صديق الروح

ماكنت احسب د.اسامه انني بعد ان اقرا هذا المقال (صديق الروح)ان أتعرف علي الراحل المقيم مثلك .ومثله لا تقف الكتابة عنه في الفيس بوك.سودانيون كثر لهم الحق أن يعرفو عنتر والغربة عرفت الكثير عن رجال كعنتر لكن لم يجدو قلما ليكتبو عنهم .عنتر من الرجال الذين خلقو للمحابر والمنابر …وكثير من الرجال خلق لتوسعة المقابر. اسمح لي بهذه المقدمة أن آقدم عنتر للصحف.فمن حق أهله أن يعرفو عنتر الذي عرفته انت وتعرفت عليه عبرك له الرحمه.
تفول الاغنية الشعبية الاسبانية: إن شيئا يموت فى الروح عندما يرحل الصديق…أرجوك لاترحل..ولكن الرحيل سنة الحياة كما أن سنة الحياة المضى قدما الى الامام…توفى من فترة صديقى وزميلى فى الدراسة فى اسبانيا ? مدريد – عنتر حسن أحمد ، وقد صدمت صدمة عميقة عندما خاطبنى شقيقه الشاعر والمبدع خطاب حسن أحمد واخبرنى بالتفاصيل وان جثمان الفقيد فى لندن وانه سيواراى الثرى فى السودان وتلك كانت وصية عنتر نفسه قبل ان تفيض روحه الى خالقها بدقائق…عشت تلك الايام العصيبة بدقائقها الغريبة وتفاصيلها المحزنة حتى تحت ظلمة ليل استراح صديقى اخيرا فى حمد النيل بين ضلوع امدرمان التى احبها بشدة وعمق..وقد كتب قصائد عديدة فى حب امدرمان واسماها )بيوت الطين – موشحات امدرمانية( كما قال مثل الموشحات الاندلسية تلك القصائد المشهورة والرائعة.. ظللت لزمن طويل حبيس الذاكرة المفجوعة وربما فى حالة “رفض” استعرض سرا ولوحدى ذكرياتى مع الراحل فى مدريد بتفاصيلها الصغيرة واحداثها المهمة فقد عشنا فى منزل واحد عدة سنوات، بل تشاركنا غرفة واحدة، وكنا ننام ونحن نتحدث عن السودان ومراتع الصبا فى امدرمان الحبيبة المفقودة..اتذكر سخريته الغريبة فقد وجدته ذات يوم وهو خارج يسكب عطرا على اقدامه فاندهشت وسالته ماهذا؟ فرد جادا ربما يود احدهم تقبيل قدميه من يدرى!
قبل فترة فى دبى كنت أحدث الصديق والشاعر عبدالقادر الكتيابى عن موهبة وحياة عنتر حسن أحمد فى مدريد، فقال لى لماذا لاتكتب عنه؟ عامة الناس لاتعرفه، وهذا صحيح فعنتر عاش معظم حياته خارج السودان… وصديقى الشاعر لايعرف أن الكتابة عن اشخاص مثل عنتر يمثل الخوض فى تفاصيل حياة ومرحلة قد اختفيا وبسرعة…تفاصيل صورة تجد نفسك فى عمقها ، وربما لا استطيع أن أوفيه حقه..فانا لست شخصا محايدا تجاه صديقى وزميلى..ومع ذلك احاول كتابة شىء لربما عرف بعض الناس عنه القليل..
قابلت عنتر حسن أحمد فى مدريد فى بداية الثمانيات فى مدرسة اللغة الاسبانية، وكان انيقا فى ملبسه فالرجل قادم من ليبيا حينها وكان قد عمل فى مطار طرابلس فترة من الزمن..درسنا الكورس الاول مع بعض وكان شديد الاهتمام بدراسة اللغة والتى تفوق فيها منذ البداية، وفيما بعد تخصص فى اللغة الاسبانية فقد درس فى مدرسة اللغات بمدريد حتى تحصل على اعلى شهادة متاحة فى الترجمة الفورية..درس الشعر الاسبانى وبحوره وطرق نظمه بل وتاريخه، وكان يشرح لى موضوع الشعر الاسبانى لانى كنت قد انصرفت الى دراسة اخرى..عنتر كان رجلا جادا حتى الصرامة وكان قليل الاصدقاء والاصفياء..عمل فى سنواته الاخيرة موظفا فى بلدية مدريد فى قسم يهتم بالسلام الاجتماعى فى بعض الاحياء التى يسكنها كثير من الاخوة المغاربة، كان “واسطة خير” فيما بينهم…ثم افتتح له مطعما فى مدريد وكنت شاهدا على بداياته الصعبة وتطوره، كان يعمل بلا كلل ساعات طوال وأعرف أنه يوفر الطعام المجانى لكثير من الناس الفقراء، الرجل كانت تشغله امور اخرى ليس من ضمنها المال وتكديسه…نهاية الاسبوع اقصد منزله فى وسط البلد وبعد الانتهاء من العمل فى المطعم والذى ينتهى عادة منتصف الليل..نذهب معا لقراءة الشعر واسمع انتاجه الجديد، ولا أدرى من اين كان يحصل على الزمن ليكتب! ربما ولانه عرف باقتراب الرحيل..كان مريضا جدا وعرف أن زمنه قد انتهى حتى أنه كتب قصيدة اعتقد انها كانت رثاء لنفسه اسماها “الصمت” القصيدة تتحدث عن ملامح عالم اخر… كان يكتب الشعر ويرسم ويترجم فقد ترجم كثير من اعمال محمود درويش وهى التى جعلته معروفا ومشهورا بين اوساط المثقفين فى اروبا..كان فنانا كاتبا قاصا وتشكيليا مجيدا، وربما أهم سمة فيه أنه كان فيلسوفا وقد انعكس ذلك فى شعره..كتب الشعر بعدة لغات ..بالاسبانية
والانجليزية التى كان يحذقها وبالعربية وبالسودانية…وقد صدر له فى مدريد كتاب بالاسبانية فيه شعر وقصص…عنتر كان يحلم بالعودة الى وطنه الذى فارقه ..اعتقد جازما بان عنتر كان ليكون له شان عظيم فى السودان ..كان يملك مفاتيح المعرفة والتفوق والروح الخيرة الوثابة ليبدع ويقدم لوطنه..كان محبا للسودان حتى النخاع.. وهو طريح فراش الموت والروح تنسل منه سالته الممرضة الانجليزية ماذا تريدنا أن نفعل بعد ذلك؟ تقصد بعد وفاته بجسده..فرد بصعوبة بان جسده لامه.. قصد مباشرة والدته حاجة محاسن اوربما والدته امدرمان، وقد كان…أذكر أن شقيقه خطاب حسن أحمد ونحن نهم بالذهاب الى المقابر جاء وفى يده زهور امدرمانية معينة تنمو بكثرة فى نواحيها وقال أن عنتر كان يحبها فمارايك ان نضع بعضها معه فى مرقده الاخير؟ وقد كان..لايمكن اختصار سيرة رجل عظيم مثل صديقى عنتر حسن احمد ببضع كلمات سراع، فالرجل كان مشروع خير ورقى مبذولا لبلده الذى نبذه كما نبذ الكثيرين من الافذاذ والعباقرة…لم يلوم الذين رفضوه قط ..لم يهتم بالمناصب و بالمال ولا بترهات هذه الدنيا الزائلة.. عاش عمرا قصيرا كنيزك اضاء لثوانى ثم إنزوى، وترك بصمته على الاقل بين الذين عرفوه عن قرب..اللهم أرحم عنتر وأحسن اليه.
[email][email protected][/email]