مقالات وآراء

تعليق على البيان المشترك بين الحركة الشعبية و تجمع المهنيين السودانيين ( الرابعة)

ربما ينتاب المرء نوعا من تأنيب الضمير وهو ينتقد الحركة الشعبية لتحرير السودان بحكم انها تناضل من أجل شعوب مضطهدة ولتحقيق أهداف معلنة تتعلق بإيجاد سودان جديد يتساوى فيه الجميع من حيث توفر الخدمات والتنمية وفرص العمل .
لكن ذات الضمير يحتم أيضا على صاحبه أن يقول ما يمليه عليه، وهو أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ومنذ بروز ميثاقها الذى بشر بمشروع السودان الجديد عام 1983م، هى فى واقع الامر جيش وليس حركة، إذ لا توجد مؤسسات سياسية منفصلة عن هياكلها العسكرية. وقد كتب د. بيتر أدوك نيابا فى كتابه ” سياسة التحرير فى جنوب السودان نظره مطلع، الصادر عن مركز عبد الكريم ميرغنى فى العام 2005 وكذلك د. لام أكول في كتابه Inside an African Revolution الذي صدر مع بداية الألفية عن دار جامعة الخرطوم للنشر، بإسهاب فى توضيح حقيقة أن الجيش الشعبى نفسه لا يقوم على مؤسسات مثل بقية جيوش العالم ، بل يقوم على السلطة المطلقة للقائد العام .
كما اوضحا كيف كانت زعامة الراحل قرنق فردية مطلقة ولم تكن زعامة قائمة فى إطار ديمقراطي مؤسس. ووفقا لتلك الملاحظات يتضح تماما أن الحركة الشعبية تكون قد استلفت الواقع القبلى الذى تعيش فيه ولكن داخل ثوب حداثوي براق.
وقد ظلت الحركة الشعبية ومنذ إعلان الناصر الذى ينادي بانفصال جنوب السودان فى بداية التسعينات تتبنى خيار الانفصال والوحدة المشروطة والكونفيدرالية معا ، اى انها جمعت وبكل اريحيه بين المتناقضات. كان من الواضح أنها ما فعلت ذلك إلا انصياعا للتيار الانفصالي القوى داخلها ولذلك فقد سعت الحركة الشعبية بعد ذلك الى إقامة تحالفات مع الأحزاب الشمالية كلها بلا استثناء، لأن ذلك كان يخدم أجندتها الحقيقية . بمعنى آخر فقد ظلت الحركة الشعبية ومنذ ذلك الوقت، تغلب التكتيكات والمناورات على اى تحالفات استراتيجية خاصة بخدمة السودان الجديد ، وهو الهدف الذى نشأت الحركة أساسا من أجل تحقيقه.
وقد أقامت الحركة الشعبية عدد من التحالفات السياسية كان أهمها تحالفات منفرده مع أحزاب شماليه ومجتمعه مع المعارضة السودانية بقيادة التجمع الوطنى الديمقراطى منتصف التسعينات وانتهاءا بـ مشاكوس. ويهمنا هنا التعرض لمؤتمر القضايا المصيرية باسمرا لانه كان اول من اعترف بحق تقرير المصير ولأنه يوضح ما قصدت قوله بأن الحركة ظلت تغلب التكتيكات والمناورات المؤقته التى تخدم مشروعها الحقيقى الخاص بالانفصال. ففى ذلك المؤتمر اضافة الى الاعتراف بحق تقرير مصير جنوب السودان ومناطق ابيى وجبال النوبة و الانقسنا، تم الاتفاق عن فصل الدين عن السياسة وحظر قيام الاحزاب على اسس دينية وكذلك تقسيم السلطة والثروة وفترة انتقالية يتم فيها التنفيذ. وقد كان واضحا ان الهدف الأساسي من المؤتمر هو انتزاع الاعتراف بحق تقرير المصير لأن الاتفاق المكتوب هو مجرد اتفاق ظاهرى فقط وغير واقعى إذ لا يمكن أن يوافق الحزبين الكبيرين فى حقيقة الأمر على فصل الدين على السياسة وعلى عدم قيام أحزاب على أساس دينى لانها فى الاصل أحزاب سياسية تأسست على طوائف دينية. ولم يكن ذلك يهم الحركة الشعبية في شيء طالما أنها استطاعت أن تحقق ما تريده من ناحية وأن تنسف اى امكانية لتحقيق التوافق بين الشعوب السودانية تمهيدا لوحدة على أسس جديدة من ناحية ثانية . من الواضح أن الاتفاق على الحد الادنى القادر على تحقيق الإجماع على ثوابت فى عدد من القضايا المهمة مثل علاقة الدين بالدولة وبالتالي المحافظة على وحدة البلاد ، يكون قد تلاشى بمجرد تبنى إجماع ظاهري على الدوله العلمانيه لأن علاقة الدين بالدولة كانت وما تزال من أهم القضايا الخلافية منذ استقلال السودان.
كان الإجماع الظاهرى، وليس الحقيقي، حول القضايا المصيرية الذى تحقق فى اسمرا عام 1995 م قد أظهر تماما ان الحركة الشعبية كانت تناور من أجل الانفصال وتسعى إلى وضع عراقيل أمام أي مشروع حقيقي يمكن أن يحدث حوله توافق. لا استطيع ان الوم الحركة الشعبية على انفصال جنوب السودان طالما كان ذلك رغبة الناس في الجنوب ولكنى انتقدت الطريقة التي تم بها الاجراء فى مقالاتى السابقة وكذلك اعيب على قيادتها انعدام الشفافية والوضوح وعدم المبدئية والصدق فى الممارسة السياسية.
واعتقد ان ذلك ينطبق الآن على الحركة الشعبية شمال بقيادة الاستاذ عبد العزيز الحلو طالما ظل الرجل يقتفي أثر الحركة الشعبية الأم في إقامة تحالفاته الثنائيه. والاعلان الاخير للحركة الشعبية مع تجمع المهنيين السودانيين لخير دليل على أنه يفعل ذلك وبوعي تام خاصة وانه على علم بأزمة المشروعية التى دخل فيها تجمع المهنيين بعد تامر اليسار الشمولى فى انتخابات سكرتاريته الأخيرة، ويبدو انه اراد ان يستفيد من ذلك بمد يده لعله برفع الحرج عنهم ربما ببعض الانجازات التى يمكن ان تحسب لهم. لكن من الواضح أنه يضع العراقيل وبوعي تام امام الحكومه الانتقاليه وذلك بطرح أجندة لا يمكن أن تحقق إجماع، بدلا عن وضع يده مع قوى الثورة ودعمها من اجل ان يميل توازن القوى لمصلحة شباب الثورة حتى تستطيع مؤسسات الانتقال الضغط من اجل تحقيق اكبر قدر من المكاسب على جبهات متعددة منها تحقيق السلام وتفكيك النظام الشمولي وتحقيق العدالة للضحايا من الشهداء وتخفيف تكاليف الحياة المعيشية على المواطنين الخ من ملفات شائكة ومهمة حتى يتمكن السودان من المحافظة على تماسكه ووحدته فى واقع إقليمي مليء بالتحديات.
إن موقف الحلو اليوم ببساطة يذكرنا بمواقف الراحل قرنق من الديمقراطيه الثالثه حينما رفض دعم الانتفاضة ووصفها بأنها مجرد امتداد لحكومة مايو الأمر الذي أضعفها كثيرا لصالح القوى المضادة مما سهل على الإسلاميين أمر الانقضاض على الديمقراطية ووأدها فى انقلاب الانقاذ عام 1989م.

طلعت محمد الطيب
محافظة أونتاريو – كندا

 

تعليق واحد

  1. الحركة الشعبية طرحها واضح و لم تقم تحالف مع احد اما ان رأي تجمع المهنيين في طرح الحركة الشعبية موافقة لما يراه هو لمستقبل السودان فهذا يعتبر توافق في الروءية و ليس تحالف بالمعني الحرفي للتحالف اما مشروعية تجمع المهنيين فهذا شيء لا يخص الحركة في شيء و ذاك صراع لا دخل للحركة في حيثياته

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..