ثم ماذا بعد التسلل؟:

ثم ماذا بعد التسلل؟

صلاح يوسف
[email][email protected][/email]

تابعت قبل أيام حلقة من برنامج بقناة الجزيرة كانت مخصصة لتسلل السودانيين إلى إسرائيل، فجاءت الحلقة حافلة بالإفادات والاستطلاعات لبعض المتسللين والقائمين بأمر المنظمات الدولية ومسئولين إسرائيليين لم يظهروا تعاطفاً بقدر ما أنهم ألقوا الضوء على عواقب وآثار مثل ذلك التسلل0 وقد تضمنت الحلقة بعض اللقطات التصويرية التوثيقية وأخرى تمثيلية لتقريب صورة ما كان يحدث0 وفيما رشح من الحلقة فإن التسلل بصورته الجماعية بدأ بعد العام 2005 وجاء في أعقاب قمع السلطات المصرية دموياً لاحتجاجات واعتصام السودانيين بميدان مصطفى محمود بالقاهرة حين ضاقوا ذرعاً بانتظار مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لفترة طويلة دون تسفيرهم للدول التي قبلت إعادة توطينهم كلاجئين سياسيين حيث كان أغلبهم من الهاربين من جحيم الحياة بدارفور وجنوب السودان0 ويبدو أن اليأس والفاقة وطول الانتظار مع تعذر الهروب عبر البحر الأبيض المتوسط لأوروبا جعلهم يفكرون في التسلل إلى إسرائيل لسهولة العبور بعون بعض مهربي البشر المتخصصين في ذلك متحملين التضحية بالمال على قلته وباذلين الأرواح خلال مغامرة التسلل حيث تبدو لهم إسرائيل كمن تفتح صدرها للذين يفلحوا في الوصول إلى أراضيها باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين وليسوا لاجئين مع إن ذلك الترحاب يتم بغرض استثماره سياسيا0ً وبما أن قوانينها تمنع التسلل تزج بهم في السجون وتخضعهم لتحريات ومن ثم تحاول معالجة وتقنين إقامة أو تهجير من ترى وفق قناعتها بمصداقية الإدعاءات، غير أن الغالبية العظمى كانت تعيش ظروفاً في غاية الصعوبة لتدبير حياتهم المعيشية، فتراهم ينتشرون نياماً في الساحات والميادين العامة بذات الطريقة التي يسلكها الشماسة إذ لم يحظ إلا النذر القليل منهم في تقنين إقامتهم وإيجاد أعمال هامشية لا تتوافق ومهاراتهم ومستويات تحصيلهم العلمي وهي لا تسمن ولا تغني من جوع بل عادة ما يضيع عائدها في سد الرمق وإيجاد المسكن فقرر بعضهم العودة وذكر أحدهم خبايا تجربته وخيبتها ومحاولة استغلاله في عمل إعلامي لما أسموه بمحرقة دارفور في حين ينتظر البعض الآخر قرارات بالابعاد0

كانت أغلب إفادات من تحدثوا تعطي انطباعاً بأن الهدف الأساسي هو البحث عن ملاذ آمن وعمل وتحقيق الحلم بتغيير الحال إلى الأحسن الشيء الذي لم يكن سهلاً كما لم تكن إسرائيل بالنسبة لهم في الأساس موقع لجوء سياسي كبديل لأمريكا واستراليا وأوروبا بل كانت ملاذاً مؤقتاً إذ أنها كما نعلم بضيق رقعتها الأرضية تعج بمواطنيها الذين يعودون إليها كأرض ميعاد حسب اعتقادهم الديني ومع ذلك لم تفلح في استيعابهم وتوظيفهم إلا عبر التعبئة والتجنيد وتوفير المستوطنات السكنية وفق فوارق طبقية معلومة، فمثلاً تجد هناك اليهود الفلاشا، الذين قامت الدنيا ولم تقعد عند تهريبهم من إثيوبيا إلى إسرائيل، يعيشون كأدنى طبقة اجتماعية تعاني الاضطهاد والتمييز العنصري، لدرجة تظاهرهم أمام الكينيست، مع إنهم يمتعون بحقوق المواطنة القائمة على أساس الدين، فكيف يكون الحال بالنسبة لمهاجرين غير شرعيين؟

وكانت وسائل الإعلام قد غطت خبر إعادة إسرائيل لعدد من أبناء دولة جنوب السودان الذين وجدوا أيضاً طريقهم للتسلل دون استقرار فتم الشروع في ترحيلهم مكرهين عبر كينيا ولم تشفع لهم العلاقة الدبلوماسية بين جنوب السودان وإسرائيل أما بالنسبة لأبنائنا فقد تتجه السلطات الإسرائيلية إلى إعادتهم إلى مصر التي تسللوا منها0 وإزاء هذا اللجوء غير الموفق وتعقيدات البقاء بإسرائيل، ما الذي سيحدث إذا تمكن أبناؤنا الذين فاق عددهم الستة آلاف من العودة للبلاد وكيف سيتم النظر إليهم وهم خرقوا شرطاً ينص عليه جواز سفرنا بعدم دخول إسرائيل؟ أم أنهم بحكم التسلل، لا تحمل جوازاتهم مؤشراً بدخولهم ذات يوم إلى إسرائيل وبالتالي يمكن عودتهم دون مسائلة أو معرفة بماضيهم؟

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..