهل دارفور في الثورة من لحظة انطلاقها، وفي الاعتصام منذ ضربة بدايته، واقتسموا مع الآخرين اللقمة وكوب الماء والرصاص الغادر. ولنكن واضحين وفاضحين، هل يستطيع السيد/ التوم هجو ملء حمولة حافلة من مناصريه المحتملين ويحشدهم في أي بقعة يختارها؟ بل هل سمع أحد من أهل السودان بهذا الاسم غير مجموعة المنشغلين بالسياسة على مستوى القمة؟

لقد أدى التفاوض مع الجبهة الثورية في جوبا وقبلها في أديس أبابا إلى تضييع زمن وموارد يحتاج لها الناس أيما احتياج، وفتح كوة للقوى المضادة لتنهش عبرها قوى الثورة بسبب التلكؤ في إنفاذ مطلوبات التغيير نتيجة لضياع الوقت وتشتييت الانتباه الذي خلقته هذه المفاوضات. إن هذا الضياع والتبديد للموارد والوقت تتحمله قوى الحرية و التغيير والحكومة ومجلس السيادة بدون مسوغات منطقية. لقد كان الأفضل توفير هذا الجهد للتفاوض مع القوى الحقيقية التي لها وجود في الميدان، أما الآخرين فواجبهم أن يبذلوا طاقاتهم وإمكانياتهم في بناء أو إعادة بناء حركاتهم قبل أن يطلبوا  شيكاً مزدحماً  بالأصفار بدون أن يقدموا ما يكافئه. وفي النهاية لديهم الامكانية لممارسة حقوقهم السياسية في المشاركة السياسية بحيث لا تتجاوز هذه الحقوق ما أتفق عليه الجميع منذ البداية من أن الموقع الأنسب للتمثيل السياسي هو المجلس التشريعي لا غير.

[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. يبدو أن الشعارات الثورية التي أطلقتها الثورة جاءت فقط من مكونها الأول وهو اتحاد المهنيين الذي انضمت إليه الأحزاب اليسارية واليمينية ليس ايماناً بتلك الشعارات وإنما فقط كتكتيك لإسقاط النظام ومن بعده كل حزب يخرج أجندته الخاصة بدل تلك البرامج والمضامين التي تقتضيها شعارات الثورة!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..